المصطفى المعتصم
يواجه المغرب تحديات كبرى أدناها حالة الانسداد الداخلي وتفاقم الأزمة الاجتماعية واستعصاء الخروج من الأزمة الاقتصادية لظروف محلية وأخرى مرتبطة بأزمة العولمة النيوليبرالية التي عولمت الفقر وانحصار الدولة أي دولة) التي تحولت إلى مجرد آلة أمنية تحمي جبروت رأس المال الذي لا يبحث سوى عن الانتصار لجشعه، وأقصاها وأخطرها ما يحاك ضد المغرب من مؤامرات خارجية قد تضر بوحدته وأمنه.
في هكذا وضع محلي وإقليمي ودولي معقد ومضطرب كان من المفروض على كل زعماء الأحزاب المغربية وفعاليات المجتمع المدني أن يثيروا نقاش وطنيا واسعا حول سبل الخروج من الأزمة وحول كيفية قطع الطريق على نفاذ المؤامرات على بلادنا. كان عليهم أي يعيدوا التفكير في الأزمات والتحديات التي تواجه المغرب وتهدد مستقبله بطريقة أخرى، غير تلك التي اعتادوا عليها لكنهم لم يفعلوا.
وللأسف الشديد، فكلما لاح فجر الرابع من أكتوبر 2016 أي يوم الانتخابات إلا وازداد منسوب الاستقطاب وبدأ جل من في الساحة يولولون ويتباكون على مستقبل المغرب المهدد بالاصطدام بالحائط إذا انتصر تيار غير تيارهم في الانتخابات التشريعية المقبلة وأشهر الفاعلون الأساسيون بمختلف توجهاتهم وحساسياتهم كل ما يمتلكون من أسلحة الدمار الشامل في مجال السب والشتم والكيد وتأليب الرأي العام، ثم تسخير الكثير من الإمكانيات لمحاربة الآخر وإقصائه بل والتفكير حتى في الإجهاز عليه.
لست هنا في موقع إعطاء الدروس لأي كان ولكن من حقي وواجبي أن أعلن موقفي. نعم قلتها بعد خروجي من السجن بقليل في صيف 2011 وأكررها اليوم من جديد لكل الفاعلين السياسيين والجمعويين ببلادنا: مشاكل المغرب عديدة ومعقدة ولا أعتقد أن بوسع أي جهة كانت أن تحلها لوحدها فتعالوا نفكر في حاضر ومستقبل المغرب بشكل آخر، تعالوا نفكر كيف نجعل من تنوعنا واختلافاتنا مصدر قوة عوض أن يُستغلا ليصبحا مصدر ضعف. تعالوا إلى حوار وطني حقيقي يكون من أهدافه الأولى وضع مدونة سلوك تتلائم مع الظرفية الحرجة التي تجتازها بلادنا. تعالوا لندعم وحدتنا الترابية وتماسك مكونات مجتمعنا بالحرص على إتمام الانتقال إلى الديمقراطية. تعالوا لنجسد مقولة الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعت له سائر الأعضاء بالسهر والحمى، الجسد الواحد الذي لا يلغي التنوع المرجعي والثقافي واللغوي والجهوي. تعالوا لكي نستوعب كل مكونات المشهد السياسي وغير السياسي من دون تهميش أو إقصاء لأحد. فهذا هو المعنى الحقيقي للصف المرصوص في وجه كل مخططات أعداء الوطن الخارجيين وعملائهم في الداخل. تعالوا لنضع خريطة طريق من خلال مشروع مجتمعي يكون مشروع “الأمة المغربية” يتمحور حول أولويات المغرب في العقدين المقبلين على أقرب تقدير. ومن داخل “مشروع الأمة” تجتهد الأحزاب الرأي والمشاريع وتضع برامجها الانتخابية والحكومية فيصبح التنافس على أرضية التنوع البرمجي.
تعالوا، معشر السياسيين والفاعلين المجتمعيين، إلى كلمة سواء تتلخص في إنجاح وانجاز الانتقال إلى الديمقراطية في أفق بناء الدولة الديمقراطية: دولة الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية واحترام حقوق الإنسان، عوض الانتكاس إلى الوراء. وليبتعد الجميع عن الدسائس والمؤامرات والمحاولات الحثيثة لتصفية الآخر وإنهاء وجوده، وعن التنابز بالألقاب والسب والاتهام بالمؤامرة والخيانة وغيرها من المظاهر المشينة التي تسيء لصورة الفاعلين السياسيين وغيرهم ببلادنا وتقلل من قيمتهم أمام عموم الناس فيصبحوا ممن قال فيهم رب العزة: “يخربون بيوتهم بأيديهم”.
إن التفكيك والتجزيء وتهديد أمن البلاد ووحدتها ووحدة شعبها مصائب كبرى وإن نجاح المؤامرات والمخططات التي تستهدف المغرب في وحدته وأمنه رهين بالدرجة الأولى بنا أي بأدائنا في التعامل مع كل قضايا الوحدة والتجزئة وفي طريقة تدبير خلافاتنا وتعددنا وتنوعنا وصدق الله العضيم عندما يقول في محكم كتابه: “أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّىٰ هَٰذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ”.
وسيكون اللوم كل اللوم على من يسيء إدارة الاختلاف والتنوع. في قضية إگديم إيزيك مثلا أدى سوء تدبير خلافات حزبية بالصحراء إلى استغلال أعداء وخصوم وحدتنا الترابية للوضع فانفجرت في وجه المغرب قضية ما زال يعاني من تبعاتها القانونية والحقوقية. ولعل أخطر ما يجري اليوم هو استعمال التجييش الديني والعرقي في الصراعات ضد الخصوم، وهو التجييش الذي لا يمكن إلا أن يفرز التطرف والمتطرفين ويخصب البيئة كي تحتضن العنف والإرهاب.
عاجل.. مجلس النواب يصادق بالأغلبية على مشروع قانون المالية لسنة 2019
صادق مجلس النواب في جلسة عمومية، اليوم الجمعة، بالأغلبية على مشروع قانون المالية لسنة 2019…