يوم 12 يناير الجاري، صرح وزير الداخلية أمام البرلمان، أن حركة الأساتذة المتدربين كانت مخترقة، ومتلاعبا بها من قبل تنظيم رفض وزير الداخلية الكشف عن اسمه، ولكنه، حسب قوله، ليس مجهولا بالنسبة لنا (هكذا)…
ووفقا لتصريحات وزير الداخلية، فإن هذه الحركة (الأساتذة المتدربون) قد انتهكت القانون من خلال اللجوء إلى العنف ضد عناصر الشرطة، مدعيا، ودون أن يرف له جفن، بأن الجرحى الذين تم تسجيلهم خلال تدخلات قوات الأمن، معظمهم من إنزكان، هم محض نتيجة لـ… تدافع مؤسف.
لقد شكلت مسيرة الأحد تكذيبا صارخا لادعاءات كل من حصاد، بنكيران، الدوادي، بنعبد الله وغيرهم، فكل هؤلاء ضُبطوا متلبسين.. وهم يهذون ويهرفون بما لا يعرفون كما يقول المثل العربي! خلال هذه المسيرة التي ضمت أكثر من 10 آلاف مواطنة ومواطنا، دون أن تسجل أية انفلاتات، أو تجاوزات، ودون تدافع، أو اعتداء على الممتلكات الخاصة أو العامة.. بقدر ما عبرت عن سلوك متحضر، مسؤول، وفي منتهى النضج.
لقد كانت مسيرة نموذجية، مثلت حجة دامغة جديدة على كون استخدام العنف الجسدي واللفظي، يمارس أساسا من قبل أنصار “تكتل” وتحالف فعلي مخزني سياسي اقتصادي وأمني تُلحمه مصالح مشتركة أو على الأقل مبهمة.
لقد استطاعت هذه المسيرة أن تضرب عرض الحائط كل تلك التهديدات بالحظر والمنع، التي هلل لها كثيرا أنصار هذا “التكتل”. وتجرأت هذه المسيرة كذلك على تحدي هذه القوات الغامضة، لتدفع هذا التحالف الشيطاني إلى التقهقر، فجلعت مكوناته تتحول إلى مجرد فزاعات هزيلة، لا تعدو في تبجحها أن تكون “تارتاران دو تاراسكون” (بطل رواية لألفونس دودي).
بماذا نفسر إذن هذا التراجع، والمهزلة التي تحول إليها “تكتل” هذه القوى الغامضة ومصالحها، هذه القوى التي تتبجح، حتى الآن، بأنها لا تقهر، وبأنها عليمة بكل شيء ومنتشرة في جميع أنحاء المملكة، والتي لا تقل في شيء عن “البيغ بروذر” بطل رواية جورج أورويل، والتي تعتبر بثّ الخوف في النفوس سلاحها المفضل.
هل آذنت هذه المسيرة بساعة زوال هذا الخوف، هل غيرت ضفة تموقع هذا الخوف؟
ربما ليس تماما، لكن الأكيد هنا، هو أن هذا الخوف قد تصدع وتهشم، وهو نفس التأثير الذي أحدثته انتفاضة القاضي الهيني وأصدقائه، واحتجاجات الطلبة الأطباء، وحراك حملة الشواهد المعطلين، والمواطنين الذين ثاروا ضد أمانديس وليديك وضد غلاء المعيشة بشكل عام..
هي ريح الثورة، ريح السأم والتذمر هبت على العقول، ريحٌ من المحتمل جدا أن تهب، وأسرع من المتوقع، على أرض الممارسة العملية.
لقد كان أجدر بهذا “التكتل” أن يتذكر نصيحة المارشال ليوطي، الذي قال:” أظهر دائما قوتك، لكن استخدمها بأقل قدر ممكن، لأن الاستخدام المفرط، وغير المعتدل والمتكرر لهذه القوة يجعلها تفقد كل قدرة على الردع، ويُفضي بالنهاية إلى القضاء على الخوف لدى الخصم”. لكن، في الحالة المغربية، نجد أنهم بالخوف يحكمون، بالخوف يحكموننا! ومن يتحرر من هذا الخوف سيحقق الحرية الفعلية، من يتحرر من هذا الخوف يصبح تقريبا “لا يقهر”.
في مسيرة الأحد الماضي هتفت الحشود: “يا حصاد مشيتي غالط، ما بقاو يخلعونا زراوط”، وهنا نستحضر المبدأ القائل بأن المرء حينما يقبل بخسارة كل شيء، حينها يستطيع الفوز بكل شيء.
يجب الإقرار بطبيعة الحال بأن هذا “التكتل” لم يتراجع إلا مكرها، وبعدما لجأ إلى كافة الوسائل من تهديد وضغط وترهيب وابتزاز لمنع “المشائين” من الوصول إلى العاصمة الإدارية. لقد كان غرضه من وراء هذا هو الحؤول دون موجة قمع جديدة كان من الممكن أن تفضي إلى انفجار شعبي، سيتنشر، في حال وقوعه، مثل النار في الهشيم، مثلما حدث في تونس حيث انخرطت حتى قوات الأمن في حركة احتجاج واسعة..
لقد ذهبت جهود هذا “التكتل” سدى، لأن هذه المسيرة تحولت إلى تجمع شعبي، انخرط فيه، إلى جانب الأساتذة المتدربين وأسرهم، أطياف من المعارضة السياسية، مثل العدل والإحسان، الاتحاد الاشتراكي، النهج الديمقراطي، ونشطاء من حركة 20 فبراير، ونقابيين وحملة الشواهد المعطلين، والطلبة الأطباء، وممثلين عن المجتمع المدني، ومدافعين عن حقوق الإنسان، وغيرهم. كلهم دعوا إلى رحيل حكومة بنكيران التي اتهمت بأنها أصل كل الشرور، “ارحل، ارحل”، هكذا هتف المتظاهرون، وكلهم صرخوا: “كرامة، حرية، عدالة اجتماعية”، “الموت ولا المذلة، الموت ولا المذلة”. جميعهم اشتكوا من التمييز بين أبناء الطبقات الحاكمة وأبناء الطبقة الكادحة الفقراء “ولادكم خدمتوهم.. وأولاد الشعب قمعتوهم”.
إن مواجهة الذراع الحديدية هاته، تهدد بخلخلة هذا “التكتل” عبر المساس بمصداقيته وسلطته و”هيبته”، وتهدد بنكيران عبر المساس بمصداقيته ومصداقية حزبه، بل إنها تشكل تهديدا حتى على مستقبلهم السياسي.
إن مواجهة الذراع الحديدية هاته تحمل في طياتها رهانات مهمة جدا، بل وحاسمة للغاية، فمسيرة الأحد الماضي، رفعت مطالب تمر من الحقل السياسي، إلى الحقل السوسيو-اقتصادي، والتي تمس ليس فقط الطبقة الكادحة، بل وحتى البرجوازية الصغيرة والمتوسطة.
يجب على “البيغ بروذر” المغربي، وفتواته وأتباعه وخدامه، أن ينصتوا جيدا ويتأملوا ويأخذوا العبر من صرخة الشعب:”يا مخزن سمع سمع، الزرواطة مابقات تخلع، وايلا بقيتي كاتقمع الرمانة غا تتفركع وما غاتلقى ما تجمع !!!”.
التعليقات على يا مخزن اسمع اسمع الزرواطة مابقات تخلع! مغلقة