“كيف أصبحت هكذا”

كل إنسان له اختيارات في الحياة، ولكل اختيار من هذه الاختيارات حكاية يتداخل فيها الذاتي والموضوعي، ويحضر فيها أشخاص ووقائع وكتب ومواقف… وتغيب تفاصيلها عن الناس حتى يعتقد بعضهم أن الكاتب أو المبدع ولد بكامل الوعي والإبداع الذي عرفه به الناس، أو أن الإسلامي ولد إسلاميا واليساري يساريا…

مع القيادي في جماعة العدل والإحسان: عمر إحرشان

إعداد: علي جوات

– كيف أصبحت إسلاميا وانتميت إلى جماعة العدل والإحسان؟
لا يختلف مساري عن مسار جيلي الذي عايشته. طفل نشأ في أسرة متدينة في منطقة الحي المحمدي بالدار البيضاء مشهورة بمتناقضاتها، حيث تعرف وجود تيارات يسارية وإسلامية بمختلف أصنافها إضافة إلى كونها مهد كل المجموعات الغنائية الغيوانية وكذا النشاط الرياضي، سواء كرة القدم أو الملاكمة أو كرة اليد…
ولجت الكتاب القرآني (المسيد) منذ صغري وتعلمت فيه أشياء كثيرة ما تزال تلازمني إلى يومنا هذا. وبعد ذلك ولجت المدرسة العمومية ومن خلالها بدأ يتشكل وعيي السياسي وأنا ابن عشر سنوات من خلال معلمين يساريين كانوا يهتمون بالتلاميذ المتفوقين ويشجعونهم على القراءة وارتياد دار الشباب (والحديث هنا عن دار الشباب الحي المحمدي المحادية لملعب الاتحاد البيضاوي وكانت تضم كل أطياف اليسار حينها النشطاء في جمعيات الطفولة أو الثقافة أو الفن). هذه كذلك كانت فترة مهمة في حياتي تعلمت فيها أشياء ما تزال تلازمني مثل القراءة اليومية وملكة النقد والحيوية والعمل التطوعي.. وبالموازاة مع ذلك كانت منطقة الحي المحمدي مليئة بالمساجد والخطباء المشهورين (بلقاضي، زحل، عصام، بشيري وبعدهم الضعيف وحبيبي…رحم الله من مات وبارك في من ما زال حيا وجزاهم الله خيرا عن هذا الجيل) وكانت ميزتهم الأساس قربهم من الناس وتعبيرهم عن آرائهم بحرية واصطفافهم إلى جانب المجتمع ضد السلطة.هذا كان يعجبني كثيرا.
أذكر وأنا في الابتدائي أن إدارة المدرسة قررت أن تنظم رحلة للتلاميذ وأخبرونا بذلك فتهيأنا وهيأنا طعاما لذلك ولكن اكتشفنا بعد ذلك أن الأمر يتعلق بتحشيد التلاميذ لملء فضاء مقفر سيزوره الحسن الثاني، وهو المكان الذي فيه اليوم عمالة الحي المحمدي عين السبع وكان حينها عبارة عن مكان مهجور. أصبت يومها بارتفاع درجة الحرارة كدت أن أصاب جراءها بشلل.
أذكر جيدا أنني بعد التحاقي بالمدرسة احتججت على إدارة المدرسة وعلى كذبهم، ويومها وقفت في صفي معلمة الفرنسية (كانت يسارية) وبدأت بعد ذلك تعطيني كتيبات. وبالمناسبة فهذه المعلمة كان لها فضل كبير علي.
مع مرور السنين، وخاصة في مرحلة الإعدادي، شعرت بنوع من النفور ممن أعرف من اليساريين بسبب بعض السلوكات والمواقف والتصرفات الأخلاقية والدينية والمعاملاتية، ولكن بقيت صلتي بالبعض جيدة، ومنهم أستاذ يساري كان قمة في الأخلاق وهو من أول من ذكر أمامي اسم الأستاذ عبد السلام ياسين وكان يتوفر على رسالة الإسلام أو الطوفان ولكنه رفض أن يعطيها لي خوفا، لا أدري هل علي أم عليه.
في فترة الإعدادي، قل ترددي على معارفي من اليسار وكان انشغالي كثيرا بالرياضة، وبقيت أتردد على بعض الخطباء بشكل أقل كذلك إلى السنة الأولى من الثانوي حيث فكرنا أنا ومجموعة من الأصدقاء في الاجتماع لحفظ القرآن الكريم وكانت تلك بداية التعرف على جماعة العدل والإحسان التي أذكر أنني سبق أن سمعت عن مرشدها.
مباشرة بعد ذلك، ما زلت أذكر أنني ذهبت إلى أستاذي اليساري في الإعدادي ومعلمتي اليسارية في الابتدائي أستشيرهما في هذه الخطوة فكانت المباركة. أتذكر هذا الأستاذ الذي قال لي حينها كنت أريدك أن تكون يساريا وحاولت معك كثيرا وزودتك بعشرات الكتب ولكن مكتوب لك أن تكون مع الإسلاميين استفت نفسك وافعل ما ارتحت له، وتحدث عن الجماعة بخير وخاصة في رفضها للعنف وموقفها من المخزن.
اندمجت في الجماعة مع أصدقائي وكنا منضبطين جدا وأذكر جيدا تزامن ثاني جلسة لنا مع مباراة كرة قدم للمنتخب المغربي ومع ذلك حضرنا الجلسة ولكن تغيب النقيب (المسؤول) فرجعنا بسرعة لنكمل المباراة. هذا الانضباط ساعدني على التعرف أكثر على العدل والإحسان فكنت أبحث عن كل ما يعرفني أكثر على الجماعة، وأذكر أن في مكتبة الثانوية (عقبة بن نافع) كان هناك كتاب للأستاذ عبد السلام ياسين رحمه الله هو “الإسلام غدا” (كتاب كبير الحجم من 900 صفحة تقريبا) فكنت أستغل فترات الراحة وقرأته كله. في هذا الوقت كانت مطبوعات الجماعة قليلة جدا وغير متداولة.
هذه هي قصة انتمائي للجماعة، وبعد ذلك كانت المرحلة الجامعية التي تزامنت مع سنوات التسعيينيات.

غدا مع لطيفة البوحسيني: جدي الشوري قادني للانتماء إلى اليسار

التعليقات على إحرشان: استشرت أستاذي اليساري قبل الانتماء للعدل والإحسان مغلقة

‫شاهد أيضًا‬

انتهاء “أزمة” إضراب المحامين.. فرضوا على وهبي “التنازل” في مجموعة من النقط وهذه أهم الاتفاقات

أعلن مكتب جمعية هيئات المحامين بالمغرب رسمياً، أمس الاثنين، إنهاء مقاطعة الجلسات في مختلف …