أكد النعم ميارة رئيس مجلس المستشارين خلال كلمته في ندوة “الجهوية المتقدمة ورهانات التنمية الترابية المندمجة: جهة الداخلة وادي-الذهب نموذجا”، اليوم الخميس على أن “تنظيم هذه الندوة بحاضرة وادي الذهب، يحمل دلالات رمزية كبيرة، لكن هذه الرمزية مقرونة أيضا بمعطيات موضوعية عديدة، فجهة وادي الذهب، هي جهة واعدة، بإمكانات اقتصادية وتنموية هائلة ومتعددة”.
وقال ميارة إنه “في إطار تنويع مقاربتنا ومصاحبتنا لورش الجهوية، ارتأينا في مجلس المستشارين، استحضارا للصلاحيات الدستورية المخولة للمجلس، وللمكانة التي حفظها له الدستور، إبداع صيغ للتفكير الجماعي مبنية على معطى القرب، وعلى الانتقال إلى الجهات. وفي هذا السياق تجد الشراكة التي تربط مجلسنا بجمعيات المجالس الترابية الثلاث سندها ومبررها، والتي من مخرجاتها تنظيم هذه الندوة التي نحن بصدد افتتاح أشغالها؛
لا أُعلم أحدا من الحضور الكريم، ولا أضيف جديدا، إذا قلت لكم بأن مجلس المستشارين هو واجهة التمثيل الجهوي والترابي للمملكة، وهذا المعطى هو الأساس الدستوري للثنائية المجلسية ببلادنا؛ فمجلس المستشارين الذي يُزاوج بين تمثيليات متعددة متنوعة، سوسيو مهنية، لكن أساسا تمثيلية قادمة من المجالس الترابية، لهذا فإن مجلس المستشارين خولت له أفضلية على مجلس النواب في كل ما يتعلق بالقضايا المرتبطة بالتنمية الجهوية والقضايا الاجتماعية، وعليه، تبعا لذلك، أن يظهر بمظهر برلمان الجهات والمجالس الترابية الأخرى، حاملا لهم تطوير هذه التجربة الواعدة، موفرا لها السند التشريعي الملائم، والترافع الجاد الضروري، والمصاحبة اليقظة لإنجاح مسلسل لازال في طور البداية، لكنها بداية مشجعة وبآفاق واعدة للتطوير والتدعيم”.
وأضاف ذات المتحدث، “لقد أُحدث بمجلس المستشارين، وأدرج في أجندته السنوية، الملتقى البرلماني للجهات، الذي وصل خلال السنة الماضية لمحطته الرابعة، وهو ملتقى يشتغل على قضايا دقيقة، إما لتوحيد الرؤى بخصوصها، أو لإيجاد أرضية للتوافق حولها تشخيصا واقتراحا للحلول، أو لتقريب وجهات نظر مختلفة، تُعيق الانسجام المطلوب والتكامل المرجو من قبل كل المتدخلين. وفضلا عن هذا الملتقى، تم إحداث “الندوات الموضوعاتية الجهوية”، وهي إطار جهوي، تحتضنه الجهة المعنية، وخلاله يتم الانتقال من التفكير الماكرو، إلى مقاربة الإشكلات المطروحة جهويا، عبر التوقف عند مقاربة الجهة المعنية لمطلب التنمية، والأجوبة المقدمة لأسئلة المجال، ودور النخب في إبداع حلول غير تقليدية لإشكلات التمويل، والتهيئ التشاركي لبرامج القرب، ومدى القدرة على ممارسة الاختصاصات بمحددات النجاعة والفعالية…”.
وتابع ميارة، “لقد كنتم شهودا، أيها الحضور الكريم، كل واحد من موقعه، على انطلاق ورش الجهوية، بداء بالتفكير فيه، مرورا بدسترته، فإخراج القوانين التنظيمية المتعلقة به، فانتخاب المجالس الجهوية في مناسبتين، وقبل ذلك مرحلة إخراج النصوص التنظيمية التي تتوقف عليها فِعلية القوانين التنظيمية…لقد كانت هذه البداية، موسومة بالآمال العريضة، وبالتخوفات الموضوعية، والانتظارات العديدة…وككل إصلاح مهيكل، لا بد له من الزمن لكي يكتمل تبلوره، وتعي النخب الجهوية أدوارها ومسؤوليتها الجديدة، وتتكيف الدولة مع فكرة تقاسم الاختصاص وفق خانتي الذاتي والمشترك، ويتمثل المواطنون لحظة التحول هذه عبر النظر إلى انتخابات الجهات، وتشكيل مجالسها كلحظة للممارسة الديمقراطية ولتشكيل هيئات منتخبة أصبحت هي المخاطب بدلا عن الدولة في كل معضلات التنمية وأسئلتها المقلقة المتجددة…”.
وقال رئيس مجلس المستشارين، “إن طموحنا بالارتقاء بهذه التجربة، هي التي تجعلنا نضعها موضوع مسائلة، موضع تفكير، موضع تأمل وتداول. لكن ونحن نمارس ذلك يجب ألا يغيب عن أذهاننا أن أول تجربة للمجالس الجهوية تعود فقط إلى ثماني سنوات خلت، وأن الإمكانات المادية والتشريعية وتلك المتعلقة بتوفير بيروقراطية محلية لم توضع منذ البداية. يضاف إلى ذلك، أن ممارسة المجالس الجهوية لهذه التجربة وتملكها لم يكن بالمعطيات ذاتها، فهناك مجالس وفر لها انسجام الأغلبية شرطا موضوعيا للانطلاق وللفعل، وأخرى عطل فيها غياب الأغلبية انطلاق عملها، وهنام مجالس سمحت لها جاذبية مجالها باستقطاب الرساميل والمشاريع المنتجة، وأخرى افتقرت إلى ذلك ولم يتم الإحساس بهذه النقلة التنظيمية الكبيرة؛ لذلك، فإن هذه اللقاءات التي نظمها هي ترمي إلى تغيير مقاربتنا للموضوع، فإذا كانت السنوات الأولى للتجربة تدور حول معضلات التمويل، وتتمة البناء القانوني، وتعثرات البدايات، والبرامج التنموية ودور الخبرة التكنقراطية في إعدادها، وعن وضع الأنظمة الداخلية للمجالس كآليات للتدبير الداخلي…فإن المرحلة تقتضي تقاسم التجارب، والاهتمام بمعرفة لماذا تم تسجيل النجاحات في منطقة، ولماذا كان الإخفاق والتعثر في مناطق أخرى…كيف يمكن لنا أن نتقاسم أسباب النجاح ونتجنب مسببات التعثر…وكيف يمكن لهذا الحوار الداخلي بين المجالس، أن يغني التجارب والممارسات الفضلى، وأن يكون باعثا للاستلهام، ودافعا للتجديد…فوصفات النجاح لا تكون في النصوص القانونية المنظمة، وإنما في كيفية إعمال نصوص جامدة في بيئة جهوية متغيرة، بمعطيات جغرافية وبشرية متنوعة، وبرهانات متباينة، وبوقائع مختلفة…”.
مضيفاً: “إن همنا اليوم، هو أن ننتقل إلى هذه الجهات، إلى مجالات تدبيرها، للانصات إليها، وهي تعرض تجربتها، لتتفاعل معها باقي الجهات، في انفتاح للجميع على الجميع، في تبادل للخبرات وللتجارب…، ولا شك أن تنظيم هذه الندوة بحاضرة وادي الذهب، يحمل دلالات رمزية كبيرة، لكن هذه الرمزية مقرونة أيضا بمعطيات موضوعية عديدة، فجهة وادي الذهب، هي جهة واعدة، بإمكانات اقتصادية وتنموية هائلة ومتعددة، فضلا عن موقع جغرافي، يجعل هذا المجال بوابتنا الترابية والبحرية نحو امتدادنا الأفريقي، هذا الامتداد الذي استرجع كل زخمه بالقرار التاريخي لجلالة الملك، نصره الله، بعودة بلادنا إلى مكانها الطبيعي ضمن العائلة المؤسسية الإفريقية؛ فجهة الداخلة-وادي الذهب، أصبحت قبلة لكل الاستثمارات الباحثة عن الفرص الاقتصادية، في سياق كوني موسوم بالأزمة، كما أنها تُقدم عرضا اقتصاديا غير محصور في قطاع دون آخر، فالثروات السمكية توفر المادة الأولية للصناعة الغذائية، والمخزون المائي، يتيح إمكانية نشوء قطاع فلاحي، والموقع الجغرافي يضفي جاذبية على المجال لإنعاش سياحة الصحراء والبحر، دون أن ننسى تنامي قطاع الخدمات، المرتبط تطوره بتطور القطاعات الإنتاجية الأساسية”.
وأشلر إلى أن “هذه المقومات، هي موضوع تدبير جهوي، لكن أيضا بأفق وطني كبير، فهذه الجهة مؤطرة، أيضا، بمرجعية النموذج التنموي الجديد لأقاليمنا الجنوبية، وهو ما يُلقي على مجلسها تحديات إضافية، برهانات تتجاوز المحلي والجهوي. فهذه الجهة كما نخبتها تُسوق اليوم للترافع على نجاح خيار التنمية، وعلى وجود إرادة سياسية لتجريب نمط جديد من التدبير يعطي للساكنة المحلية فرصة إدارة مجالها عبر قواعد الديمقراطية والانتخاب، كما أن الجهوية، بمنحدرها الديمقراطي، تعطي اليوم للقائمين عليها شرعية الحديث باسم الساكنة، باسم مطالبها، باسم اختياراتها، ضدا على متحدثين باسم شرعية متوهمة لا سند لها؛ ولأن الجهوية، بما تعينه من العودة إلى المحلي، فإن هذا المحلي ليس فقط موارد وإمكانات بل هو أيضا الإنسان، لسانه، تقاليده، موروثه، وثقافته. فلا غرابة أن ينتبه دستور المملكة إلى أهمية هذا البعد، فحفظت ديباجته للبعد الحساني الصحراوي مكانته، كمكون من مكونات الهوية الوطنية الموحدة المنصهرة، وأنشأ فصله الخامس التزاما من خلال عمل “الدولة على صيانة الحسانية، باعتبارها جزءا لا يتجزأ من الهوية الثقافية المغربية الموحدة”، وهو ما يستدعي عملا كبيرا للوفاء بهذه المضامين، من خلال التعريف بهذه الثقافة ورموزها، وتعريف النشء بها، وجعلها واجهة من واجهات التعريف بالمجال وخصوصياته”.
وقال النعم ميارة “إننا ننتظر من ندوتكم هذه الشيء الكثير، ومن أعمالها ما يقدم أجوبة على الإشكالات التي تطرحها المحاور المقترحة، وسنكون سعداء بالاستماع إلى تجربتكم المعيشة لإرساء أسس الجهوية المتقدمة، بهذه الربوع الغالية، وعن الآمال والطموحات التي تحملونها للرقي بهذه الجهة إلى مصاف الجهات الكبرى الفاعلة، ذات المساهمة التنموية الكبيرة، وذات الإشعاع الدولي الهام، كل ذلك خدمة لقضايا الوطن، وللمشاريع الكبرى المهيكلة التي يقودها بحكمة وتبصر جلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده، والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته”.
فيضانات إسبانيا.. سفيرة المغرب في مدريد: تضامن المغرب يعكس روح التعاون التي تميز العلاقات بين البلدين
أكدت سفيرة المغرب بمدريد، كريمة بنيعيش، أول أمس الجمعة بفالنسيا، أن تضامن المملكة تجاه إسب…