“حكاية صحفية”.. زاوية نسعى من خلالها إلى استعادة وقائع ومواقف مفارِقة أو مفاجئة أو صعبة.. حدثت لصحفيات وصحفيين مغاربة خلال مسارهن ومسارهم المهني. يحكيها كل يوم زميل أو زميلة على موقع “الأول”
خالد مشبال
عندما كنت مديرا لإذاعة طنجة، كنت أنشط برنامجا مباشرا، خاصا بالهامشيين، اسمه “قاع الخابية”، وقد قدمت فيه ماسح الأحذية وبائع الصحف و”الكسّال ديال الحمام”، كما قدمت إنسانا معتوها “ما كيقفل على حتى شي حاجة”. كان هذا الرجل يعيش في مقبرة سيدي بوعبيد بطنجة، ينصب “قويطن” بين المقابر، ويعيش على الخمر و”طويجن ديال التاكرة”.
ذات يوم، كنت أزور صديقي احمد أبو العيش، الذي كان مديرا لمدرسة محمد الخامس التي تطل على مقابر سيدي بوعبيد، فرأيت هذا الشخص، وقد كان ليلتها موعد حلقة جديدة من “قاع الخابية” ولم أكن أتوفر على ضيف، ففكرت في استضافة هذا البوهيمي، ناديت على سائقي ونزلنا إليه.. عندما اقتربنا منه أمسك عصا وقال بلهجة طنجاوية “والله وتقرب لهنا.. هادي لحدود”، فحاولت أن أفهمه من أنا، ثم اقتربت منه وأعطيته مبلغا بسيطا، ربما كان خمسة دراهم، فاطمأن، ثم قدمت إليه نفسي والبرنامج الذي أقدمه، فوجدته يصرخ: “إذاعة طنجة بها كننعس وبها كنفيق”، فقلت له لقد جئت إليك لتكون أنت ضيف الإذاعة لهذه الليلة، فاستغرب الأمر، وهو يخلط اللهجة الطنجاوية بكلمات فرنسية، ويقول: ” Impossible يمكنْ نكونْ أنا فإذاعة طنجة”، فأكدت له أن ذلك ممكن، لأفاجأ به يقول لي: “بشرط أخاي.. القريعة”، فأجبته: “عندك”، وبالفعل فقد كان يتحدث في البرنامج “والقرعة د البينو(قارورة النبيذ) قدامو”.
كان هذا الشخص معروفا باسم با ادريس القفة، وكنت أناديه با ادريس؛ وقد كان رائعا، رائعا جدا، بحيث انتقلت معه، طيلة مدة البرنامج، من الحديث في الثقافة إلى الفن إلى الدين فالجغرافيا ثم السياسة.. وبصرف النظر عن مضمون ما كان يقوله، فقد كان الأهم هو استعداده للخوض، وبمنطقه الخاص، في كل هاته المواضيع. لقد كانت حلقة متميزة، وما زاد في تميزها وروعتها هو حديث الضيف باللكنة الطنجاوية. هذه الحلقة تتبعها الحسن الثاني وراقت له كثيرا، وقد سبق لي أن تحدثت عن ذلك.
فأثناء بث الحلقة اتصل أحدهم عبر الهاتف؛ وعندما ردَّت عليه المحافظة، عائشة حسون، والتي نادرا ما كانت تقوم، ليلا، بالمحافظة، طلب المتصل منها أن تَصله بأحد المسؤولين أو بمقدم البرنامج، فربطته بي، وعندما تناولت السماعة وجدته يقول: “تبارك الله عليكم.. هاذ الشي اللي كديرو ممتاز جدا. أنا متَبَّع البرنامج وعجبني”، أنصتُّ جيدا فتأكد لي أنه الحسن الثاني من نبرة صوت وطريقة كلامه، ثم أضاف: “الله يرضى عليكم.. غير شويا ديال.. منين تكون شي مسائل قاصحة خففوا منها”.
لقد كان ضيفي من حين لآخر ينبس بكلمات سوقية “خايبة”، لذلك طلب مني الحسن الثاني ذلك وهو يضحك، ثم أنهى مكالمته وهو يقول: “الله يرضى عليكم. الله يوفقكم”.
لقد كنت أعرف، من عدد من المقربين من الحسن الثاني، والمحيطين به ليلا، أنه كان حريصا على تتبع إذاعة طنجة، يوميا، بعد منتصف الليل. وهذا الأمر أكده لي، مرارا، السي احمد البيضاوي، الملحن الكبير، الذي كان يجالس الحسن الثاني ويؤنس لياليه بشكل شبه يومي، إلى حين نومه. كما كان يعرفه أيضا عبد الله عصامي وفتح الله لمغاري وأحمد الريفي المدير السابق لإذاعة مراكش، وعمر بلشهب مدير إذاعة وجدة، وآخرون عديدون لا أذكرهم الآن.
حلقة الغد مع كريم البخاري: ادريس البصري كان يناديني “طاراس بولبة”وقال لي: كون عطيتك شي كادو كون تهنينا منك”
عاجل.. مجلس النواب يصادق بالأغلبية على مشروع قانون المالية لسنة 2019
صادق مجلس النواب في جلسة عمومية، اليوم الجمعة، بالأغلبية على مشروع قانون المالية لسنة 2019…