عزيز عبقري

لقد ولد الخوف من الموت والطابع الزمني للوجود البشري لدى الإنسان الرغبة في الأبدية. إن المعنى الحرفي للابدية يعني استحالة التفكك لهذا الوجود المتطابق مع ذاته، إنها تعني إمكانية تحقق لواقع انطولوجي لا يشتمل على أي خلل.
مناسبة قول هذا الكلام هو ما يسمى بالهم الايكولوحي أو الدفاع عن البيئة (بغض النظر عن المهزلة والبهرجة الفلكلورية التي تحصل بمراكش) وإعادة التوازن للطبيعة، فقد أصبحنا نسمع بالحقوق البيولوجية وأصبحت الجامعات (بما فيها جامعاتنا المهترئة )تتسارع في فتح كراسي لهذه المواضيع، إلى حد أن الأمر أصبح أيديولوجية. فواقع العالم يفصح عن احتكار التروة وسيادة المضاربات مما أدى إلى توسع الفقر واتساع مجال المجاعة وانتشار البطالة والمخدرات والهجرة والحروب . كل ذلك يعكس مدى سيادة الرأسمالية المتوحشة التي قضت على العدالة الاجتماعية و اقامت مجتمع الاستهلاك المكرس للاستغلال الذي أنتج الفوارق الاجتماعية المثمتلة في البدخ الفاحش و الفقر المدقع . هذه الرأسمالية الهمجية هي التي أدت إلى استنزاف الثروات الطبيعية وتلويت الطبيعة نظرا لسعيها للربح الفاحش. فبعد السكوت عن هذه البشاعة التي لوتت التراب والماء والشجر والحجر بعد أن تم استثارة الطبيعة وتحريضها على إعطاء الطاقة التي تحتكرها الرأسمالية التي لم تعد تحكم بمؤسسات وقوانين وإجراءات بل بواسطة التقنية. إن التقنية لم تعد تجهيزات وأدوات لمساعدة الإنسان للتغلب على صعوبات الطبيعة بل أصبحت إلغاء لفكرة الطبيعة نفسها وتحويلها من موضوع مثير للالهام والشعر والجمال الى عالم الجدوى و المردوددية والمنفعة والحساب. عالم ينمط الإنسان ويسلبه إرادته ويحوله إلى عبد.
في إطار هذا المسار الكوني بدأت تنبعت دعوات نبوئية تدعي تخليص الوجود من الأخطار المحدقة به ومعلنة عن الحاجة لإصلاح الاختلالات التي أحدثتها النتائج المرعبة والتي لحقت وسطنا الحيوي، التي ليست فقط ايكولوجية، بل أيضا بيولوجية و وراثية ترتبط باستنساخ الكائنات والأعضاء وامتلاك مدخرات لها، إلى حد التخمين بأن الوجود الإنساني سيتعرض للانهيار في شروطه وفي دلالاته.
هذه الدعوات تنسى أن المنحى التقنو – علمي له أيضا نتائج اقتصادية وبطبيعة الحال سياسية مهولة مدام انها لا تعمل إلا على توسيع الهوة بين البادخين والكادحين.
هل يتعلق الأمر بادعاء إمكانية الضبط للتقنية، أو القول بإمكانية صياغة موقف جديد تجاه مجالنا البيئي؟
إن هذه الدعوات النبوئية المبشرة بالمخاطر المحدقة بالكون والتي تدعي العمل على إرجاع النظام إليه والتي تدعي أنها تحذر من الفوضى (Le chaos )التي سيقع فيها، والحديت عن تجنيب السقوط في “الكاووس” يعني البحث عن نقيضه الذي هو الكوسموس (le cosmos ) .هذه الكلمة تحيل إلى النظام الذي تخضع له كل الكائنات. أنه حسب تعريف Alexendre koyré عالم منظم متناهي وخاضع لتراتبية، عالم متفاوت بشكل كمي من الناحية الانطولوجية. فبالنسبة لارسطو كل الأشياء في علاقة ببعضها البعض وهي مرتبة بالشكل الذي يجعلها تسير نحو غاية واحدة.
فليست الأرض فقط تابتة، بل إنها في مركز الكون المغلق مكون من دوائر متعددة، مايؤدي إلى الحديث عن عالم فوق القمر وعالم تحت القمر .الثاني ناقص (نلاحظ فيه حركات الكون و الفساد)، أما الأول فهو كامل. ففيه تحدث حركات الاجرام السموية الدائرية التامة التي تحدث حول الأرض، إنها حركات لابداية ولا نهاية لها. إنه زمن الأبدية الارسطي الذي تبشرنا الحركات الايكولوجية للعودة إليه لانها تريد إعادة النظام للكون وجعله كون لا يشتمل عل أي خلل وغير قابل لإمكانية الانهيار ولا للفناء كون خالد لا مكان فيه للفناء ولا للموت.
إنهم يبشروننا بفضاء تحت رعاية مداومة. المكان فيه تمايزات وتفاضل مطلق . كل جسم له حيزه الخاص الذي يلجؤ إليه وما الحركة فيه إلا عودة نحو الأصل الطبيعي عن طريق الإنجداب بالمحبة .بالنسبة لارسطو الحركة هي الانتقال من مكان إلى مكان آخر (الحركة المكانية )اما الحالة العادية للعالم هي السكون الذي ليست الحركة بالنسبة له إلا اضطراب وبالتالي فكل حركة ينبغي أن تنتهي بالعودة إلى الأصل. فحين يسقط شيء على الأرض فلانه يعود إلى أصله الذي هو الطبيعة.
إن هذه المنظومة الارسطية في النظرة للطبيعة والتي ستقضي عليها النظرة الغاليلية (Galilien )القائمة على ترييض la mathematisation الطبيعة التي ستقضي على الكون الارسطي المنظم وتعوضه بالمكان الخاضع للطابع الهندسي. إنه المكان المنسحم المنتي لكون متناهي الذي تحصل فيه الحركة المتواصلة و المسترسلة ، ذلك ما يعبر عن عالم متغير بالنسبة للإنسان. إن الكون الغاليلي لا يكترت بالإنسان ولا بمشارعه وهذا الأخير لم يعد قادرا على أن يجد له حيزا فيه. فكل الأمكنة منسجمة وليس هناك منها من لها خصائص متميزة. هذا ما يفسر كل أعمال الإنسان بما فيها غزوه للفضاء والبحث على النزول على سطح الكواكب.
كل ذلك جعل الإنسان يتيه لأنه لم يعد قادرا على إعطاء المعنى التام للعالم. إن الإنسان هو الذي أضاع العالم و اضاع الطبيعة و اضاع الكون. فقد توجت الثورة الكوبرنيكية بالثورة التقنو-علمية التي أرست كونا ذو خاصية ميكانيكية وحتمية يشتغل بدون أي هدف.
هذا الإحساس بهذا الفراغ هو الذي يخيف الإنسان، لأنه لم يعد يعرف أين سيرسو، أنه يشعر بالضياع مما جعله يدرك أنه يحيى خطر الموت المحدق به في كل لحظة وبالتالي لايفتأ عن ابتكار طقوس وأساطير وبلاغة لتهييء نفسه للموت. إن الإنسان وهو يموت ويحمل نعشه على كتفه لايتوقف في نشدان الأبدية ربما صدق نيتشه حين قال “إن ما يحرك الإنسان كباقي الحيوانات هو حب البقاء”.
فلتتوقف المهزلة الايكولوجية التي تضيف لمراكش خللا ينضاف إلى خلل السياحة الجنسية .

التعليقات على فلتتوقف المهزلة الإيكولوجية التي تضيف لمراكش خللا ينضاف إلى خلل السياحة الجنسية مغلقة

‫شاهد أيضًا‬

لقجع وبوريطة يؤكدان “التزام” وزارتهما بتنزيل تفعيل الطابع الرسمي للغة الأمازيغية بالمالية والخارجية

أبرز ناصر بوريطة، وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي و المغاربة المقيمين في الخارج، وف…