ينظم، يومي الجمعة والسبت المقبلين، فريق البحث في فلسفة القانون والفكر الانساني المعاصر، في مختبر أبحاث التكامل المعرفي في العلوم الاجتماعية والانسانية، بكلية الأداب والعلوم الانسانية المحمدية، بشراكة مع مؤسسة “كوندرا أدور” وتعاون مع مركز الدراسات والأبحاث الانسانية مدى، الملتقى الوطني الثاني لـ”الفلسفة السياسية”.
وحسب أرضية الملتقى التي توصل “الأول” بنسخة منها فإنّه “منذ أقدم العصور، حضر الدين بقوة في المشهد الثقافي والسياسي، على امتداد حوض البحر الأبيض المتوسط. يبدو هذا الوضع منطقيا إذا أخذنا بعين الاعتبار كون ضفته الجنوبية مهدا للحضارات القديمة والأديان الكبرى. يميل الخطاب المؤسس لهذه الأديان، إلى ربط العلاقات الاجتماعية والسياسية بمرجعية المعتقد، وضبط تفاصيلها اليومية بمزيج من الضوابط الروحية والدنيوية التي تنظم حركة المجتمع. استمر حضور هذا النموذج حتى نهايات العصور الوسطى، بعد انتقال المسيحية إلى الضفة الشمالية، حيث تعرضت المؤسسة الكنسية المسيحية لاهتزازات قوية تحت ضغط حركة الإصلاح الديني. عرفت أوربا تحولات عميقة بعد سقوط القسطنطينية، تكللت بالاكتشافات الجغرافية، والهيمنة على تجارة المتوسط، وأخيرا الانشقاق البروتستانتي. أما في جنوب الحوض، فقد تفككت الدولة المركزية، بحسب تغير موازين السارية، وهو ما كان من وراء نوع من الاجتهاد الفقهي النظري، الذي كرس مفهوم الخلافة، بوصفها تعبيرا رمزيا عن الطموح المشترك للمسلمين في الوحدة”.
وتقول الأرضية إنه “على الضفة الأخرى، أدى التطور المتسارع في نهايات عصر النهضة إلى إعادة طرح إشكالية العلاقة بالإمبراطورية الرومانية المقدسة، لا سيما بعد احتداد الحروب بين الدول المركزية حول حقوق الوراثة واستخلاف الحكم؛ ذلك أن بنية الدولة الوطنية الحديثة، لم تعد تتلاءم مع القوالب المتقادمة، وهو ما كان من وراء إبرام اتفاقية وستفاليا التي أعلنت عمليا ولادة نظام دولي جديد، تمتد فيه الدولة داخل إقليم ترابي محدد، وترتبط بصورة عضوية بشعب، يعيش داخل مجال محدد، تتمتع فيها الدولة كامل السيادة. جاء هذا التحول كذلك، تعبيرا عن صعود طبقة وسطى جديدة، تتسلح بشعار النظرية التجارية؛ “دعه يعمل دعه يمر”، بهدف تخطي الحواجز الإدارية والجمركية، وتوحيد السوق لتثمين مكاسبه. كما مكن التراكم المالي المتحقق من نشوء حلقات مغلقة ومتفرقة لنمط جديد من التفكير، تركز حول الحق في المعتقد، وفي التعدد في ظل وحدة النوع الإنساني، وقد وفرت هذه الحلقات التي كان يرعاها نبلاء وتجار كبار؛ الغطاء السياسي لعدد من وجوه الفكر المتميزة التي أعلنت التباشير الأولى لفكر الأنوار”.
وأضافت: “بعد هذه الموجة الفكرية الأولى؛ جاءت الثورة الصناعية لكي تهز أركان الهياكل الاجتماعية والسياسية التقليدية، وتأخذ مؤسسات المجتمع والدولة وجوها جديدة، تكرس فيها الاعتراف بالحقوق الاجتماعية، وتعززت الحقوق السياسية، ما سرَّع دنيوَة المجتمع في سياق التطور الاجتماعي، بفضل الأدوار الجديدة التي لعبتها النقابات العمالية والأحزاب السياسية، واستبدال قيم الرحمة والتضامن والمحبة المسيحية، بمعجم سياسي جديد يتمحور حول قيم العدالة والمساواة، والتسامح، والحرية. في ظل الدنيوة الزاحفة، المُحتفِية بانتصار العقل. بالتوازي مع ذلك؛ وفي أوج انتصار الحداثة، في نهايات القرن التاسع عشر، ظهر صنف من اللاهوت السياسي الجديد مع كارل شميث، اختار خطا مُعاكسا، يبني مشروعيته على جذوره الهُوِياتية العميقة، وعلى إتيمولوجيا لاهوتية مستحدثة للمعجم السياسي المتداول”.
وحسب أرضية الملتقى الثاني للفلسفة السياسية، “على الضفة المقابلة؛ لم تنجح بعض الأفكار النهضوية في تحريك مياه البحيرة الساكنة. بالمقابل؛ حققت نسخة جديدة من الخطاب السياسي اللاهوتي اختراقا أساسيا، تحت مسمى “السلفية”، ربطت فيه تحقيق النهضة، بالعودة إلى نموذج المجتمع الإسلامي الأول. وكان من بين أهم الانتقادات التي وُجّهت لهذا الخيار حسب عبد الله العروي؛ افتقاده للمقاربة التاريخانية، وهو ما جعله قاصرا عن الوعي بحالة الفوات التاريخي مع الغرب”.
وتابعت، “أوسع مما يجري على ضفتي المتوسط، نرصد اليوم على المستوى الكوني، تصاعد نظريات اللاهوت السياسي، واتساع قاعدة أتباعها بين المحافظين التقليديين، والجماعات الهوياتية، الدينية والعرقية، التي تدعو إلى الانغلاق، في عالم تنهار فيه الحواجز المكانية، ويتكاثف فيه زخم المعلومات، وتتعولم التهديدات المشتركة (التحولات المناخية، الأوبئة المستجدة، الحروب الحضارية… الخ). وبقدر ما تحتاج هذه الجماعات الهوياتية الصاعدة إلى عدو خارجي لشد أواصر التضامن الداخلي بينها، بقدر ما تحتاج إلى سردية شعبوية تغتال معنى السياسة باعتبارها خدمة عمومية، وتشطب بجرة قلم على كل المكاسب التي راكمتها الإنسانية”.
في خلاصة نهائية؛ تطرح أرضية هذا الملتقى، “إشكالية اتساع الخطاب الشعبوي، وانبعاث لاهوت سياسي جديد، بتلوينات متعددة، يخترق مجمل الثقافات الكبرى المعاصرة. يرتكز على منطلقات سطحية، لا تسلسل منطقي بينها، ويخلُص إلى مُخرجَات غير متساوقة، تقفز فوق العقل، وتتوجه إلى مخاطبة العواطف والانفعالات، بناء على ادعاء خصوصية تحيل إلى روابط المكان، و العرق والدين، وتكرس الوهم بوجود خطر دائم يتهددها، وتبني حالة الحرب بصفتها آلية أساسي في منظومة العلاقات الدولة”.
ويتطلع المنظمون إلى مشاركة أساتذة باحثين من حقول الفلسفة السياسية والقانون، وطلبة دكتوراه من داخل الوحدة، على أن تنكب المداخلات على الإشكالية المشار إليها؛ انطلاقا من ثلاثة محاور أساسية، اللاهوت السياسي المعاصر؛ أية أصداء في السياسات العمومية، وفي منظومة العلاقات الدولية؟، اللاهوت السياسي الإسلامي المعاصر: المصادر، التأويلات والمقاربات، أي مستقبل للسرديات الدينية والهوياتية في الخطاب السياسي؟.
دعم إنتاج الأعمال السينمائية.. الكشف عن مشاريع الأفلام المستفيدة برسم الدورة الثالثة من 2024
كشفت لجنة دعم إنتاج الأعمال السينمائية، عن مشاريع الأفلام المستفيدة من الدعم برسم دورتها ا…