خالد الجامعي
إن الانقلاب الذي عرفته تركيا لم يكن مفاجئا لأنه جاء كرد على الأخطاء والخروقات العديدة والمتكررة التي ارتكبها أردوغان، أكان على النطاق الداخلي أو الخارجي. ومن بين هذه الخروقات:
– المس بالمسار الديمقراطي.
– المس بحقوق الإنسان وحرية الصحافة وحرية التعبير.
– القمع الدموي للمكون الكردي.
– السعي إلى إحياء الخلافة العثمانية.
– المس بالتراث الأتتوركي في مداه العلماني .
– تأزم العلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية ودول أوربا.
– مآزرة ودعم الإرهاب في كل من سوريا والعراق.
– استعمال المهاجرين السوريين لابتزاز أوربا.
إن تراكم هذه الخروقات والأخطاء أزمت الوضع الداخلي وأدت إلى هذا الانفجار، كما أساء إلى الاقتصاد التركي فتقلصت السياحة والتبادل التجاري مع الجيران.
وقبل المضي في هذا التحليل وجب التذكير بأن الجيش التركي الذي يضم نصف مليون عنصر يعتبر الجيش الثاني عددا في “الناتو” وثامن قوة عسكرية في العالم.
كما أنه يشكّل قوة اقتصادية فاعلة مهيمنة في الاقتصاد التركي وذلك من خلال الهولنديك أياك “Oyak Holding”
الجيش قوة اقتصادية
وهكذا فإن الجيش له دور مهم في الميدان البنكي، والأشغال العمومية والتأمين وفي القطاع الزراعي الغدائي، وصناعة السيارات وصناعة الحديد والصلب، والصناعة الحربية، وله كذلك شركات مع عدة شركات أوربية كـ”رونو” و”أكسا” كما أنه يُشغل 30 ألف عامل.
لماذا فشل الانقلاب؟
لم تتضح إلى حد الآن أسباب فشل هذا الانقلاب الذي تميز بنوع من الارتجال وسوء التخطيط والتنفيذ.
انقلاب يطرح جملة من الأسئلة. فمثلا كيف يعقل أن الانقلابيين لم يقوموا بتحييد القيادة السياسية: رئيس الجمهورية، رئيس الحكومة، والنواب المسؤولين عن المخابرات واكتفوا بحجز رئيس الأركان… !
ومن بين الأسباب الأخرى التي أدت إل فشل هذا الانقلاب أن حكومة العدالة والتنمية كانت تخطط لاعتقال أنصار حركة عبد الفتاح غولن في الجيش يوم 16 يوليوز، وعندما علموا بهذا المخطط، قرروا، استباقيا، تنفيذ الانقلاب العسكري سريعا في يوم 15 يوليوز. وهذا ما قد يفسر ظهور هذا الانقلاب بشكل مرتبك وغير منظم. وما يقوي هذا الاحتمال أنه بعد ساعات قليلة من فشل الانقلاب، تم إلقاء القبض على آلاف المشتبه فيهم سواء داخل الجيش أو القضاء أو الأمن وهذا ما كان ليتم لو لم تكن لوائح المشتبه فيهم موجودة ومدققة.
ويظهر أن الموقوفين قد يكونون على صلة مع جماعة فتح الله غولن الذي اتهمه الرئيس التركي بإدارة الانقلاب والوقوف من ورائه.
وللتذكير فإن فتح الله غولن يعده أردوغان عدوه الأول رغم أنه كان حليفه عندما كان يسعى للوصول إلى سدة الحكم.
لقد وقع الطلاق بين الحليفين أواخر سنة 2013 عندما انفجرت فضيحة فساد النظام الأردوغاني واتهام عائلة وأقارب أردوغان بالارتشاء والاغتناء الغير المشروع.
ومن الناحية العقائدية هناك كذلك مفارقات عميقة فغولن ضد تطبيق الشريعة وتدخل الدين في السياسة كما أنه يعد أب الإسلام الاجتماعي الذي هو نقيض الإسلام السياسي والرجعي الذي يدين به أردوغان وحزبه والذي رسا قواعده أبوه الروحي أربكان. ومن مظاهر هذه الرجعية موقف أردوغان من المرأة، حيث يقول: “لامساواة بين الرجل والرأة والدين الإسلامي حدد دور النساء داخل المجتمع في الأمومة، ولا يمكن وضع النساء والرجال على قدم المساواة، لاأن ذلك ضد الطبيعة، فقد خلق الله الرجل والمرأة مختلفين وطبيعتهما مختلفة ودستورهما مختلف”.
وسواء كان غولن وراء الانقلاب أو لا فإن أردوغان يريد استغلال هذه الهدية الإلهية كما يسميها لتصفية حساباته مع عدوه اللدود وجماعته وما يسميه (الكيان الموازي الإرهابي). بالموازاة فإن هذا الانقلاب، نظرا لكونه كان من عمل جناح داخل الجيش، يدفعنا إلى القول إنه كان محاولة انقلاب داخل الجيش انقلاب تَواجه فيه المتمسكون بالإرث الأتاتوركي والمقربين من عبد الفتاح غولن مع الموالين لأردوغان وللشرعية.
ومهما يكن في الأمر فإن الجيش هو الذي أراد الإطاحة بأردوغان والجيش هو الذي أنقده..!
وفي الحصيلة، وعكس ما يقوله البعض، فإن أردوغان خرج من هذا الانقلاب، رغم فشله، مهزوز العرش، مكسور الأجنحة ومدينا للجناح الذي أنقده.
وهكذا أصبح بشكل من الأشكال رهينة هذا الجناح ووجب عليه أن يصغى إلى نصائحه.
ومما سيطلبه هذا الجناح غالبا التخلي عن التطلعات العثمانية والحد من تسلطه، وخروقاته لمكونات الديمقراطية.
كما أن هذا الجناح سيطلب غالبا من أردوغان مراجعة سياسته الخارجية وعلاقات تركيا مع جيرانها: سوريا العراق إيران.
كما أن الجيش لن يقبل أن يهان أفراده ولو كانوا من الذين قاموا بالانقلاب.
كما أنهم يريدون من أردوغان أن يحد من دعمه لداعش والنصرة والإرهابيين بسوريا والعراق.
إن الجيش لن يقبل أن يتحول إلى أداة طيعة في يد أردوغان وهو يريد إحياء الخلافة العثمانية وسيكون كما كتب المحلل السياسي روبيرت فيسك في جريدة “أنديبندنت” خطأ فادحا إذا اعتبر أردوغان أن الانقلاب أمر لحظي يمكن السيطرة عليه وإخماده.
رغم هذا كله لا يمكن استبعاد أن أردوغان بعجرفته المألوفة قد يتمادى في سياسته ويقوم بتصفية دموية لحساباته الداخلية.
أضف إلى هذا أن لا أوربا ولا أمريكا سيقبلان أن تخرق حقوق الإنسان أو أن تداس حرية التعبير وحرية الصحافة كما أنهم لن يقبلوا أن يرجع النظام إلى عقوبة الإعدام.
إن التاريخ يثبت أن “انقلابا فاشلا يعقبه في غالب الأحيان انقلاب ناجح”. فهذا الانقلاب رغم فشله قد يكون بداية العد العكسي لحكم أردوغان وفي نفس الوقت هدية “إلهية” لبشار الأسد.
وكما يقول صديقي الحكيم خريشفة: أش خدمة بّاك؟ جاوبو: نفّار. قال: رمضان تقاضا”.
وكل ما لعبت المعزة في قرون الجبل تخلصو في دار الدباغة.
عاجل.. مجلس النواب يصادق بالأغلبية على مشروع قانون المالية لسنة 2019
صادق مجلس النواب في جلسة عمومية، اليوم الجمعة، بالأغلبية على مشروع قانون المالية لسنة 2019…