تمنيت لو كنت تونسية!
نزهة كسوس
(عضو اللجنة الاستشارية الملكية لتعديل مدونة الأحوال الشخصية سابقا)
إن إعلان رئيس الجمهورية التونسية الباجي قايد السبسي في 13 غشت بمناسبة اليوم الوطني للمرأة، جاء مثل انفراج جميل وسط أجواء الكآبة السياسية والاجتماعية الراهنة؛ في المغرب كما في أماكن أخرى من العالم الإسلامي. ويتعلق الأمر بمراجعة قوانين الإرث من أجل تحقيق المساواة بين المرأة والرجل؛ وأيضا مراجعة القانون الذي يحظر زواج التونسيات من غير المسلمين.
يأتي هذا بعد بضعة أيام على اعتماد القانون الأساسي لمكافحة العنف ضد المرأة، بالإجماع، في 26 يوليوز المنصرم. إذا تحقق ذلك، فسوف يسجل السبسي كما هو الشأن بالنسبة للراحل بورقيبة؛ في تاريخ القادة المسلمين المستنيرين الذين اتسموا بوعي سياسي حاد بالتغيرات التي تحدث في مجتمعاتهم والاستجابة لاحتياجاتهم. ومن شأن ذلك أن يديم صورة تونس، شعبا ومؤسسات، كمختبر تاريخي لتنفيذ المساواة بين الجنسين في البلدان ذات الثقافة الإسلامية.
لقد أكد السبسي في كلمته على أن هذه الإصلاحات ستجري اعتمادا على مبادئ الإسلام (العدل والمساواة وحرية الاعتقاد والضمير) ووفق المادتين 21 و 4 من الدستور الجديد. وبالتالي، ستكون تونس على استعداد لعبور إحدى الخطوات “الأخيرة” الكبيرة لتحديث وعلمنة (sécularisation) قانون الأسرة؛ فيما يتعلق بموضوع الإرث الذي هو على الأقل موضوع جدل. وجدير بالملاحظة بهذا الصدد أن قانون الأحوال الشخصية لسنة 1956 كان قد ألغى الميراث بالتعصيب في غياب وريث ذكر؛ ونص على توريث كل الإرث إلى ابنة أو بنات الموروث (de-Cujus).
مراجعة قاعدة أن يرث الذكر مثل حظ الأنثيين لا يمكن تصورها وتحقيقها دون قراءة غير دوغمائية، عقلانية وسياقية للموروث الثقافي والديني. ونظرا لحساسية المسألة، فإن هذا يتطلب تحمل مخاطر النزاع وإعطاء الكلمة وفتح الحوار مع جميع الأطراف. وعبر تصويت المنتخبين ممثلي السكان سوف تحل الخلافات ديمقراطيا.
من الواضح أن عملية العلمنة (sécularisation) تبدو جارية لدى جيراننا التونسيين. وكدليل على ذلك، ما أعلنه وزير الشؤون الدينية التونسي، من أن “وزارته لا تملك سلطة إصدار الفتاوى أو النطق بقضايا من هذا النوع”. مضيفا “أن رئيس الجمهورية هو الذي يملك السلطة الدستورية لتقديم مقترحات يعتبرها صالحة”. مجلس الفتاوى التونسي، أكد من جانبه على هذا التطور في بيان منشور، اعتبر فيه أن “الرئيس السبسي يتحدث من خلال مقترحاته إلى التونسيين انطلاقا من العقل والقلب”.
واستنادا إلى القرآن، يضيف البيان فإن “إصلاحات نظام الإرث وقانون زواج المسلمات من غير المسلمين ينبع من روح الإسلام والاتفاقيات الدولية التي تعزز مكانة المرأة التونسية ومساواتها في الحقوق والواجبات”. وبالتالي فإن هذه الأوراش، التي تتضارب الآراء حولها، تم إطلاقها انطلاقا من مرجعيتين: دينية وكونية؛ وهذا يقطع الطريق على المقاربة الأمنية التقليدية التي، بحجة “تجنب الفتنة”، كانت تمنع أي نقاش حول هذا الموضوع المفروض أنه خلافي.
قانون مرهون بيد دوغمائيات دينية وثقافية
إذا كانت العديد من الأصوات التونسية قد رحبت بهذا القرار، فإن طعونا من داخل تونس ومن خارجها، بدأت تلوح، وخاصة من طرف الأزهر، وهو أمر غير مستغرب من مؤسسة اعتاده اعتماد قراءة دوغمائية للنص القرآني.
ولنتذكر الضجة التي أثارها تقرير المجلس الوطني لحقوق الإنسان لعام 2016، والذي دعا إلى تنقيح قواعد الإرث في المغرب، حيث سارع المجلس العلمي الأعلى إلى القول بأن ذلك غير مقبول لأن “كل شيء واضح في القرآن ولا يمكن أن يكون هناك اجتهاد بهذا المعنى”. وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية حاول في الوقت نفسه التقليل من أهمية هذه المسألة خلال درس ديني في رمضان 2016، عندما تطرق إلى الحالات القليلة التي ترث فيها النساء مثل الرجال أو أكثر. ومنذ ذلك الحين، عقدت العديد من الحلقات الدراسية وظهرت بحوث جماعية في الموضوع، ومع ذلك بقي الموضوع مغلقا بإحكام على المستوى التشريعي.
ما يحدث في تونس، على المستوى التاريخي والتشريعي في العالم الإسلامي، هو عملية تسعى إلى التوفيق بين الإيمان وبين تحقيق الرفاه للفرد وللمجموعة التي يوجد ضمنها. أليس هذا هو ما تحدث عنه الإمام ابن القيم، “أينما كانت المصلحة فثمة شرع الله” (المترجم: يبدو أن الكاتبة وقعت في خطأ، فصاحب المقولة هو الإمام الشاطبي وليس ابن القم الجوزية). أليست هذه واحدة من المعارك التي قادها – و خسرها للأسف – ابن رشد، عندما أكد على أنه إذا عارض الدين العقل، فقد أسيء فهم الدين؟
أكيد أن القضية أبعد من أن تكون سهلة. لكن، المقاومات الإديولوجية الموروثة عن قرون من الاستعمال والاستغلال الدوغمائي والسياسي للإسلام انتهت بنا في نهاية المطاف أمام ثقل واطراد وتفاقم المشاكل التي تطرحها الأوضاغ المتغيرة في المجتمعات الإسلامية. هذا ما يجب أن نكون متأكين منه، وبالأساس علينا أن نتناقش بهدوء، وعقلانية واحترام وأخلاق. وختاما أؤكد أنني وبكل مغربيتي التي أفتخر بها، تمنيت، اليوم لو كنت تونسية.
ترجمة سليمان الريسوني بتصرف عن “L’economiste”
عاجل.. مجلس النواب يصادق بالأغلبية على مشروع قانون المالية لسنة 2019
صادق مجلس النواب في جلسة عمومية، اليوم الجمعة، بالأغلبية على مشروع قانون المالية لسنة 2019…