اعتبر نبيل بنعبد الله، الأمين العام لحزب التقدم والإشتراكية، اليوم السيت، أن هناك “مشكل حقيقي في منسوب الثقة والمصداقية، وفي طبيعة الممارسات، وفي مدى قدرة الفضاء السياسي على خلق التعبئة الاجتماعية، وفي طبيعة علاقة المواطن بالسياسة”.
وقال بنعبد الله في كلمة خلال افتتاح الجامعة السنوية التي ينظمها التقدم والاشتراكية بمقره بالرباط، “بمعنى أنه يجب الإقرار بأننا، فعلاً، أمام أزمةٍ للعمل السياسي”.
وتابع قائلا “حين نقولُ إن السياسة ببلادنا في محنة أو في وضعٍ حرِج، فإن ذلك ينطلق من كون الأمر فعلاً يثير القلق والتخوف”، مضيفا “منذ نهايات العقد الأول من هذه الألفية، وعوض الاستمرار في ذلك المنحى الإصلاحي، الذي ذَكَرناه، بدأت تظهرُ ملامحُ تَوَجُّهٍ يَدفعُ في اتجاه “التحرر” من ذاك التعاقُد السياسي المثمر، بمبرِّر أنَّ القوى الوطنية الديموقراطية ليست مؤهلَةً ولا قادرةً على مواجهة مدِّ الإسلام السياسي، ولا على دعمِ العُمق التحديثي والإصلاحي”.
وأضاف بنعبد الله: “في مفارقةٍ عجيبة، ظهرت وتصاعدت انحرافاتٌ في الحقل السياسي، تتنافى تماماً مع المبررات التي استند إليها هذا الخطابُ الجديد آنذاك”، معتبرا أن “ما يَسَّرَ الأمرَ أمام تلك الانحرافات هو أن القوى الوطنية الديموقراطية (الكتلة أساساً) كان ردُّ فِعلِها، عموماً، خافتاً وباهتاً، وكان موقفُها غيرَ موحَّدٍ ولا حازم”.
كما أشار بنعبد الله إلى “حراكُ 2011، السياسي والاجتماعي”، معتبرا أن هذا الحراك اضطر “ذاكَ التوجُّهُ النُّكُوصي إلى التَّواري مؤقتاً، ليُفسَحَ المجالُ واسعاً أمام دستورٍ متقدمٍ جداًّ، شكَّلَ قفزةً دستورية، ومؤسساتية وديموقراطية وحقوقية، قوية وفارِقَة في مسارنا الوطني، على الأقل على مستوى النص”.
وانبثقت، حسب بنعبد الله، تجربة حكومية اندرحت في هذا السياق، “هو ما فَسَّرَ تواجُدَنا فيها، في خطوةٍ ليس المجالُ هنا للتفصيل فيها وفي تقييمها”، يضيف المتحدث قبل أن يشدد على أنَّ “الصراع السياسي مدٌّ وجَزر، ما لبثَتْ أنْ عادَتِ التوجُّهاتُ السلبيةُ إيَّاها، بأشكالَ مختلفةٍ، مُلْحِقَةً أضراراً بالِغة بمكانة السياسة، وبأدوار الفاعل الحزبي، وبمصداقية المؤسسات السياسية”.
وأكد نبيل بنعبد الله أن التقدم والاشتراكية “ظل طوال هذه الفترات التي نتحدث عنها، ثابتاً على تَوجُّهٍ سياسي مستقيم وواضح، خيطُهُ الناظم: مناداتُنا بالتعاقد السياسي الجديد؛ وبجيلٍ جديد من الإصلاحات، ثم بالنفَس الديموقراطيِّ الجديد”، مشيرا إلى أن حزبه سعى بكل قوة، وبكل نية صادقة، نحو “ضرورة تشكيل حركةٍ اجتماعية مواطِنَة، بحُمُولةٍ سياسية، لإحداثِ الرجَّةِ الضرورية في المجتمع، دفاعاً عن رصيد المكتسبات الديموقراطية، وعن البلورة السليمة لدستور 2011”.
كما اعتبر الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية “التوجُّهٍ” الذي ذكره “مُضِرٍّ بالفضاء السياسي والبناء الديموقراطي، أفضى، باعتباره عاملاً رئيسياًّ، إلى بروز ثلاثة تجلِّيات على درجةٍ كبيرة من الخطورة على بلادنا”.
ويتمثل التجلي الأول حسب بنعبد الله في “التراجع غير المسبوق لمنسوب ثقة المواطنين عموماً، والشباب خصوصاً، في الفضاء السياسي، في الفاعل الحزبي، في الجدوى من العملية السياسية والانتخابية، بما يُمْكِنُ أن نُسمِّـــيَــهُ، اليوم، “مخاصمة حقيقية بين معظم المغاربة وبين الشأن العام”، اللهُّمَّ تلك الاستثناءاتُ التي تؤكِّدُ القاعدة”.
أما التجلي الثاني فهو “كون المؤسسات السياسية، عموماً، المنتخبة وغير المنتخبة، لم تعد تضطلع بأدوارها كما يجب وكما ينص على ذلك الدستور، وهي اليوم ليست معزَّزة كما ينبغي بأفضل وأكفأ وأنزه ما يُوجَدُ في المجتمع من طاقات، مع استثناءاتٍ طبعاً”.
أما التجلي الثالث، يضيف بنعبد الله، هو “أننا أمام وضعية فراغٍ سياسي خطير، لا يمكن أن تملأهُ سوى تعبيراتٌ عفوية، أو متطرفة، أو غير مؤطَّرة، رافضة تقريباً لكل شيء”.
وشدد المتحدث على أنه “عندما نرصُــدُ هذه الاختلالات، بعد أن نكون دائما حريصين على ترصيد المكتسبات، فإننا نقومُ بذلك انطلاقاً من غيرتنا على وطننا ومؤسساتنا وثوابتنا الدستورية. فقنواتُ التأطير وأدواتُ الوساطة كلما كانت أقوى، كلما كانت أكثر قدرةً على أداء أدوارها الحامية للفضاء المؤسساتي والديموقراطي”.
وأردف بنعبد الله قائلا “يجب، بالمقابل، على تلك الأصوات التي تحترفُ الدفاعَ عن كلِّ شيء وبأيِّ شيء، ألاَّ تُـــوَجِّهَ لنا اللوم بأننا نُسَوِّدُ الصورة. فخطابُها التسطيحي والضيق الذي يُخَيَّلُ لها أنها تُـــدافِعُ به عن البلاد وعن الاستقرار، إنما هو في الحقيقة خطابٌ مُضِرٌّ بالوطن وبالمؤسسات، يستهدف كلَّ صوتٍ ما يزال يحمل شيئاً من الحيوية، مما يَزيدُ من تعميق أزمة الثقة”.