محمد أغبالو

يعرف تشكيل الحكومة “بلوكاجا”، تجاوز شهره الخامس ودخل الشهر السادس، وحتى الآن لا تزيد مواقف الطرفين الرئيسيين في المفاوضات إلا “تصلبا”، فبنكيران أقسم من الواليدية أنه ليس عبد الإله، إذا دخل الاتحاد الاشتراكي الحكومة، وأخنوش كان قد سبقه وأعلن من إفران تشبثه بإدريس لشكر.

قد يبدو سؤال من يقف وراء “البلوكاج” غير ذي معنى، لأن الإجابة بديهية لطرفي المفاوضات، فكل معسكر يرمي الكرة بين أيدي المعسكر الآخر، فبنكيران يلقي باللائمة على “التحكم” وغياب استقلالية القرار السياسي لدى الأحزاب، والطرف الآخر يتهمه بالغطرسة والرغبة في إلغاء وجوده، بدعوى أن الانتخابات بوأته المرتبة الأولى.
في هذا المقال سنحاول إبراز الأخطاء التي ارتكبها كل طرف مما أدى إلى ما وصلنا إليه من حالة “البلوكاج” في تشكيل الحكومة، وسنبدأ بإبراز هفوات عبد الإله بنكيران رئيس الحكومة المكلف، على أن نعود في جزء ثان من هذا المقال للحديث عن ارتباكات رباعي أخنوش.
أعلنت نتائج الانتخابات ليوم 7 أكتوبر، حزب العدالة والتنمية متصدرا باقي الأحزاب، واستقبل الملك بنكيران يوم 11 أكتوبر وكلفه بتشكيل الحكومة في احترام تام للمنهجية الديمقراطية ولمنطوق الدستور المغربي وخاصة الفصل 47 منه، ومباشرة بعد ذلك الاستقبال -الذي لم يعرف حتى الآن ماذا كان دور مصطفى الرميد فيه -، أخذ بنكيران يستقبل وفود الأحزاب السياسية المهنئة والراغبة في دخول الحكومة، باستثناء، حزب الأصالة والمعاصرة الذي أعلن مباشرة بعد ظهور نتائج الانتخابات توجهه إلى المعارضة، من جهة لأن المهمة التي خلق من أجلها، والتي فشل في أدائها، كانت هي القضاء على “البيجيدي” ومن جهة ثانية لأنه يعلم أنه يعتبر خطا أحمرا بالنسبة لإخوان بنكيران، وكذا فيدرالية اليسار التي رفضت دعوة بنكيران -عبر وسائل الإعلام-، واعتبرت أن اللقاء سيكون شكليا فقط ولا جدوى منه. حيث أعلن بنكيران أنه سيبدأ بلقاء حلفائه في الأغلبية السابقة وهم الأحرار والحركة الشعبية والتقدم والاشتراكية، لكن اعتذار حزب الأحرار، بدعوى استقالة رئيسه صلاح الدين مزوار “المفاجئة”، وتوجهه نحو عقد مؤتمر استثائي يوم 29 أكتوبر “لانتخاب” رئيس جديد، بعثر أوراق بنكيران، الذي استقبل نبيل بنعبدالله حليفه “الاستراتيجي” وبعده امحند لعنصر، فحميد شباط، ثم إدريس لشكر ومحمد ساجد.
وبدل أن يمضي قدما في تشكيل حكومته، وقع بنكيران في الخطأ الأول، حيث اعتبر عقد الأحرار لمؤتمر استثنائي من أجل تغيير رئيس الحزب، رسالة من الدولة، ولأن بنكيران لا يرغب في التصادم مع الدولة – رغم أن شخصيته صدامية-، اختار انتظار الأحرار إلى أن ينتهوا من مؤتمرهم رغم أن ادريس لشكر كان قد طلب منه أن يمضي في تشكيل الحكومة ولا ينتظر أحدا. وهنا أصبح حزب عصمان فعلا حزبا رئيسيا في المعادلة، وأصبحت 37 مقعدا تساوي أكثر من 37 بكثير جدا، حيث كان من الممكن جدا أن يكون واقع الحال مغايرا لما هو عليه اليوم، لو أن بنكيران عقد عزمه على تشكيل حكومة أقلية مكونة من العدالة والتنمية والتقدم والاشتراكية والاستقلال والاتحاد الاشتراكي، رغم أن ادريس لشكر لم يكن محط ثقة من لدن قيادة العدالة والتنمية منذ اليوم الأول.
الخطأ الثاني الذي ارتكبه بنكيران، هو قبوله بالتنازل عن حزب الاستقلال، حيث صدق ببلاهة أن تخليه عن الاستقلال، سيجعل أزمة تشكيل الحكومة تجد طريقها نحو الحل، رغم أن شباط لم يقل شيئا غريبا أو جديدا عن أدبيات حزب الاستقلال، التي تعتبر أن حدود المغرب التاريخية تمتد إلى نهر السينغال، منذ عهد علال الفاسي مرورا ببوستة وعباس الفاسي وإلى اليوم، كما أنه من البديهي أن تكون للأحزاب السياسية مواقف وتصورات متميزة ومختلفة، وليس بالضرورة متطابقة مع الموقف الرسمي للدولة، وأن هذه المواقف لا يجب أن تشكل أي إحراج للدولة لأنها لا علاقة لها بها، ولا تمثل الموقف الرسمي للدولة. ورغم أن بنكيران كان يعلم أن طلب استبعاد شباط كان سابقا على “ارتكاب” خطيئة موريطانيا.
الخطأ الثالث الذي وقع فيه بنكيران، هو تسريب ما يدور في المفاوضات من نقاشات ذات طابع سري، – حيث يتم تسريبها مجتزأة وفي بعض الأحيان مقتطعة عن سياقها – من طرف مقربيه، مرة إلى وسائل الإعلام، ومرة إلى الأطراف السياسية المعنية بمشاورات تشكيل الحكومة، مثلما حصل عندما تم تسريب رفض أخنوش التواجد في حكومة واحدة مع شباط، مما أجج الوضع بين الحزبين وأدى إلى وقوع تراشق حاد بينهما، أدى إلى اصطفافات ذات طابع ذاتي وشخصي، جعلت أي تقارب بين الحزبين في حكم المستحيل.
أما رابع الأخطاء التي ارتكبها رئيس الحكومة المكلف، فهو غياب منهجية واضحة للتفاوض لدى بنكيران، فلم يحدد على أي أساس سيقيم تحالفاته، هل بناء على التقارب الإيديولوجي، وهنا سنجد أن الأقرب إليه هو حزب الاستقلال والحركة الشعبية، أما حزب التقدم والاشتراكية فليس بينه وبين العدالة والتنمية أي تقاطع إيديولوجي، إن لم نقل أن ما يفرقهما أكثر مما يجمعهما.
أما إذا كانت المفاوضات ستتم على أساس البرنامج الاقتصادي، فالأقرب إليه مرة أخرى هم الأحرار والحركة والاستقلال، بحكم أن برنامجهم، يتطابق مع برنامج الدولة القائم على اقتصاد السوق، وإملاءات المؤسسات النقدية الدولية، ولا علاقة لبرنامج “البيجيدي” ببرنامج التقدم والاشتراكية والاتحاد الاشتراكي اللذان يدعوان إلى ضرورة احتفاظ الدولة بدور مهم في الاقتصاد، من أجل تحقيق العدالة الاجتماعية، على الأقل على المستوى النظري. وإذا كان بنكيران قد اعتمد التجربة الحكومية كأرضية للتحالف مرة أخرى وتشكيل أغلبية حكومية مقبلة، فإن الولاية السابقة، سواء بشقها الأول بوجود حزب الاستقلال، أو مع دخول الأحرار، لم تكن مكوناتها دائما على وئام، إن لم نقل أن الغالب كان هو التنازع بين “البيجيدي” وحلفائه الأساسيين. فعن أي انسجام وفعالية يتحدث رئيس الحكومة المكلف.
المفاوضات فن وعلم، تعتمد على عدة عناصر يتداخل فيها ماهو ذاتي بما هو موضوعي، ويحتاج المفاوض إلى استغلال كل نقاط قوته بعد تحقيق المعرفة التامة بها، واللعب على نقاط الضعف لدى الطرف الآخر في المفاوضات، دون أن يثير حفيظته، أو يدفعه إلى التعنت. والمفاوضات تحتاج إلى منهج واضح، فيه المبدأ الاستراتيجي الذي يجب الوصل إليه، والأهداف التكتيكية التي تسقط في الطريق. فهل هذا ما قام به عبد الإله بنكيران رئيس الحكومة المكلف؟

التعليقات على هذه هي الأخطاء الأربعة القاتلة التي ارتكبها بنكيران وأدت إلى “البلوكاج” مغلقة

‫شاهد أيضًا‬

هشام الدكيك: “النهائي سيكون صعبا أمام منتخب أنغولي سيلعب بدون ضغوط”

قال مدرب المنتخب المغربي لكرة القدم داخل القاعة، هشام الدكيك، أمس الخميس بالرباط، إن ̶…