محمد بنساسي*

آن الأوان للتراجع عن قرار جامعة محمد الخامس بالرباط القاضي بفرض رسوم التسجيل على الموظفين والمأجورين الراغبين في متابعة دراستهم الجامعية بالمؤسسات الجامعية ذات الاستقطاب المفتوح التابعة لجامعة محمد الخامس بالرباط بمختلف المسالك والمستويات والتخصصات التي تتيحها هذا المؤسسات.

حيث بالرجوع إلى الفئة التي ترغب في متابعة دراستها الجامعية نجد غالبيتها تنتمي للفئات المسحوقة والهشة، التي لا يتعدى دخلها الشهري 5000 درهم، وترغب في تحسين مدخولها الشهري داخل المؤسسات التي تشتغل فيها من خلال الحصول على شواهد علمية معترف بها تؤهلها للترقي داخل سلم إداراتها بهدف تحسين دخلها الشهري ومجابهة تحديات الحياة المعيشية التي هي في ارتفاع مستمر ومتواصل، فضلاً عن تطوير إمكانياتها العلمية والفكرية التي بدون شك ستنعكس ايجابا على مردوديتهم داخل المؤسسات التي يشتغلون بها.

أما بخصوص الفئة الميسورة التي تتابع دراستها الجامعية بمؤسسات جامعة محمد الخامس بالرباط بمختلف الأسلاك والمستويات فأغلبها تدفع عنها إدارتها تلك الرسوم من خلال اتفاقيات ثنائية أبرمتها جامعة محمد الخامس مع تلك الادارات، كما هو الشأن بالنسبة لأطر وزارة الصحة ووزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار ومأجوري وموظفي جامعة محمد الخامس بالرباط نفسها، التي تتكفل برسوم موظفيها ومأجوريها الراغبين في متابعة دراستهم الجامعية ولاسيما على مستوى سلك الماستر والدكتوراه.

هذا المنطق الذي فضلا عن كونه ينطوي على كثير من التمييز والاقصاء وعدم الانصاف، فإنه يضرب في العمق مبدأي المساواة وتكافؤ الفرص بين المواطنات والمواطنين في ممارسة حقهم في مواصلة تعليمهم الجامعي.

فرض رسوم مالية باهضة على الموظفين والمأجورين الراغبين في متابعة دراستهم الجامعية، بحجة أن تلك الرسوم المالية تذهب كتعويضات لفائدة الأساتذة الذين يشرفون على تقديم المحاضرات والدروس والإشراف على تأطير بحوث نهاية التكوين (بحث الإجازة – رسالة الماستر – أطروحة الدكتوراه) خارج التوقيت العادي أي المخصص للطلبة العاديين تحت ما يسمى بالتوقيت الميسر temps aménagé، على هزالة هذه التعويضات الممنوحة لهم مقارنة بحجم المداخيل التي تستخلصها الجامعة نتيجة الرسوم المفروضة، أمر يطرح ملاحظات كثيرة، فضلا عن كونه يتناقض مع مقتضيات الوثيقة الدستورية ويضرب في العمق مقتضيات القانون الإطار اللذان يعتبران التعليم حق مكتسب ومجاني لكافة المواطنات والمواطنين الراغبين في متابعة دراستهم الجامعية.

هذه الرسوم التي تتراوح قيمتها مابين 4000.00 درهم عن كل سنة تكوين بالنسبة لسلك الإجازة الأساسية، و 7.500.00 درهم عن كل سنة تكوين بالنسبة لسلك الإجازة المهنية و15.000.00 درهم عن كل سنة تكوين بالنسبة لسلك الإجازة المهنية في العلوم الانسانية، ومبلغ 17.000.00 درهم عن كل سنة تكوين بالنسبة لسلك الإجازة المهنية في العلوم والتقنيات، ومبلغ 20.000.00 درهم عن كل سنة تكوين بالنسبة للماستر والماستر المتخصص، ومبلغ 10.000.00 درهم عن كل سنة تكوين بالنسبة لسلك الدكتوراة. على الرغم من المراجعات التي همت بعض من هذه الرسوم إلا أنها تعتبر رسوم باهضة جدا لا يمكن لفئة المأجورين تحملها وبالتالي يتم حرمانهم من متابعة دراستهم الجامعية دون وجه حق.

كما أن اغلب هذه المؤسسات الجامعية التي انخرطت في مسلسل تسليع التعليم العالي لا تحترم التوقيت الميسر ولا تلتزم به، بحيث غالبا ما يتم دمج الفئتين معا من الطلبة في نفس التوقيت إما العادي أو الميسر وبالتالي هذا المبرر لا يجد أساسه على مستوى الواقع العملي.

هذا القرار المجحف في حق شريحة واسعة من من يريدون متابعة دراستهم الجامعية، بهدف تطوير مداركهم العلمية وامكانياتهم المعرفية والحصول على شواهد أكاديمية تتيح لهم إمكانية الترقي في السلم الإداري الذي يؤطر وضعيتهم الإدارية داخل المؤسسات التي يشتغلون فيها كموظفين أو مأجورين وبالتالي تحسين مدخولهم الشهري لتوفير حياة كريمة لأسرهم وذويهم، حرم المئات من المواطنات والمواطنين الذين لا يتوفرون على هذه الرسوم.

هذا القرار لا يجد معارضة من المتضررين من المواطنات والمواطنين الراغبين في متابعة دراستهم الجامعية فحسب، بل حتى بعض الأساتذة الذين ينتمون إلى جامعة محمد الخامس بالرباط ويقدمون دروس لفائدة هذه الفئة في إطار التوقيت الميسر ينتقدون هذا القرار ويعتبرونه مجحف وغير منصف وغير دستوري ولا قانوني، لأن مواصلة التعليم بالمؤسسات العمومية بمختلف اسلاكه ومستوياته وتخصصاته حق دستوري مقرون بالمجانية، ولا يحق لأي أحد كيفما كان شخص طبيعي أو معنوي أن يفرض رسوم باهضة على فئة تريد ممارسة حقها في مواصلة التعلّم.

هذه التجربة الفريدة التي انطلقت مع رئيس جامعة محمد الخامس بالرباط السابق الدكتور سعيد أمزازي والتي لازالت جامعة محمد الخامس إلى يومنا هذا متشبثة بها رغم ما أفرزته من مشاكل واكراهات عديدة على مستوى الواقع العملي، سبق أن تم رفضها بشكل مطلق السنة الفارطة من قبل السادة الأساتذة بمجلس جامعة إبن زهر بأكادير، معتبرين أنها تخالف بشكل صريح مقتضيات النظام الداخلي ودفتر الضوابط البيداغوجية للتكوين المستمر للجامعة، كما عبروا عن استعدادهم تقديم المحاضرات والدروس لفائدة الطلبة فئة المأجورين والموظفين بشكل مجاني إلى جانب الطلبة العاديين، في صورة إيجابية تعكس بحق روح المسؤولية لدى الأستاذ الجامعي ودفاعه المستميث على مبدأ مجانية التعليم الجامعي والنأي عن الانخراط في مسلسل تسليع وخصخصة الجامعة المغربية العمومية والتعليم العمومي بصفة عامة.

رئيس جامعة محمد الخامس بالرباط الحالي وأعضاء مجلس الجامعة مطالبين اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى مراجعة هذا القرار المجحف والقاسي في نفس الآن اخذا بعين الاعتبار سياق الأزمة التي يعيشها المواطن المغربي على جميع المستويات والأصعدة، بحيث جامعة محمد الخامس بالرباط اليوم تعتبر الجامعة الوحيدة والفريدة في المغرب التي تفرض رسوم باهضة على حق دستوري مقرون بالمجانية.

* رئيس الاتحاد العام لطلبة المغرب

التعليقات على بنساسي: آن لجامعة محمد الخامس أن تتراجع عن فرض رسوم التسجيل على الموظفين والمأجورين الراغبين في متابعة دراستهم الجامعية مغلقة

‫شاهد أيضًا‬

الصحراء.. مجلس الأمن يمدد مهمة المينورسو سنة جديدة ويؤكد مجددا على عودة الجزائر إلى طاولة المفاوضات

اعتمد مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة برئاسةسويسرا، بعد تأجيل التصويت الذي كان مقررا أمس ا…