“كيف أصبحت هكذا”

كل إنسان له اختيارات في الحياة، ولكل اختيار من هذه الاختيارات حكاية يتداخل فيها الذاتي والموضوعي، ويحضر فيها أشخاص ووقائع وكتب ومواقف… وتغيب تفاصيلها عن الناس حتى يعتقد بعضهم أن الكاتب أو المبدع ولد بكامل الوعي والإبداع الذي عرفه به الناس، أو أن الإسلامي ولد إسلاميا واليساري يساريا…

مع المناضلة النسائية اليسارية: لطيفة البوحسيني

إعداد: علي جوات

نشأت في كنف أسرة كان فيها الجد من جهة الأم، أحد المناضلين البارزين في صفوف حزب الشورى والاستقلال بمدينة وزان، بعد أن ساهم في صفوف الجيش الذي قاده الزعيم محمد بن عبد الكريم الخطابي.
كان يغلب على جلساتنا العائلية الحديث في الشأن العام، وكانتتبع الأخبار والتداول حولها طقسا يوميا فرضه جدي على الجميع…
جدي هذا، كان شجاعا يصدح بالحق ويكره الظلم ولا يتوانى في التعبير عن رأيه…وقد حدث مرارا أن حضرت وأنا طفلة عليه وهو يجهر بالحق ويدافع عن المظلوم، وهو ما أثر في بشكل كبير…وأعتقد أن حساسيتي الكبيرة اتجاه الظلم واستنكاري له وانتفاضي ضده كانت نتيجة لهذه التنشئة.
منذ وقت مبكر بدأ وعيي السياسي ينمو ويتزايد، وشاءت صدف الجيل الذي أنتمي إليه أن يكون المناخ العام في المغرب يسمح بإيقاظ الوعي بقضايا المجتمع…وهنا لابد وأن أذكر بالأدوار المهمة التي قام بها أساتذتنا، مغاربة وفرنسيين. إذ، هم من كان ينشط أغلب الجمعيات الثقافية وكذلك النادي السينمائي الذي كان طقسا أسبوعيا نلتقي في إطاره لمشاهدة الأعمال السينمائية “الجادة والملتزمة” ونتحلق حول أساتذتنا، مؤطري النادي، لمناقشة مضمون العمل وشكله…
في هذا الجو العام، أذكر أنه تولد لدي عطش كبير للمعرفة ، حيث كنت أقرأ كل ما يقع بين يدي…طبعا، ومنذ وقت مبكر أصبح ميلي لقراءة الروايات واضحا…فقرأت أعمال نجيب محفوظ عن كاملها وعبد الرحمان منيف وحنا مينة وجبرا ابراهيم جبراوسهيل ادريس ودوستويفسكي وغوركي وتولستوي واميل زولا وبلزاك….واللائحة طويلة…
وفي وقت مبكر كذلك التقيت بكتابات سلامة موسى الذي كان يتوجه بأسلوبه الخاص إلى الشباب ويساهم في شحذ الفكر النقدي لديهم عبر مساءلة مختلف الظواهر.
كشابة منتبهة منذ وقت مبكر للفرق في تعامل المجتمع مع المرأة والرجل، وجدتني أبحث عن أجوبة لأسئلة رافقتني لمدة طويلة حيث كنت أرغب في تلمس الطريق السالك لفهم تعقيد هذا الموضوع…كانت أولى قراءاتي في هذا المجال هي كتب قاسم أمين ثم نوال السعداوي فسيمون دي بوفوار…وهنا كان لأساتذتي من النساء دور أساسي في مدي بعناوين الكتب ولكن كذلك في فتح المجال للمناقشة…. وأتذكر بالمناسبة أن أول عرض لي حول قضية المرأة كان في حصة اللغة الفرنسية وأنا في قسم الثالثة ثانوي (الثامنة)….
أن ألتحق بصفوف اليسار وبالضبط بمنظمة العمل الديمقراطي الشعبي، كان أمرا طبيعيا، بالضبط لجودة التأطير الذي وجدت فيه ضالتي وكذلك لأن التنظيم حمل شعارا يزاوج بين العمل من أجل دمقرطة الدولة ودمقرطة المجتمع، ثم لأنه الإطار الذي طرح بشكل واضح مشروعا نسائيا يهدف إلى تحقيق المساواة بين الجنسين….لقد شكل امتدادا طبيعيا لاهتمامي النسائي ولرغبتي في المساهمة في تغيير وضع التمييز الذي يطال النساء.
وبطبيعة الحال، سؤال الظلم والقهر الذي كان ينتفض جدي ضده، سأجد الجواب عنه في إطار مشروع سياسي بخلفية فكرية وسأستوعب أن القضاء عليه سيحتاج إلى وقت طويل وإلى الكثير من الصبر والنفس…
كان يمكن أن أكون صوفية، فإذا بي وجدتني في قلب اليسار، بالضبط لأنه كان بالنسبة لي أكثر من مدرسة سياسية وفكرية …لقد كان تجسيدا لقيم نبيلة ومن بينها قيمة العدل ضد الظلم الذي يحتاج ترسيخه إلى الكثير من الحب…ومع العدل قيمة الدفاع عن “عيال الله” عبر نكران الذات والتضحية….
إنها قيم جميلة عشت تجسيدها لدى الكثير من رفاقي ممن أثروا في بقوة ومن بينهم جليل طليمات ومحسن عيوش اللذان أعتبر نفسي محظوظة لأن الحياة جعلتهما في طريقي.

غدا مع أمينة ماء العينين: هكذا أصبحت إسلامية

التعليقات على لطيفة البوحسيني: جدي الشوري قادني للانتماء إلى اليسار مغلقة

‫شاهد أيضًا‬

انتهاء “أزمة” إضراب المحامين.. فرضوا على وهبي “التنازل” في مجموعة من النقط وهذه أهم الاتفاقات

أعلن مكتب جمعية هيئات المحامين بالمغرب رسمياً، أمس الاثنين، إنهاء مقاطعة الجلسات في مختلف …