يونس وانعيمي

اعتقلت السلطات العمومية المحلية لمدينة الدار البيضاء عددا من الأشخاص في مقهى ووضعتهم تحت الحراسة النظرية بتهمة الإفطار العلني.
وهي الواقعة التي أثارت نقاشات “ساخنة” في الإعلام الرقمي والفضاء الأزرق وتنافرت مواقفها بين المويدة لقرار الاعتقال وبين مواقف دعاة شجبه والدعوة لالغاء الفصل 222 من القانون الجنائي الذي بموجبه تم توجيه التهمة.

ليست هي المرة الاولى التي نرى فيها افرادا يتم اعتقالهم بسبب اشهار افطارهم العلني في الفضاءات العامة خلال زمن الصيام من شهر رمضان، وهي غالبا ما تكون محاولات يقوم بها اناس في اطار سلوك احتجاجي ايديولوجي وسياسي وفكري على مسألة تجريم الإفطار العلني والتي تتبناها بعض الجمعيات والحركات ذات التوجه العلماني، وغالبا ما يتم تقييد هذه الاحداث المتفرقة كجنح يتم التخفيف من مساطر متابعاتها لتمر الامور في لين وسلاسة من قبل السلطات، باستثناء بعض الاحداث المحزنة والقليلة التي يأخذ فيها بعض المواطنين القصاص العنيف والمباشر ضد المفطرين وغالبا ما تنتهي هذه الاحداث بنهايات مأساوية.

لكن الفريد في هذه النازلة الاخيرة هو اولا العدد الكبير للمفطرين وثانيا مكان افطارهم (مقهى ) وثالثا الدعوات المجتمعية المتكاثرة بشكل اكثر إلحاحية وتنظيما لإلغاء مواد مجموعة القانون الجناءي المجرمة للإفطار العلني وخصوصا مقتضيات الفصل 222.

اولا : فالمادة اعلاه، و بعدما وضحت جنحة الإفطار العلني المشمولة بالغرامة والسجن (حسب تبييء النوازل) فتحت امكانيات الغاء العقوبات بعد تقديم الاعذار الشرعية التي تسمح بالإفطار الإضطراري (شيخوخة، مرض، حمل، سفر…) ولكن النص لم يوضح لا مساطر ولا كيفيات تقديم العذر ولا كيفيات التحقق المادي منه (جوازات أو رخص استثناء او ما شابه) ولم ينص على كل ضمانات حماية المفطر من قصاص الناس ولا تنزيل شديد العقوبات على المعنفين المحتملين في حالة تعرضه للعنف من طرف مواطنين افرادا او جماعات وكثيرا ما تتسم تدخلات السلطات بنوع من تواطوء صامت مع عنف الجماهير مع “جانحي الحريات” … ففي العمق يبقى النص الجناءي مكلفا اكثر بحماية المواطنين كيفما كانت السيارات. النص وبعيدا عن مضامين النقاشات الحقوقية الممكن فتحها بهدوء يحتاج لضبط تشربعي اكثر مما هو عليه في اتجاه احقاق اكبر هوامش الحقوق الفردية.

ثانيا: من الناحية العملية فالإفطار العلني، كما السكر العلني واشهار العقاءد، لا تسقط في محظور القانون والجزاء الجنحي الا على مستوى اشهارها العلني والعمومي. و لا يضع المشرع ممارستها في الفضاءات الخاصة في اطار متابعات نسقية الا طبعا في حالات خاصة (كأن يكون هناك افطار او سكر جماعي ولو في فضاءات خاصة وتحول لموضوع تبليغ لشبهة حصول ضرر يسببه للغير) وهي متابعات تتبع لمساطر ضبطية خاصة و مصادرات وحراسات يكون غالبها معقد. المشرع المغربي لا اراه يسقط هنا في تناقضات مع الشرع والشارع عندما يتغاضى عن حالات الإفطار الخاص او السكر الخاص او حتى الجنس الخاص لانه تشريع “متحور وتأويلي”اراه يحاول المسك بذكاء بين متطلبات الحريات الفردية المتنامية وبين مقتضيات شرعية كابحة لبعض هذه الحريات بل ومنافية لها.. كما لو كان القانون المغربي يخاطبنا بمذهب شرعي ذكي ومتوازن مفاده ان ” من ابتلاه الله فليستتر”.. ويوضح بالموازاة ان الجهر والاشهار بكل سلوكيات فردية منافية للشرع”المقنن” هي ليست سلوكيات تدخل في باب ممارسة الحريات بل في باب التحربض المنظم ضد القانون

ثالثا: المجتمع المغربي يتغير كساءر المجتمعات واكيد ان السلوكات الدينية للناس تتغير اتباعا واكيد ان هناك مفطرين كما ان هناك متناولي الكحوليات وممارسي الجنس حتى في ملامح متطرفة.. واكيد ان السلطات العمومية تفطن بوساءلها لحدوث ذلك لكنها تبقي على مسافة بينها وبين الفضاءات الخاصة لانها سلطة تابعة لدولة اختارت في منظومتها الجناءية ان تكون مرنة مع الحريات الفردية المنافية للشريعة بشرط عدم تأسيسها العمومي. لكنها دولة لا تريد لعقيدتها الجناءية ان تكون علمانية بشكل صريح كما تونس مثلا.. وستبقى الدولة في نظري صارمة مع دعاة علمانية الجانب الجناءي ومرنة جدا مع العلمانيين الافراد الذين يمارسون حرياتهم في فضاءاتهم الخاصة بدون تحويل هذه الحريات لنماذج توءسس عليها مطالب سياسية.. واستبعد تعديلا في مجموعة القانون الجناءي يسير في هذا الاتجاه على الاقل في العقد المقبل.

رابعا: بصراحة واقولها بمسؤولية وبشكل بناء.. في المغرب بخلاف دول عربية اسلامية عديدة لا يحس المواطن برقابة سلطوية موءسساتية صارمة فيما يتعلق بممارسة حريات (غير سياسية) كالسكر او الإفطار او العلاقات الجنسية الرضاءية بين البالغين…لكن نحس ان الدولة تميل بسرعة في اتجاه كفة تقييد وتكبيل هذه الحريات ان احست بان هؤلاء الافراد (المتهورين) سيتسببون في قلاقل اجتماعية ويثيرون احتجاجات جماعية او يطالبون سياسيا باسقاط التوازن التشريعي المغربي الذي يمكن ان اصفه بالعلماني-الاسلامي.

التعليقات على علمانية “مغربية اسلامية”.. قهوة وتراب مغلقة

‫شاهد أيضًا‬

يوسف معماه: ولوج مجموعة “CMP GROUP” إلى البورصة سيساهم في تطورنا ونمو قدراتنا الصناعية