المصطفى المعتصم
تحل بنا ذكرى 16 ماي الأليمة وهي مناسبة للتضامن والمواساة مع ضحايا الاعتداءات الشنيعة التي طالت أبرياء عزل لا ذنب لهم سوى تواجدهم في الأماكن التي استهدفتها الاعتداءات الإجرامية، وهي ذكرى للعبرة تستفزنا بسؤالالنجاعة في هزم التطرف والإرهاب والعنف بمختلف تلاوينهم وعناوينهم: فهل المغرب اليوم هزم الإرهاب وتراجع فيه منسوب التطرف والعنف اللفضي والجسدي؟ وهل فرقاء المشهد السياسي بمختلف تلاوينهم ومرجعياته أكثر حضارية في تدبير الاختلاف بما يغني التنوع والتعدد؟
الجواب الآني والسريع: لا!
نعم، المغرب أكثر يقظة وحذرا وتوثبا وحرصا على أمنه وسلامته وهنا يجب الاعتراف بالمجهودات الأمنية المعتبرة التي بذلت وتبذل في المغرب لمواجهة الإرهاب، ولكن في غياب المقاربة الشاملة: الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والدينية، ما زال مجتمعنا يفرخ الخلايا الإرهابية حيث لا تكاد تمضي فترة قصيرة حتى يطلع علينا بيان لوزارة الداخلية أو للمكتب المركزي للأبحاث القضائيةBCIJ بخبر تفكيك خلية إرهابي، ولا تزال بلادنا تحتل الصفوف الأولى في ترتيب الدول الأكثر تصديرا للمقاتلين إلى صفوف داعش والنصرة. وحتى حينما لا تكون هناك أخبار عن الإرهابيين نسمع أخبارا عن تفكيك عصابة إجرامية عبر قارية أو إلقاء القبض على مجرمين خطيرين جدا.
التطرف والعنف لم يبقى دينيا أو مرتبطا بالجريمة المنظمة فحسب بل أخذ تجليات أخرى وأبعادا جديدة قد نختلف في تقييم خطورتها على الوضع آنيا وعلى المستقبل وتتمثل في الصراعات القاتلة داخل الحرم الجامعي و الهوليغانيزم والبلطجة في عالم الكرة كما تتمثل في في إقبال مجموعة متزايدة من المواطنين على الانتحار أو حرق أنفسهم أو الاعتداء على أقاربهم وأصولهم: أي إن هناك أعداد متزايدة من المغاربة حينما لا يمارسون العنف ويقتلون بعضهم أو غيرهم، يعنفون ويقتلون أنفسهم. من دون أن ننسى طبعا عنفا دون عنف تزداد قوته أو تقل، حسب الظروف والمناسبات، بين فرقاء المشهد السياسي الذين يبدعون اليوم في أشكال اللجاج والخصومة والتنابز بالألقاب مما يزيد الطين بلة ويقلل من أهمية السياسة والسياسيين ويسيء لصورتهم لدى المغاربة ويهرب الجماهير منهم.
فلماذا نسجل هذه القابلية نحو التطرف والعنف لدى المغاربة وخصوصا لدى الفئات الأكثر هشاشة؟
سيقول المحللون، وفي قولهم الكثير من السداد، إن انسداد الأفق وغياب الحلم وتبدد الأمل في غد أحسن وحالة التيه وفقدان البوصلة حينما ينضاف إليها عدم المساواة في تكافؤ الفرص وظهور الطبقية المقيتة والفوارق الاجتماعية الكبيرة مع الكثير من بؤس في الوعي أو قلته والجهل والأمية وعجز الأحزاب وضعف المجتمع المدني إلخ ، كلها عناصر صالحة لوضع البلاد تحت برميل بارود لا يدري أحد متى وكيف سينفجر من تحتها ويأخذ المشهد العام معه في اتجاه كارثي مأساوي.
لا بد من التنويه أن الإرهاب والعنف ليس وليد اللحظة أو هو خاص بفئة من المسلمين، بل هو قديم قدم تاريخ البشرية وتفشى في جل الشعوب والأمم ولدى أتباع كل الديانات والمرجعيات ويعتبر القرن العشرين قرن انتشر فيه الإرهاب والعنف عبر القاري أو الأممي بمختلف العناوين وخصوصا اليساري بشكل غير مسبوق. ولم يكن يوما من السهل القضاء على مثل هذه الظاهرة عالمية ولكن يمكن أن نسجل أن هناك دولا نجحت في محاربة هذه الظواهر المشينة، في حين تعثرت مجهودات دول أخرى في هذا الصدد: نجحت بريطانيا في التصدي لـ”إيرا” وإسبانيا لـ”إيتا” وفرنسا “للعمل المباشر” وألمانيا “لبادر ماين هوف” وإيطاليا “للألوية الحمراء” الخ، وفشلت دول كثيرة في جنوب الكرة الأرضية في هذا الأمر؟
السر في نجاح بعض الدول في محاربة هاته الآفات يكمن في قدرة حكومات هذه البلدان على إدارة بلدانها إدارة جيدة ما مكنها من هزم العنف عندما ظهر، في حين عجزت في ذلك دول تحكمها حكومات ضعيفة وفاسدة وعديمة الجدوى مما رجحها لأن تتحول إلى بؤر توتر وعنف أو عنف محتمل وصراعات داخلية مميتة تزداد شراستها مع التدخلات الدولية.
أي في المحصلة المسألة مرتبطة بالأساس بالأداء الفعال للحكومات في مقاربتها الشاملة لكل المواضيع التي تتفاعل داخل المجتمع. ولا أتصور أداءً فعالا من دون أن تكون الحكومات تحظى بالشرعية وقبول أغلبية المواطنين، أي إن السؤال المطروح بإلحاحية في النهاية هو سؤال الديمقراطية الحقيقة. وحيث يتعثر البناء الديمقراطي ويتأخر إنجاز الانتقال إلى الديمقراطية وتغيب المصداقية عن العمل السياسي والثقة في السياسيين والمؤسسات من برلمان وحكومات تظهر العلل والأسقام ويفرز كل ما من شأنه تغذية التطرف والإرهاب والفوضى.
عاجل.. مجلس النواب يصادق بالأغلبية على مشروع قانون المالية لسنة 2019
صادق مجلس النواب في جلسة عمومية، اليوم الجمعة، بالأغلبية على مشروع قانون المالية لسنة 2019…