عبد الواحد درويش

ما حدث ليلة أمس بشارع محمد الخامس، القلب النابض لعاصمة المملكة، وأمام البرلمان الذي من المفترض، والله أعلم، أنه مؤسسة لممثلي الأمة، خطير بل خطير جدا، ليس فقط بسبب تفريق قوات الأمن لوقفة سلمية كان بضع عشرات من المواطنات والمواطنين بصدد تنظيمها في الساحة الأمامية لمجلس الأمة ليعبروا من خلالها عن موقفهم تجاه ما يحدث في منطقة الريف، ولكن تحديدا بسبب بداية تنفيذ “مواطنين” آخرين تجاههم لما يسمى ب “قضاء الشارع” عندما ارتمى 3 أشخاص على شاب كان يتحدث في الهاتف باللغة الريفية فالقوا القبض عليه كصيد ثمين ثم بدؤوا يصيحون : “إنه ريفي، إنه ريفي..!” وهم يجرجرونه وسط الشارع تماما كما كانت تفعل جحافل “كلو كلاكس كلان” مع المواطنين الأمريكيين السود إبان الحرب الأهلية 1865 -1861.
السادة البرلمانيون المحترمون، والحالة هذه، مطالبون بتعديل القانون الجنائي لإضافة فصول جديدة تتعلق بالعقوبات التي تترتب عن اجهار مواطن لهويته من خلال التعبير بلغته المحلية أو ثقافته أو انتمائه الجغرافي لمنطقة الريف.
هذه هي أولى بوادر 7 أشهر من التخوين والتهييج والتنكيل بالمواطنين أبناء منطقة الريف عامة والحسيمة خاصة لمجرد أنهم خرجوا في مسيرات سلمية للمطالبة بحقوق اجتماعية واقتصادية وثقافية وبيئية أجمع الكل، بما فيها الحكومة نفسها، على مشروعيتها.
الحكومة..؟! آه تم اه من الحكومة.
يقال، والله أعلم، أن في حكومة الدكتور سعد الدين العثماني، من منكم لازال يتذكره، عضو من أعضاءها بمرتبة وزير دولة مكلف بحقوق الإنسان.. أي والله ، وزير دولة مكلف بحقوق الإنسان.. اسمه مصطفى الرميد. ويقال كذلك، والله أعلم دائما، أنه بالنظر للقناعة الراسخة لهذه الحكومة بأهمية ترسيخ حقوق الإنسان، فقد تمت ترقية المندوبية السامية لحقوق الإنسان التي كان يديرها المندوب السامي المحجوب الهيبة إلى وزارة دولة مكلفة بحقوق الإنسان أسندت إلى وزير العدل والحريات سابقا مصطفى الرميد. هذا الأخير عاد للتو من جنيف حيث قدم التقرير الثالث للحكومة المغربية ضمن آليات الاستعراض الدوري الشامل أمام مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة.
طيب، لن نسأل السيد الوزير المحترم عن موقفه تجاه الحريات الفردية والحق في الحياة بمناهضة عقوبة الاعدام ولا بالحق في العلاقات الرضائية، لأن تلك الحقوق أضحت اليوم اضغات أحلام بعدما سيطر الظلام على البلاد والعباد.
نود هنا بإختصار شديد أن نتساءل مع السيد الوزير المحترم: كيف سيكون موقفه أمام الرأي العام الوطني أولا وأمام المنظمات الحقوقية الدولية خاصة وأمام مجلس الامم المتحدة لحقوق الانسان وأمام مؤسسات حقوق الإنسان التابعة للاتحاد الأوروبي وأمام نظيرتها التابعة لمجلس أوروبا وقريبا جدا أمام نظيرتها التابعة للإتحاد الإفريقي بعدما يصادق البرلمان على بروتوكولات الإنضمام إلى الأخيرة؟ كيف سيدافع السيد الوزير عن موقف بلادنا إتجاه مبدأ إحترام حقوق الإنسان بكل هذه الخروقات التي تراكمت من جراء سوء تدبير الحكومة للأوضاع في منطقة الريف خاصة منذ 28 أكتوبر 2016، تاريخ وفاة المواطن محسن فكري الذي طحنته شاحنة الازبال.
مسؤولية الحكومة السابقة ثابتة، مسؤولية حكومة تصريف الأعمال ثابتة، ومسؤولية الحكومة الحالية ثابتة، في ما وقع ويقع في الريف وخلالها هذه المدة ظل السيد الوزير مصطفى الرميد يتحمل خلالها مسؤوليات حكومية لها ارتباط وثيق بما وقع في الحسيمة منذ يوم 28 أكتوبر 2016 وما تلاها من أحداث إلى أن انتهينا اليوم إلى ما نحن فيه من مداهمات للبيوت واعتقالات بالعشرات ومتابعات ومحاكمات وانتهاءا باحتقان خطير يسود سائر أرجاء الوطن.
16 سنة من جهود كبيرة بذلتها الدولة لترسيخ حقوق الإنسان وتدعيم أسس الانصاف والمصالحة تنهار كل يوم أمام أعيننا بسبب الاستهتار الحكومي والترهل الذي تعاني منه نخبنا السياسية والصراعات الحزبوية المقيتة وتضخم وتعاظم دور “تجار الأزمات” المتحالفين مع مافيا الفساد.. وكل ما وجدته الحكومة الموقرة كتدبير لحل هذه الأزمة المتفاقمة هو تدبير امنوي قمعي يزيد من تعقيد الوضع ويسهل من مهام المتربصين ببلادنا والذين يشتغلون ليل نهار منذ اندلاعها لتعميق الانشقاقات في جسد الوطن الواحد وزرع بذور حركات انفصالية جديدة يتم تغذيتها بأموال المخدرات والاتجار في البشر والتهريب وغذا، لا قدر الله، بالاتجار في الأسلحة.
وأنا أزور ليلة أمس إحدى مصحات الرباط والتي نقل إليها هذا الشاب الريفي الذي تعرض لكسر خطير من جراء التدخل القمعي تجاه الوقفة السلمية أمام البرلمان، انتابني غضب شديد وإحساس غريب وأنا أتذكر يوم كنت اجوب الشوارع واشارك في الندوات والمحاضرات والبرامج الحوارية في الإذاعة والتلفزيون لإقناع المواطنين بالتصويت بالإيجاب على الدستور الجديد ل 2011 الذي أنتجته دينامية 20 فبراير. بالرغم من كل ذلك، لا زلت أقاوم لكي لا أحس بالإحباط وانضم بدوري للمقتنعين بأن الوضع يقتضي حدوث هزة تكتو-سياسية عنيفة تعيد إرادة الشعب لوضعها الطبيعي كمصدر رئيسي للسلطات وكتعبير عن إرادة الأمة.
في العاشر من رمضان، تحل ذكرى وفاة المغفور له محمد الخامس، طيب الله ثراه. وستكون مناسبة هذه الذكرى لحظة لاستحضار اللقاء التاريخي الذي جمع رمز الأمة برمز آخر من رموز الأمة، بطل ثورة الريف الخالدة، الأمير محمد بن عبد الخطابي، رحمة الله عليهما.
فمادا لو شكل شهر رمضان الفضيل الابرك هذا مناسبة أخرى لتجديد العهد الراسخ بين حفيد محمد الخامس مع أحفاد محمد بن عبد الكريم الخطابي؟
في إنتظار العقلاء، أقول مرة اخرى: عاش الوطن..

التعليقات على غضب وغضب وغضب.. يا وزير الدولة! مغلقة

‫شاهد أيضًا‬

لمياء بومهدي (مدربة تي بي مازيمبي): “سعيدة جدا بتتويجي في بلادي المغرب”