يعتبر تاريخ 8 مارس مناسبة سانحة للوقوف على حال ومال حقوق المرأة والمساواة بين الجنسين في بلادنا. وغني عن البيان أن المغرب عرف دينامية حقيقية خلال العشرية الأخيرة من أجل رفع الحيف المتعدد الأبعاد المسلط على النساء. ذلك أنه، وبفضل تعبئة ونضال الحركة النسائية والقوى الديموقراطية وتجاوب المؤسسة الملكية مع عدد من مطالبها، تم تحقيق العديد من المكتسبات، خاصة في مجالي التمكين القانوني (الإصلاحات التي طالت قوانين الاسرة والجنسية والشغل ورفع عدد من التحفظات على اتفاقية “سيداو” على الخصوص) والسياسي (اعتماد تقنية اللائحة الخاصة بالنساء للرفع من تمثيلية النساء بالبرلمان والجماعات الترابية)، إضافة إلى تسجيل بعض التقدم في ميداني التعليم وصحة الأم والطفل. كما تم تبني عدة استراتيجيات لإدماج مقاربة النوع في السياسات العمومية، بما فيها اعتماد منهجية الميزانية المستجيبة للنوع الاجتماعي. كما شكل دستور2011 نقلة نوعية في مجال الإقرار الرسمي لحقوق النساء والمساواة بين الجنسين، هذا رغم النقائص التي تعتريه في هذا المجال، خاصة العلاقة بين الحقوق الكونية وما يدعي البعض بانها خصوصيات ثقافية محلية.
إلا أن هذه المجهودات والمنجزات لا تنبغي أن تحجب عنا التحديات الكبيرة التي لا زالت تحول دون تحقيق المساواة التامة والفعلية بين الرجل والمرأة وكذلك حجم الحيف والتمييز الذي لا زالت تعاني منه النساء في الحياة العامة وداخل البيت. فالعديد من العوائق تحول دون تملك النساء المغربيات للحقوق الجديدة المتضمنة في قانون الأسرة الجديد جراء الأعطاب الكثيرة التي تطبع منظومة العدالة والأمية التي لا زالت متفشية وسط النساء. كما أن الثغرات التي يحتوي عليها هذا القانون بالنسبة لسن الزواج والتعدد على سبيل المثال لا الحصر ساعدت على تفاقم ظاهرتي تزويج القاصرات وتعدد الزوجات. بالإضافة إلى هذا، يحول بطؤ المساطر الإدارية دون تفعيل الإجراءات الإيجابية لفائدة النساء، خاصة تلك التي تعاني من الفقر والتهميش: فعلى سبيل المثال لا الحصر، لم يستفد من صندوق التكافل العائلي الخاص بصرف النفقة للنساء المطلقات منذ انشائه سنة 2011 والى غاية آخر سنة 2015 سوى 6369 امرأة في حين يقدر عدد النساء المطلقات سنويا ما بين 22 ألف و23 ألف، حسب الإحصائيات الصادرة عن وزارة العدل. أما المبالغ المحصل عليها من طرفهن فتبقى متواضعة في مجملها.
على أن التحدي الكبير الذي يهدد مسيرة النساء المغربيات نحو المساواة وإقرار حقوقهن ويحمل مخاطر النكوص والتراجع إلى الخلف يكمن في وجود حكومة محافظة لا تعتبر القضية النسائية من ضمن أولوياتها. والمؤشرات على ما نذهب إليه كثيرة ومتنوعة. فالتصريح الحكومي الذي أفرد لما يسمى “إشكالية” الهوية صفحات عديدة اقتصر على أقل من صفحة لمعالجة “مسالة المرأة” التي اختزلها في بضع مقترحات تفتقد إلى رؤية شمولية وأولويات واضحة. هكذا نجد أن المقترح الأول على سبيل المثال يتعلق بمسألة جزئية مرتبطة بتفعيل “صندوق التكافل العائلي” و”اعتماد مقاربة وقائية وإنمائية في التصدي للتفكك العائلي”. ولم يتم معالجة هذا الخل إلا في سنة 2013 حيث قامت الوزارة المعنية بالملف إلى اعتماد “أجندة المساواة” التي سبق لحكومة عباس الفاسي أن قدمتها في نهاية ولايتها، وإعطائها تسمية “إكرام” حتى تضفي عليها مسحة “دينية”. غير أن هذه التغييرات لم تقتصر على التسمية بل تجاوزتها لتطال الأسس والقيم التي تنبني عليها هذه “الأجندة”، هكذا تم مثلا استبدال تعريف المساواة بين الجنسين باعتباره “مبدأ كونيا” بتعريف آخر كـ”مبدإ انساني يتلاءم والقيم الحضارية والاسرية للمجتمع المغربي”. إن في إعادة التعريف هذه محاولة للانتصار لما يسمى “القيم المجتمعية المحلية” التي يعتبر الإسلام السياسي بأنها مهددة من طرف الغرب عبر فرض القيم الكونية المتضمنة في العديد من المواثيق والمعاهدات الدولية على كل دول المعمور. كما تم حذف الجزء المتعلق بإشاعة ثقافة المساواة ومحاربة الأفكار النمطية والكليشيهات التمييزية، والحال أن هذا المحور جوهري إذا أردنا أن نغير العقلية الذكورية المهيمنة في مجتمعنا باعتبارها أحد أهم المعيقات في وجه انعتاق النساء وتمتعنهن بحقوقهن على قدم المساواة مع الرجال.
أما المؤشر الثاني، فيتجلى في البطء الحاصل في تنزيل مقتضيات الدستور، خاصة ما يتعلق بقانون هيئة المناصفة والمجلس الاستشاري للأسرة والطفولة وعدم إعمال المقاربة التشاركية بالإنفتاح على الحركة النسائية التي راكمت خبرة كبيرة في مجال الدفاع عن حقوق المرأة والمساواة بين الجنسين. كما يتجسدتهميش “القضية النسائية” في الأجندة الحكومية من خلال تطبيق سياسة تقشفية صارمة تتضرر منها القطاعات الاجتماعية بالأولوية. والحال أن النساء يعانين أكثر من الرجال من تدهور مستوى الخدمات الاجتماعية، خاصة في مجالي التعليم والصحة.اخيرا وليس اخرا, يلاحظ غياب التتبع والتقييم المستمر للسياسات والبرامج المعتمدة في هذا المجال. فعلى سبيل المثال لا الحصر، لا نتوفر على تقييم رسمي للخطة الحكومية “إكرام” رغم إشراف الحكومة على إنهاء ولايتها.
أمام هذا التعامل الحكومي المجحف في حق النساء، ليس غريبا أن يسجل المغرب تأخرا كبيرا، بل وتقهقرا إلى الوراء في مجال ما يسمى بـ”الفجوة النوعية” مقارنة مع باقي دول العالم. فالتقرير السنوي الذي يصدره المنتدى الاقتصادي العالمي حول هذا الموضوع يبين بالملموس حجم التمييز الذي تعاني منه النساء المغربيات في مجالات المشاركة في الحياة الاقتصادية والتعليم والصحة والمشاركة السياسية .هكذا يلاحظ بان المغرب الذي كان يحتل الرتبة 129 من بين 145 دولة سنة 2011 تدحرج الى الرتبة 139 سنة 2015.ويرجع التقرير المذكور هذا التاخر أساسا الى تفاقم التمييز ضد المرأة على مستوى المشاركة في الحياة الاقتصادية حيث انتقل ترتيب المغرب من الرتبة 128 سنة 2011 إلى 140 سنة 2015، وكذلك إلى التدهور الحاصل في مجال التعليم حيث انتقل ترتيب الفجوة النوعية من 115 سنة 2011 الى 123 سنة 2015.
يتبين مما سبق أننا أمام فشل ذريع للسياسات الحكومية في مجال حقوق المرأة والمساواة بين الجنسين، مما يستدعي تغييرات جذرية في مقاربة هذه القضية المحورية بالنسبة للمشروع المجتمعي الذي نطمح إلى بنائه. لهذا نقترح الإعلان على “عقد المرأة المغربية 2016-2026 لتعزيز المكتسبات المحققة في هذا المجال وتفادي مخاطر النكوص والتراجع إلى الخلف التي تحذق بحقوق المرأة المغربية. ونعتبر أن التقرير الأخير للمجلس الوطني لحقوق الإنسان حول المساواة بين الجنسين يوفر محاور أرضية صالحة للنهوض بالمساواة بين الجنسين في المجالات القانونية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية. على أن يتم إغناؤها عبر مقاربة تشاركية بالاعتماد على فعاليات المجتمع المدني، خاصة الحركة النسائية والمنظمات والجمعيات الحقوقية. وحيث أن المجال لا يسمح بالتفصيل في الموضوع، نود فقط التأكيد على أهمية مراجعة السياسة الاقتصادية والاجتماعية التقشفية التي تعتمدها الحكومة الحالية حتى نتمكن من تقليص الفجوة النوعية في المجالات ذات الأولوية وهي المشاركة في الحياة الاقتصادية والتعليم والصحة والتمكين السياسي والقانوني للنساء. كما ينبغي الاهتمام بالجانب المرتبط بتغيير العقليات عبر التحسيس والتوعية واستهداف الشباب والرجال على الخصوص باعتبارهم شركاء لا خصوما. حينها، سيصبح 8 مارس من كل سنة محطة أساسية لتقييم ما تم إنجازه من أهداف وبرامج “عقد المرأة المغربية”واتخاذ الإجراءات التصحيحية إن اقتضى الحال.