المخرج السينمائي الشريف الطريبق يكتب عن رحيل العربي اليعقوبي “آخر الطنجاويين”

وأنا أستعد لخروج فيلم أفراح صغيرة للقاعات السينمائية، فاجأني خبر وفاة الفنان والصديق العربي اليعقوبي. كنت أود أن تمهله الموت قليلا حتى يشاهد هذا الفيلم الذي طالما حدثته عنه لأنه عارف بالتراث الشمالي ومولع به. كان المرحوم رغم سنه المتقدم خزانة متحركة: يحفظ الأغاني والأشعار حتى النادر منها، يعرف اللباس والعادات والتقاليد وفن الحياة وطالما استدرجته ليحكي لي بعضا من تفاصيل ذلك الزمن، وبالمقابل كان هو يلح علي في أن أمدّهُ ببعض التسجيلات الموسيقية النادرة التي كنت أحصل عليها من التراث الأندلسي الشعبي  القديم.

العربي اليعقوبي فنان يصعب تصنيفه لأنه ببساطة  إنسان  لا تعرف معه أين تبدأ الحياة وأين ينتهي الفن، لأن كل يوم يعبره العربي اليعقوبي بأناقة غير معهودة وبعصاه هو في حد ذاته عمل فني، أناقة ترحل بك إلى الزمن الجميل زمن “جيل البيت” (Beat Generation) وطنجة الدولية وبول بولز ومحمد شكري وكل الأسماء التي ما زالت رغم رحيلها تسكن ذاكرة المدينة.

كان لي الحظ في الاشتغال معه في فيلم تلفزوني للقناة الثانية باب المدينة أو لنقل لم يكن هذا  الفيلم إلا مبررا للاستمتاع بجلسات العربي ومعرفته عن قرب والافتخار بصداقته بين الأصدقاء… مع العربي يكفي أن تطلب منه أن يقف أمام الكاميرا  لتجد نفسك في غنى عن أي نص أو أي مبرر، ملامحه أبلغ من أي حوار وصمته حكاية في حد ذاته.

في مرحلة المونتاج يصعب أن تختار المكان الذي ستقطع فيه اللقطة وتجد نفسك تقاوم المنطق الداخلي للحكي الذي يفرض عليك مدة معينة. تراه يقف وسط اللقطة وسط الديكور فيصبح حضورا  طاغيا إلى درجة أنك تشك في أنك مدبر هذا الموقف ومخرج له.

العربي اليعقوبي سخي ومضياف يحب أن يعيش بين ومع ولأصدقائه. كان منزله مفتوحا في وجه أصدقائه ومعجبيه من المغرب وخارجه. والحياة كذلك كانت هي الأخرى سخية تجاهه إلى درجة أنها جعلته من أخر معالم طنجة. طنجة حينما سنزورها بعد رحيل العربي سنصاب بخيبة أمل لأنها لن تشبه أبدا طنجة. ستصبح مدينة تشبه كل المدن لأن المدن يصنعها رجالها ومبدعوها بخيالهم وتجربة حياتهم المتميزة التي تطبع المكان وتبث فيه الروح لتمتلكه في النهاية.

لنقل بحزن عميق أنه مع رحيل العربي هناك زمن ولى، زمن الشعر بمفهومه العام، زمن الانزياح. فمرحبا بزمن التهافت العقاري  والأغنياء الجدد، زمن الرتابة واليأس بامتياز، زمن نمطي كأغنية مبتدلة.