خالد الجامعي
في الـ28 من ماي المنصرم، تساءل السيد بنكيران أمام منتَخَبي حزبه قائلا: “ماذا تريدون، الجنة أم الحكومة؟ ونسأل أنفسنا ما هي الأولوية بين الاثنين”.
هي أسئلة قد تبدو، مبدئيا، مشروعة بالنسبة لشخص ذي مرجعية إسلامية. ومع ذلك، فهناك نقطة حساسة في الموضوع، حيث يمكننا أن نستخلص من هذا التساؤل بأن الأشخاص الذين وجه إليه بنكيران هذا الخطاب، هم وحدهم الذين يملكون القرار الفصل في الاختيار بين الجنة أوالحكومة. وهذا قد يُفهم منه بأن لا وجود لوم الحشر والحساب.
وجبت الإشارة هنا، بأن الناخبين الذين صوتوا لصالح منتخبي العدالة والتنمية هم كذلك مقصيون من اختيار منتخبيهم هذا: الجنة أو الحكومة.
أولم يكن من الأليق أن يترك الله خارج متاهات وترهات السياسة؟ فبدل تخيير المنتخبين بين الجنة والحكومة، كان حريّا ببنكيران أن يسألهم ما الذي يختارونه، بين إرضاء المواطن والسعي وراء مناصب السلطة والمنافع المادية والدنيوية؟
في التصريح نفسه، أكد زعيم حزب المصباح:” إذا اختار لكم الله الحكومة، فستظفرون بها، وإذا اختار لكم سبحانه رئاسة جماعة فكذلك سيكون”.
وهذا الأمر يطرح بدوره إشكالية أخرى؛ فإذا كان الله وحده من يقرر في مصير الانتخابات ونتائجها، فما الجدوى إذن من التصويت ومن العملية السياسية برمتها؟ فما علينا إلا أن نجلس ونشبك أصابعنا بانتظار الحكم الإلهي. وفي نفس السياق، وحتى نكون “مسلمين أبرار”، ينبغي أن نُسَلّم بالقضاء والقدر ونرضى بقسمة الله كيفما كانت (في الانتخابات).
وعاش المكتوب!! عاش عاش!!
يُحكى أن أعرابيا استفتى الرسول في أمر ما، وقبل أن يجيبه النبي سأله أين ترك ناقته، فرد الأعرابي بأنه تركها بين يدي الله، فأجابه الرسول: “إذن اعقلها وتوكل” (أي اربطها أولا ثم أوكل أمرها إلى الله).
أولم يرِد في القرآن في الآية 105 من سورة التوبة:” وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَىٰ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ”.
وأخيرا وليس آخرا، لننظر كيف خيّر الله آدم وحواء، فاختار الأخيران أن يقربا شجرة المعرفة.
كثيرة هي الأمثلة في الإسلام التي تؤكد على أن الإنسان مسؤول عن أفعاله واختياراته.
لماذا إذن هذا الإقحام المتواصل للذات الإلهية في القرارات السياسية والاختيارات البشرية النسبية والمعرضة للخطأ؟ ألا يعتبر هذا بالفعل استعمالا مغرضا للدين وازدراءً فاضحا للديمقراطية؟
لقد أصبح واضحا للعيان بأن السيد بنكيران لا يتوقف عن استغلال اسم الله في كل ما يعنيه ويتعلق به من أمور، إلى درجة تجعل البعض ينظر إلى حزب العدالة والتنمية بمثابة “الفرقة الناجية من النار” التي ينصرها الله على باقي الفرق (الأحزاب) ويستجيب لدعواتها دون سواها؛ فالله، في خطاب السيد بنكيران، يحمي المغرب، الذي يرأس بنكيران حكومته، والله هو من أنجح حزب “حزب الله المختار” (العدالة والتنمية) على منافسيه من الأحزاب، والله هو مصدر “الحكامة الرشيدة” التي تتمتع بها البلاد، ولله الفضل في تألق الملك محمد السادس، وفي انخفاض أسعار البترول !!! (من المفيد جدا الاطلاع على الدراسة المتميزة التي أنجزها الباحث المصطفى بوكرن عن الإحالة على الله في خطاب الأمين العام لحزب العدالة والتنمية). من خلال هذا، بقي لنا أن نعرف كيف أن زعيمنا الإسلامي يعلم ما يريده الله! فهل هذا وحي يوحى؟
هذا الذكاء البلاغي (Intelligence rhétorique) “الماكر” الذي يحسن السيد بنكيران توظيفه لإقناع فئات عريضة بأن الله يؤيده هو والملك، في الوقت الذي لا يتوقف عن التلميح أو التصريح بأن محيط الملك يعرقل عمله، هو الذكاء البلاغي نفسه الذي يوظفه بنكيران لمهاجمة حركة عريضة يعلم الجميع بأنه كان لها الدور الكبير في إيصاله إلى الحكم: حركة 20 فبراير.
ففي خطاب ألقاه مؤخرا أمام طلبة المعهد العالي للصحافة والإعلام، صدح رئيس الحكومة بأعلى صوت: “لقد عارضت وبشدة مبدأ الملكية البرلمانية الذي كانت تطالب به حركة 20 فبراير، لأنه في حال تبنيناها كنظام لن نعود بحاجة إلى الملك، ولن يسمع أحد كلامه بعدها. في حين أننا في المغرب بحاجة ماسة إلى ملك يتمتع بكافة الصلاحيات التي تخولها له صفته كملك. نحن شعب له خصوصياته. هذه قناعتي ولن أغيرها”.
من الواضح بأن السيد بنكيران يجهل تماما ما تعنيه الملكية البرلمانية. حيث أنه، وخلافا لما صرح به الرجل، فإن الملك في ظل ملكية برلمانية يبقى هو ممثل الدولة والضامن لاستمرارية المؤسسات. علاوة على ذلك، يتمتع الملك بوظيفة تمثيلية رمزية ويلعب دور الحكم.
وهذا يدل على أن نظام الملكية البرلمانية من أنجع صيغ الحكم فهي تضمن دوام السلالة الحاكمة ووحدة الأمة واستمرارية المؤسسات.
طبعا، لم يفوِّت السيد بنكيران الفرصة ليؤكد على اعتراضه على مطلب الملكية البرلمانية التي نادت بها حركة 20 فبراير، والتي وقف ضدها الرجل منذ أول يوم من انطلاق احتجاجاتها. أولم يُجَرِّم ويُحرٍّم زعيم حزب المصباح على أعضاء حزبه والمتعاطفين معه دعم هذه الانتفاضة؟ على الرغم من أنه لولا هذه الحركة، التي غذاها حماس الآلاف من الشابات والشباب وطموحهم للتغيير، لما كان السيد بنكيران ليحلم بالوصول إلى السلطة. حراك شبابي أجبر دوائر القرار على الدخول في مسلسل إصلاح دستوري كان السيد بنكيران، ويا للعجب، من أشد المعترضين عليه. حراك شبابي، سار في العديد من مسيراته السيد مصطفى الرميد، وعلى صدره بطاقة معلقة بخيط إلى عنقه، كُتِب عليها بخط عريض شعار: “لا ديمقراطية فعلية بدون ملكية برلمانية”. شباب، وصفهم حينها رئيس الحكومة الحالي بـأنهم “شرذمة من الطبالة والغياطة”. والحق أنه لولا “شرذمة الطبالة والغياطة” هؤلاء لما وجد الرجل نفسه اليوم على رأس الحكومة. يا للجحود !!
أما فيما يخص السيد الرميد، يجب أن نعترف له بأنه على صواب تام، وحيث أن المملكة لم تتبن بعد نظام الملكية البرلمانية، فبوسعنا التأكيد على أن البلاد لا تتمتع بديمقراطية فعلية !! هكذا تكلم السيد الرميد!!
هكذا إذن يكشر السيد بنكيران عن أنيابه كمدافع شرس عن ملكية تنفيذية قوية استبدادية وشمولية.
لعله يحلم بأن يغدو، أكثر من رئيس حكومة، أي أن يتحول إلى “صدر أعظم” في رحاب التقاليد المخزنية المحضة، خادما وفيا ومنفذا أعمى لكل التعليمات الملكية؛
ويبقى السؤال مطروحا حول ما يقصده الأمين العام لحزب المصباح بـ”الخصوصيات المغربية”.
“خصوصيات مغربية” لا يبوح بتفاصيل ومحددات معانيها.
“خصوصيات مغربية” كمفهوم شبيه بالفندق الإسباني ()؛ الذي يمكن أن نحشر فيه كل ما نريد.
بعدما قرأت هذا النص على صديقي الحكيم خريشفة، همس هذا الأخير في أذني بما ورد في سورة الأنعام: ” وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا”.
عاجل.. مجلس النواب يصادق بالأغلبية على مشروع قانون المالية لسنة 2019
صادق مجلس النواب في جلسة عمومية، اليوم الجمعة، بالأغلبية على مشروع قانون المالية لسنة 2019…