حدث قبل سنوات في أحد مخافر الشرطة بمدينة العيون، أن مزق مهربٌ صغيرٌ للسجائر، بصحيفة متخمة بالسوابق، بطاقةَ تعريفه المغربية، ثم أعلنها مدوية أمام المحققين: أنتم، من الآن، تواجهون مناضلا صحراويا وليس مجرد مهرِّب. القضية ليست بتفاهة جنحة حيازة بضاعة غير مشروعة، لكنها قضية شعب يقاوم لتقرير مصيره.

عرض “التحدي” هذا لقي صدى سريعا في الجزائر، بدخول المهرب الصغير للائحة الشرف لمعتقلي جبهة البوليزاريو السياسيين من أوسع الأبواب وصارت حكايته مضرب الأمثال في البطولة بتندوف، طُهِّر ماضيه، وجُبَّ ما قبل اليوم بعد أن أمست سوابقه تلفيقا واستهدافا لمناضل ذنبه أنه يقول: لا.

اليوم يتابع أحد عشر طالبا أمام النيابة العامة متورطين في تصفية عمدية لعمر خالق الطالب النشيط في فصيل الحركة الثقافية الأمازيغية، طلبة محسوبون على فصيل انفصالي نزل في زمن الجزر، لا يخفي موالاته  لجبهة البوليزاريو، لكنه يأكل بِنَهم من مائدة الدولة المغربية أيضا، بإصراره على تحصيل “مكتسبات” ريعية لا يرضى عنها بديلا، جبهويون جمهوريون وأشبال مخزنيون اجتمعوا في جبة واحدة فلا تخرج قبل أن تقول سبحان الله العظيم.

وعلى خطى المهرب الصغير ومن تبعه من موقوفي أحداث اكديم ازيك، فالأحد عشر موقوفا في تصفية الطالب الراحل قد نراهم قريبا في مطلع كشوفات البوليزاريو للمعتقلين السياسيين ضحايا القمع والتعسف في الصحراء، وبعدها في التقارير الغربية السنوية عن الوضع الحقوقي بالمغرب وانتهاكاته، أما عمر خالق فلا بواكي ولا كينيدي له…

 

ابشري بـ”السيزار” يا لبنى ابيضار

لبنى أبيضار الممثلة المغمورة محليا، بطلة ملحمة الزين اللي فيك، الفيلم الذي أجمعت قبيلة السينمائيين المغاربة على تواضعه تمثيلا وإخراجا. لبنى بهذا المنتوج الذي “سَرْبَكَهُ” مخرجه كما اعتاد أن يطهو في السنوات الأخيرة المشاريع الفنية التي تعهد لشركة إنتاجه فتخرج من مطبخه دون نكهة أو روح، ترشحها هذه الأيام صناعة السينما الفرنسية لـ “السيزار” أرفع جوائز السينما الفرنسية، كيف وعلى أي أساس، لا يهم..

لبنى ربحت الرهان بخرجاتها الإعلامية المدروسة ومعاركها الحقيقية والمزيفة التي أدارتها ببراعة فصنعت “بروفايل” لبنى تتحدى الجميع، ووضعته لعناية أصدقائنا في أوروبا.

انتهى الزين اللي فيك وبدأ سيناريو آخر كانت بطلته دائما وشارك فيه بغباء سكان الفايسبوك ومؤثروا اليوتيوب كما يسميهم بنكيران بوصلات بدأت بالشتيمة وانتهت بتهديدات داعشية بالانتقام..

أبيضار قدمت للأروربيين كل التوليفة المطلوبة ليحتضنوها مثلما احتضنوا قبلها أنصاف مبدعات كالبنغالية تسليمة نسرين التي انتهى ذكرها بوصولها للقارة العجوز، وبعدها اللاجئة الصومالية أيان حرصي علي، التي لعبتها بشكل أفضل أوصلها مباشرة للبرلمان الهولندي وقائمة “التايم” للشخصيات الأكثر تأثيرا في العالم، أيان جنت على المخرج الهولندي فان غوخ قبل أن تنكشف خديعتها للإدارة الهولندية وتنتهي طريدة في الولايات المتحدة..

توليفة المرأة ذات الخلفية المسلمة، المبدعة ذات الآراء الجريئة، التي تتربص بها قطعان التطرف وتهدد بقتلها لا زالت تكسب وتنطلي على فرنسا برغبتها وبكل ترحيب. فرنسا التي تعلم عنّا الشاذة والفادة وترد كل طالب فيزا رغم كل ضماناته إذا ما اشتبهت فيه بأنه غير جاد ولا موثوق فيه، فرنسا التي تحاكم أمينة التونسية نجمة حركة فيمن بسبب واقعة اعتداء أصولي اختلقته في شوارع باريس التي قدمت إليها لاجئة من تونس الثورة، تعيد الحكاية مع لبنى بل تُعِدّها للدخول إلى التاريخ من بوابة السينما!

“لاعب ما شافشي حاجة”

لم يشارك  منتخب مصر للمكفوفين هذا الأسبوع  في بطولة العالم لكرة الجرس ببولندا، فقد عوض سمسار “حريگ” في  جبة رياضي التشكيلة الحقيقية بمرشحين “أسوياء” للهجرة السرية. وهكذا، بعد أن ضبطتهم لجان المسابقة بجرم البصر، تخلص أفراد الفريق المزيف من جوازات سفرهم وانتشروا في جهات أوروبا الأربع..

قبل عقدين إلا قليلا ، قادني التزام جمعوي إلى مواكبة الأولمبياد الخاص لمنطقة شمال افريقيا والشرق الأوسط من بوابة تخصصي، والبطولة لمن لا يعلم تجمع منتخبات عربية للأطفال من ذوي الإعاقة الذهنية أساسا، يخوضون منافساتها ويتوجون بميداليات وكؤوس كأي تظاهرة رياضية طبيعية. في عيادة متنقلة وظفناها لغرض فحص أسنان المشاركين الصغار. في المساء حين تنتهي الفعاليات اليومية، كنا نستقبل المشاركين أفواجا أفواجا، انتبهت، وأنا أعاين لاعبي منتخب خليجي، لنباهتهم غير العادية مقارنة بمن سبقهم من المنتخبات التي يعاني أغلب لاعبيها من حالات مختلفة من التأخر العقلي ومن التوحد وصولا للمنغولية والبله التام، استجوبتهم (بكل حب) واستدراج (بوليسي) ليقر أغلبهم أنهم يتابعون دراستهم في المتوسطة (التعليم الاعدادي) ويتباهى بعضهم بالتفوق الدراسي حتى. إذن لم تخطيء فراستي، فالأشقاء الصغار لم يكونوا يعانون أي قصور ذهني كما يفترض كشرط لخوض الأولمبياد الخاص، وفي الغد “تبوردوا” على منتخبنا المسكين بدزينة أهداف مع الرأفة، ولم تسلم باقي المنتخبات من هذا المصير في غياب التكافؤ بين من اختار خوض المنافسات بأمانة وبين من قاده عوز الألقاب لمطاردة أي إنجاز ولو بالتحايل.

 

الوقت واقفة

إعداداتي التي ضبطت بها فايسبوكي الشخصي جعلت حيطانه خليطا بين هموم محلية وأخرى مشرقية مصرية أساسا، مقابل غنى وتحيين لا يتوقف للمحتوى الأخير(المصري طبعا) تمضي الحياة في الفايسبوك المغربي رتيبة ولا جديد فيها إلا خرجات تافهة يُنفخ فيها بلا جدوى أما قضايا الرأي العام التي تستحق مثل هذا الوصف فلا تزورنا إلا رمضانيا كما اعتدنا من زمان…

بتعداد يناهز نصف عدد سكان مصر وبانخراط فايسبوكي نسبته أعلى مما في أرض الكنانة وبحركية حزبية وسياسية أرسخ، كان يفترض أن ينعكس كل هذا على نشاط الفايسبوك المحلي، لكن لا شيء يقع والأيام نمضيها نجتر معارك البارحة ووقائع أول البارحة.

المثير أنه في الوقت الذي كانت خرجة المذيع شادي حسين وزميله الممثل الشاب أحمد مالك في عيد الشرطة والثورة في مصر تلهب الفايسبوك المصري الذي انقسم معسكرين حول أجهزة الداخلية ما بين مثمن ومعادي لها، وانتقل النقاش إلى مستويات عليا حول حدود السخرية و السفاهة وأين موقع حرية التعبير منهما، كان حديث الساعة عندنا يتمحور حول كلمتين في عنوان بليد رماه رئيس تحرير يومية ربما عن غير رام فصنع الحدث، وهكذا انخرط الجميع في نقاش محموم، هل كان صاحبنا يسخر أم تراه ضمنيا يقدر بائعة البيض، وطفق البعض يفحص المقال كلمة كلمة ليكشف هل الكلمتين تخفيان اعتبارا تحقيريا للمرأة عموما والقروية الكادحة خصوصا. آخرون جعلوا ديباجة العنوان ببيضه البلدي أمرا دُبر بليل للتشويش على قضايا أخطر ونضالات  تشغل الناس راهنا.

هكذا بلغ بنا عقم المواضيع والأحداث مبلغا عظيما لدرجة أصبحنا “نَتَلَصَّقُ” فيها على أي تفاهة، عادة  تمر مرور الكرام في أي بلد أخر(حي) لنبعث فيها روحا وننشغل بها أياما وليالي. حتى مواقعنا الإخبارية التي تتصدرها عبارة “جريدة الكترونية تتجدد على مدار الساعة” التي يتبارك بها عند الانطلاق على أمل أن يكون التحيين فعالا، وقفت على الحقيقة المرة فـ”الوقت واقفة”، المحررون يعانون لإيجاد سكوب يستحق النشر لولا جريمة غريبة من هنا وحادث سير مفجع من هناك أو خرجة بنكيرانية او فيزازية بكل “الكعيات” المحتملة تكسر الرتابة. “الوقت واقفة” لم تعد حجة التجار فقط، الذين التحق بهم الفلاحون ومشجعوا الكرة أيضا هذه السنة بعد توالي الخيبات، بل هي أسلوب حياة تعايشنا معه ..

 

التعليقات على ابشري بـ”السيزار” يا لبنى ابيضار مغلقة

‫شاهد أيضًا‬

عاجل.. مجلس النواب يصادق بالأغلبية على مشروع قانون المالية لسنة 2019

صادق مجلس النواب في جلسة عمومية، اليوم الجمعة، بالأغلبية على مشروع قانون المالية لسنة 2019…