هادي معزوز
عندما كنت أستعد لامتحانات الباكلوريا في ذلك الزمن البعيد، كنت أحب تكسير روتين المراجعة بسرقة بعض الوقت للإطلاع بنهم على رواية ما، إذ ما إن أنهيها حتى أهرع لواحدة أخرى وهكذا دواليك، وقد صادف في تلك السنة بالذات اكتشافي لكتابات عبد الرحمن منيف وسحر أدب الصحراء.. كان الوقت يمر بسرعة خاطفة وأنا منغمس بين سطور ما يجود لنا به الرجل من ألق سردي وحوار متقن وشخصيات ترفع الواقع انطلاقا من صراعاتها غير المنتهية. وقد حدث أن أنهينا الامتحانات وحل محلها صداع انتظار النتائج، الأمر الذي جعلت منه مناسبة سانحة للانكباب على ما تبقى لي منه، والمتمثل تحديدا في عمله الشيق “النهايات” وهو للإشارة مؤلف أدبي كبير بامتياز، لكنه ابتُلِع بطريقة مجحفة من طرف أعمال أخرى من قبيل “خماسية مدن الملح” وجزئي “شرق المتوسط” ناهيك عن “سباق المسافات الطويلة والأشجار واغتيال مرزوق..”
لازلت أتذكر أن عمل “النهايات” كسر شيئا ما من بنية السرد لدى منيف، تبدأ الرواية بعقدة أو بالأحرى بمشكل ألا وهو “القحط” لنتأمل هذه العبارة جيدا. “القحط” يدل على النهاية، لكنه أتى في هذا العمل كبداية لسردية محبوكة بطريقة عالية في التفنن، و”القحط” أيضا تثمين لمشوار وجودي لا معنى له، إنه يصيب الإنسان والحيوان دون أن تكون لهما يد في ذلك، فمن يتحمل مسؤوليته إذن؟ و”القحط” في معرض آخر يُبَشِّرُ ليس بنهاية وحيدة وإنما بنهايات تقتل الأرض وتُبيد محصولها المنتظر، تنهي حياة العديد من الحيوانات خاصة المنتجة منها كالبقر والجاموس.. بل وتنهي أيضا عديد العلاقات المؤجلة بين الإنسان والإنسان.
عندما نعود إلى الرواية وبطلها عساف، نكتشف فيه الرجل الغامض الذي كان يبدو أبلها أو معتوها بالنسبة لسكان الطيبة، لكنه كان أحدقهم وأشطرهم بخصوص معرفته الكبيرة للصحراء وطرقها الوهمية ومسالكها وكنوزها، لدرجة أن كل شيء يقوله حولها من إمكانية الصيد أو السفر أو التنبؤ بالعواصف الرملية يحدث بتفاصيل التفاصيل.. على العموم وباختصار شديد ينتهي عساف البطل قبل أن تنتهي النهايات، وبما أني قرأتها بعقلية الفتى المراهق فقد انتهيت منها قبل أن أنهيها. أغلقتها بغضب ثم أعدتها إلى رفوف المكتبة وأنا حاقد بشكل لا يوصف على سادية عبد الرحمن منيف، لأنه قتل البطل الذي كنت أتوسم فيه معجزة ما..
وبعد مرور زمن طويل وخروجي من منطق القراءة التي ترى الأمور إما بعين العاطفة أو الأخلاق، استعدت زمن “النهايات” الضائع، ومعه تعرفت مرة أخرى على بنيات هذه القصة المطولة، لم تعد قرية الطيبة بالنسبة لي مكانا قصيا مترامية أطرافه في أرض لا تمثل لي أي شيء لا من قريب ولا من بعيد. بدت أمامي قفرا ممتدا من المحيط إلى الخليج. بل إن أهلها الساذجون والمندهشون من الاختراعات الجديدة ومن عادات أولئك الغرباء المقيمين كرها والعمل على خدمتهم بكل ما أوتوا من قوة، بتُّ أراهم أمام عيني.. الصيادون الذي أتوها لازالوا يستغلونها لحد الساعة بساديتهم المعهودة برا وبحرا وجوا.. أما عساف البطل المنتهي قبل نهاية “النهايات”، فقد كان يجب أن يحصل له ما حصل بقوة الشروط التي تلعب بأقدارنا. وحده الذي مات في الرواية كما في الواقع، فانتهى دون أن تنتهي النهايات التي تحفنا من كل حذب وصوب.. فأنى لنا من بداية لهذه النهايات..
المنتخب المغربي للفوتسال ينهزم وديا أمام نظيره الفرنسي (1-3)
انهزم المنتخب المغربي لكرة القدم داخل القاعة أمام نظيره الفرنسي (1-3)، في المباراة الودية …