أثارت المرحومة فاطمة المرنيسي حفيظة “حُماة الحمى”، بكتابها “الحريم السياسي”، وقد رد عليها هؤلاء بحديث ضعيف عن بوار قوم ولّوا أمورهم امرأة. عقدت فاطمة المرنيسي المقارنة بين علاقات الحريم وامتداداته في الحقل السياسي. يتصدر الحريم رجل تستبد به الأهواء وتطغى عليه النزوات، ولا يرتبط بشيء مع نسوته إلا بالمتعة، لا مكان لديه للحب، ولا مكان لديه لمشروع مشترك، وحياة مشتركة، ومسؤوليات مشتركة، ولا هم لنسوته سوى استرضاء “السي السيد” والتودد إليه، ولا بأس أن تستعملن كل الوسائل لكسب رضاه، من دسائس وتحالفات عابرة. وعقابه لمن “شقت عصا الطاعة”، أو استبد بها العُجب، هو إثارة الغيرة ووسيلته إثارة الأحقاد، وأداته الهجر. وإن بارت إحدى الجواري، أُلقي بها في زاوية مظلمة ونهشتها الألسنة الحداد، أو لفظها الحريم، لتبدأ حياة أخرى أشد إيلاما من حياة الحريم.
كانت المرحومة المرنيسي تَصْدر من ذات المقاربة التي وظفها عالم الاجتماع الفلسيطيني هشام شرابي، عما أسماء الأبوية الجديدة،neo patriarchy، وانتقاده للتحديث الزائف الذي أتت به أنظمة عربية زعمت القطع مع منظومة العشائر. عشائرية جديدة تحل محل عشائرية قديمة بوسائل حديثة..
من ينظر إلى الحياة السياسية المغربية، لسوف يرى أن بنية الحياة السياسية تتغير في الشكل وليس في المضمون. لم تستبطن قواعد التعاقد المرتبطة بالدولة الحديثة، بل لم تستبطن مفهوم الدولة، وإليكم مثال رئيس الحكومة، السيد ابن كيران، الذي كان من المفترض فيه أن يقطع مع ثقافة وسلوكات وخطاب لأنه حُمل بمد شعبي، وتعاقد ضمني.
لم يفهم السيد ابن كيران أنه مسؤول عما جرى من تعنيف للأساتذة المتظاهرين بإنزكان، سواء أعلم بذلك أم لم يعلم. لا يعفيه ذلك من المسؤولية. حينما غرقت سفينة كرين بيس Green Peace في المحيط الهادي، لم يسع وزير الدفاع الفرنسي شارل إرنو سوى أن يقدم استقالته. وهل هو من أغرق السفينة؟
لم يفهم السيد ابن كيران أنه لا يفيد في الدولة الحديثة أن يقسم بمغلظات الإيمان، وأن يتهدد المتظاهرين ويتوعدهم بلغة “الطيابات”،؟ كان يمكن أن يقول بلغة بسيطة بأن القواعد تسري على الجميع، في دولة القانون، وأنه لا يستطيع أن يخالفها، وأن الذين يريدون منه أن يخرقها يخرقون القانون ويتحملون مسؤوليات تصرفاتهم. هذا لا يعفيه، إن أراد، في حياته الشخصية، ومعتقداته الذاتية، أن يؤمن بالشوافات ويخشى شرورهن، ويأمن مكرهن أو يتوسل بركاتهن.
قبل سنتين انبرى وزير الداخلية السابق محند لعنصر يبريء ذمته من ضرب المتظاهرين الذين خرجوا ضد مغتصب الأطفال كالفين. من السذاجة أن يعتقد المرء أن “كما تنخ” محند كان في العير أو في النفير، ولكنه وفق مفهوم الدولة مسؤول مسؤولية كاملة وليس له لكي يعبر عن شجبه لما وقع سوى الاستقالة.
من المؤسف حقا، أن يتحدث من بلغ سدة السلطة من قاعدة تعاقدية، بلغة الحريم. ليس الأمر عابرا، بل هو مؤشر على تحول عميق.
وقديما قيل، ومستعظم النار من مستصغر الشرر…
التعليقات على الحريم السياسي مغلقة