عبد الله طلال
بشكل غريب ومثير صادف نقاش/دعوة حكومية إلى موضوع، يتقاسم كثيرا من جزئياته مع إنتاج تشريعي في نفس الأسبوع لنص قانوني طال انتظاره أزيد من سبع سنوات خلت..
بين الدعوة الحكومية والنص البرلماني كثير تقاطعات وعديد خلفيات.. وحق أريد به باطل..؟!.
والأهم بينهما برزخ لا يبغيان..!
الأول: تصريح للشاب الناطق الرسمي باسم الحكومة مفاده:”أن هناك موجة من الأخبار الزائفة التي تروج في مواقع التواصل الاجتماعي، لها أثر سلبي على المناخ الاجتماعي، ويكون لها انعكاسات كبيرة سياسية اقتصادية واجتماعية.. ورغم كل الإجراءات المتخذة فإنها تبقى محدودة.”
وزارة الداخلية بدورها اهتمت بالموضوع بشكل عملي، بالرد على الأخبار والصور الزائفة.. دون أن تزيد عن ذلك.
وزيرنا في الاتصال ذهب بعيدا “بحثا عن إطار قانوني” يقنن ويجرم الأخبار الكاذبة، وبدأت فعلا الدراسات، وتحرك خبراء الوزارة في هذا الاتجاه؟!.
أمر دفع نقابة الصحافة إلى إصدار بيان تحذيري في الموضوع يوم 30 يناير 2018.
حكومة تؤرقها فعلا الأخبار الكاذبة والصور الزائفة، لكنها متخبطة في أمرها ولا تملك رؤية موحدة وواضحة لمعالجتها..؟!
ومواطن يؤرقه “كذب” وزير الاتصال بعد صدور بلاغ النقابة وبيان ناري للفيدرالية المغربية لناشري الصحف يوم الجمعة 26 يناير 2018، يتضمن إلى جانب عناصر أخرى ردا في الموضوع، ليصرح بعدها الوزير “خفية” أن: الحكومة لا تفكر في أي إطار قانوني في الموضوع..؟ !.
سبحان الله..”غير البارح أسي الفقيه وأنت داوي على هادشي”..؟!
وكأن خبراء الوزارة كانوا يشتغلون على قانون لمحاربة أخبار الجن والعفاريت..؟!.
بالله عليكم أليس تصريح / نفي الوزير نوعا من الأخبار الكاذبة..؟!
هاته واحدة.
الثانية أخطر: أن الحكومة عبرت عن جهل حتى بالقوانين التي تضعها بنفسها..؟!.
في قانون الصحافة والنشر أيها السادة الوزراء توجد مادتان 72 و 106 يتيحان إمكانية اللجوء إلى القضاء من أجل سحب مثل هاته المواد الكاذبة بل وتقرير العقوبات في حق أصحابها.
بل الأخطر من ذلك فقد قامت السلطات بتمرير مشروع قانون رحلت بموجبه جزءا من المادة 72 من قانون الصحافة إلى القانون الجنائي دون استشارة مع المهنيين في سابقة لم تحصل مند عقود (حسب بيان فيدرالية الناشرين).
فهل أصبحنا أمام ظاهرة الناسخ والمنسوخ..؟!
كيف ننظم موضوعا واحدا بنصين مختلفين..؟!
طيب لنترك كل هذا.
ما قصة الأخبار الكاذبة والزائفة؟
منذ حوالي سنة 2016 بدأ الموضوع يثار في فرنسا، ليعلن الرئيس ماكرون مع بداية السنة الجديدة “الحرب على الأخبار الزائفة عبر مشروع قانون يحضر نشر الأخبار الزائفة لا سيما في الفترات الانتخابية”.
الجانب الشخصي لم يكن بعيدا عن الموضوع، فقد أعلن ماكرون: “شخصيا كنت ضحية الحملات الزائفة عبر الانترنيت، ووسائل التواصل الاجتماعي”، رغم محاولات البحث عن مبررات المصلحة العامة للمشروع فيما بعد ..؟!
منذئذ أصبح الموضوع حديث الجرائد والأسبوعيات والمجلات الفرنسية بشكل شبه يومي، ومنها من خصصت ملفات كاملة للتحليل والتعليق مستدعية مفكرين، خبراء، متخصصين، إعلاميين بارزين، فاعلين، نقابيين… الخ.
ربما آخر ما صادفته في الموضوع، ملفا أعدته جريدة لوموند الفرنسية يوم السبت 3 فبراير 2018، تحت عنوان: les « fake news » une vielle histoir
نقاش الأخبار الكاذبة والصور الزائفة في فرنسا، له سياقاته، وخلفياته ورهاناته السياسية.. بلغة أدق له خصوصيته. والاسقاط اللامبرر للنقاش على وضعيتنا، كنوع من استنساخ “النعجة دولي”..؟!
لنعد إلى النص التشريعي، قانون الحق في الحصول على المعلومة، جاء تطبيقا للفصل 27 من الدستور الذي ينص على أنه “للمواطنين والمواطنات حق الحصول على المعلومات الموجودة في حوزة الإدارة العمومية والمؤسسات المنتخبة، والهيئات المكلفة بمهام المرفق العام، ويضيف أنه “لا يمكن تقييد الحق في المعلومة إلا بمقتضى القانون، بهدف حماية كل ما يتعلق بالدفاع الوطني، وحماية أمن الدولة الداخلي والخارجي، والحياة الخاصة للأفراد، وكذا الوقاية من المس بالحريات والحقوق الأساسية المنصوص عليها في هذا الدستور، وحماية مصادر المعلومات والمجالات التي يحددها القانون بدقة”.
من جانب آخر يراهن على هذا القانون لتأكيد الالتزام الدائم للمملكة المغربية بحقوق الانسان كما هي متعارف عليها عالميا، وبمقتضيات المادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الانسان، والمادة 19 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، وكذا المادة 10 من اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد التي ألزمت الإدارات العمومية بضرورة تمكين المواطنين من الحصول على المعلومات واتخاذ التدابير الكفيلة لممارستهم لهذا الحق، تعزيزا للشفافية وترسيخا لثقافة الحكامة الجيدة.
القانون 13.31 صوت لصالحه 153 نائبا وعارضه 43 نائبا.
فهل جاء المولود بقدر المخاض؟
أولا: برأي عدد من الخبراء والمهنيين فإن الفصل 27 من الدستور نص على ثلاثة استثناءات عن الحق في الوصول إلى المعلومات، لمزاوجة الحرية مع المسؤولية، هاته الاستثناءات الثلاث تحولت في النص القانوني إلى 19 استثناءاجديدا..؟!.
القانون إذن أفرغ النص الدستوري من محتواه، وعمد إلى سد كل الثقوب التي كانت تتسرب منها بعض المعلومات المهمة إلى الصحافة، مفسحا المجال –حسب تعبير أحد الزملاء – لرواج الإشاعة وصحافة الرصيف والإعلام الأصفر، الذي يدور في فلك السلطة السياسية والسلطة المالية، ولا يحتاج إلى معلومات لكتابة خبر أو بناء رأي..؟ !.
ثانيا: الإجراءات والتدابير التي أقرها القانون قصد الحصول على المعلومة تستغرق حيزا زمنيا طويلا يصل إلى 165 يوما من تاريخ تقديم الطلب، دون احتساب الأجل القانوني للطعن أمام القضاء (60 يوما)..؟ !
هاته الإجراءات / العراقيل، تفرغ عمليا الحق في الولوج إلى المعلومة من محتواه.. وتحيل على الهاجس الضبطي والخلفية الأمنية التي صيغت بها بنود ومواد القانون..؟ !
إنه وضع أسوأ من السابق، يمأسس في الواقع قانونا للتعتيم لا للحق في المعلومة..؟ !
ثالثا: المتن القانوني نفسه يحمل تناقضات بداخله، كالتعارض الواضح بين المادة 6 والمادة 29 من القانون ذاته..؟ !
اجمالا، فإن القانون رقم 13-31 أخطأ الطريق إلى “الحق في الولوج إلى المعلومة” وخلق استياءا كبيرا لدى عدد من الفاعلين والمهنيين والمهتمين، ونجح في خلق جبهة عريضة للرفض من حوله.
إن الحق في الحصول على المعلومة تحول إلى حجبها وإقبارها..وتهريبها لفائدة الأخبار الكاذبة والزائفة..؟ !
والغاية.. حاجة في نفس الحكومة وأغلبيتها..قضتها بالقانون..؟ !
وتكلم قضية أخرى.