مصطفى الفن
ليس مجاملة أو تملقا أن أقول إن الجالس على العرش انتصر دائما للمنطق الديمقراطي ضدا على “المنطق” الاستبدادي في الكثير من المنعجرات والامتحانات التي واجهتها بلادنا منذ مجيئه إلى الحكم.
ولا أعتقد أن ملكا، بهذا الحس الديمقراطي وما راكمه من مجهودات كبيرة داعمة لخيار الإصلاح في المغرب، سيوافق على تلك “الطريقة الخاطئة” التي تدخلت بها قوات الأمن، أمس الأحد، لنسف نشاط سلمي داخل مقر نقابي لا خارجه.
أقصد هنا المؤتمر الاستثنائي لنقابة الاتحاد العام للشغالين بالمغرب، الذي دعا إليه الأمبن العام لحزب الاستقلال حميد شباط وأنصاره في سياق حربهم ضد مجموعة حمدي ولد الرشيد، التي انتخبت هي بدورها رئيسا جديدا هو صهره النعمة ميارة.
وأنا هنا لا أتقمص دور معارض له حسابات خاصة أو عامة يريد تصفيتها. أنا مجرد صحافي يهمه المعنى والذوق في المقام الأول.
ولا يهمني إطلاقا أن أعاتب أحدا أو جهة أو جهازا بعينه. أنا هنا أفكر بصوت مسموع وبحس مغربي صرف لأتحدث فقط عن تدخل خاطئ لم يكن هنا داع إليه.
وهو فعلا تدخل خاطئ لأن أشغال هذا النشاط النقابي كانت تجري داخل مقر النقابة ولن يترتب عنه أي مس بأمن الدولة ولا مس بالنظام العام ولا عرقلة لحركة السير.
وهب أن حميد شباط لم يحترم مقررا قضائيا، ولو أن هذا الأمر فيه بعض الخلاف القانوني، لكن أن نمنعه حتى من الاجتماع بأنصاره داخل مقر نقابته ونقتحم عليه الباب بتلك الكيفية المرعبة فهذا لن يتضرر منه لا شباط ولا أنصاره.
المتضرر هنا هو صورة بلادنا في الخارج وهي تقطع الماء والكهرباء على نقابيين مسالمين ثم ترسل قواتها لإخراج مسؤول سياسي بالقوة وتمنعه من الكلام، فيما هو يصرخ بأعلى صوته “الله أكبر.. الله أكبر… عاش الملك.. عاش الملك”.
فهذا يبدو لي والله أعلم ليس هو المغرب الذي يحلم بها المغاربة عندما تصبح الحياة السياسية والنقابية حتى في أشكالها البسيطة مهددة بقرارات غير محسوبة العواقب.
المغرب ليس قزما، وهو أكبر من هذا الذي يحدث أمامنا. وهو أيضا صاحب نموذج متفرد في التعامل مع أشد خصومه ومعارضيه بمن فيهم المتطرفون منهم.
وسامح الله الذين أعطوا الضوء الأخضر لتنزيل مثل هذه القرارات التي قادت إلى الهجوم على مقر نقابي له حرمته وقدسيته بمبررات قانونية ربما غير مقنعة.
وكم تمنيت لو لم تصدر المديرية العامة للأمن الوطني بلاغا في هذه القضية لأن المعني رقم واحد بهذا الانشقاق النقابي هو وزارة الداخلية التي تبقى هي المخاطب الرسمي للأحزاب والنقابات في مثل هذه الخلافات الداخلية.
المديرية العامة الآن في نسختها الجديدة مع عبد اللطيف الحموشي لها الآن سمعة طيبة وسط عموم الناس، وينبغي أن تظل كذلك.
لكن ينبغي أن نعترف أن ما وقع أمس هو فعلا سابقة مخيفة تبشر بالمجهول وفيها مس بالحياة السياسية والنقابية السليمة وتحريض غير مباشر على مزيد من الاحتجاجات في المناطق المشتعلة مثل الريف أو غيرها.
بل إن ما وقع أمس فيه أيضا حرج كبير لمكونات الحقل السياسي والنقابي جميعها لأنها التزمت الصمت ولم تخرج عن صمتها ليس دفاعا عن شباط ولكن دفاعا عن مقراتها وعن قضية مبدئية لتحصين ما هو مكتسب.
نعم، كلنا يقدر المجهودات التي تقوم بها الأجهزة الأمنية لحماية أمن الوطن والمواطنين، لكن واقعة أمس تضمنت رسالة سلبية سيكون لها ما بعدها في تقارير الهيئات الحقوقية والمنظمات الدولية والخارجية الأمريكية.
وبدون شك، لن تمر مثل هذه الوقائع مرور الكرام، بل إنها ستصعب بالتأكيد مهام وزيري العدل وحقوق الإنسان في المحافل الدولية والهيئات الأممية في معركة الدفاع عن السمعة الحقوقية للمغرب.
أكثر من هذا، نحن في المغرب ولسنا في رومانيا تشاوسيسكو حتى نقتحم مقرا نقابيا آمنا، بل مملوكا يا حسرة لنقابة هي أصلا امتداد لبنية مخزنية، ومناضلوها ملكيون ومخزنيون بسكر زيادة ولم يثبت أنهم كانوا غير ذلك.
وفعلا، لم يصدق كثيرون، وأنا واحد منهم، كيف أن الدولة بإرثها الحقوقي كله وبتجربتها الرائدة في هيئة الإنصاف والمصالحة سقطت في هذا المحظور وتضايقت من مجرد اجتماع كان يمكن أن يمر دون أن ينبته إليه أحد.
ولا أظن أن جمهور الناس في الداخل والخارج يتحدثون اليوم بعد واقعة التدخل الأمني عن تحقير مقرر قضائي مختلف حول قانونيته بقدر ما يتحدثون عن اقتحام أمني لمقر نقابة لا يؤوي إرهابيين أو مسلحين، بل يؤوي نشطاء سلميين ليس إلا..
بقي فقط أقول إن هذا الذي كتبته لا ينبغي أن يفهم منه أني أدافع عن شباط أو أني أتقاسم معه أفكاره.
لا. وأبدا والله يشهد.
أنا كتبت كل هذا لأني أريد أن أشبه نفسي ولا شيء غير نفسي، ومن شابه نفسه فما ظلم.
عاجل.. مجلس النواب يصادق بالأغلبية على مشروع قانون المالية لسنة 2019
صادق مجلس النواب في جلسة عمومية، اليوم الجمعة، بالأغلبية على مشروع قانون المالية لسنة 2019…