كثيرة هي الأحداث التاريخية الملهمة للمبدعين، والتي تدفعهم إلى إنتاج أعمال فنية عملاقة تحكي تفاصيلها وتعيد تركيب مشاهدها نقلاً عن أشخاص عايشوا محطاتها الدقيقة، لكن عبر سرد الوقائع وإعطائها لبوساً إبداعياً وفنياً يسهل من خلالها ربط الماضي بالحاضر، وفي العديد من المرات ما تتدخل الحسابات السياسية عندما تختلف الروايات والزوايا التي تعالج بها هذه الأعمال والإنتاجات الفنية، الأحداث التاريخية.
ومن بين الأعمال الفنية التي خلقت ضجة مؤخراً مسلسل يروي تفاصيل كارثة “تشيرنوبيل” سنة 1986، والتي شكلت أول موقف يضع العالم في مواجهة مخاطر الإشعاعات الناتجة عن انفجار المفاعلات النووية، عندما انفجر أحد المفاعلات النووية الأربع الواقعة في “تشيرنوبيل” الأوكرانية التابعة أنذاك للاتحاد السوفياتي، الدولة الاشتراكية، مخلفاً كارثة إنسانية، قتل على إثرها عشرات الآلاف من المواطنين، حسب منظمات حقوقية، والأمم المتحدة، وخلفت إصابة الملايين من السكان، حتى من الدول المجاورة، مثل بلا روسيا، بأمراض السرطان بسبب انتقال الإشعاعات عن طريق الهواء.
هذا المسلسل لكاتبه كريج مازن وأخرجه يوهان رينك وتم بشراكة شركتين للإنتاج، أمريكية وبريطانية، يروي أدق التفاصيل قبل وبعد الكارثة في خمس حلقات، نقلاً عن شهادات لأناس عايشوا هذه التجربة، لكن الطرف الروسي الوريث التاريخي للاتحاد السوفياتي يرى أن به “تغليطاً” للرأي العام الدولي حول أحداث تاريخية، وأن الغرب يحاول أن يظهر الروس على أنهم لم يجيدوا التعامل وارتكبوا أخطاء جسيمة، ولذلك وحسب تقارير إعلامية روسية، ودولية، فإن الروس يستعدون للرد عبر إنتاج سينمائي هذه المرة، يقولون أنه ضخم لـ”دحض الرواية الغربية”.
ويرى صناع هذا المسلسل حسب مانشر حوله أنه يستعيد المحطات المأساوية لكارثة تشرنوبيل النووية في 1986 والتي “فاقمت خطورتها إنكار حقائق علمية عن فداحة الكارثة والدعاية السياسية الممارسة في القضية”، من طرف الاتحاد السوفياتي، في موضوع يثير اهتماما مستمرا حتى اليوم.
والأكيد أن “حرب كتابة التاريخ” لا تنتهي فلكل من الطرفين روايته وأسبابه وحقائقه، مادام أنهما كانا إلى وقت قريب يتصارعان في “حرب باردة”، قسمت الفكر والسياسة والإقتصاد والجغرافية والدول وحتى الفن إلى معسكرين، “شرقي” إشتراكي و”غربي” رأس مالي، ولم تنتهي القسمة إلا مع انهيار ممثل الاشتراكيين الإتحاد السوفياتي أواخر الثمانينات، وانهيار حائط برلين الذي كان يشكل حدوداً رمزيةً بين المعسكرين.
ومن جهة أخرى لقي المسلسل متابعة كبيرة عبر العالم بل أعاد مدينة “تشيرنوبيل”، التي أضحت بعد الحادث مدينةً لـ”الأشباح”خالية من السكان مجرد بنايات غير قابلة للحياة، إلى الواجهة مجدداً، وانتعش نوع مختلف من السياحة، حيث أصبحت تستقطب زواراً يتحدون مخاطر الإشعاعات لزيارة مبانيها وحدائقها واسترجاع مشاهد الكارثة، من بينهم مصورون وكتاب وفنانون كما هو الحال للمصور دافيد مكميلان، الأسكتلندي الأصل الذي درس الفيزياء في الولايات المتحدة الأمريكية، والذي أبدع في صور توثق الحالة التي لا تزال عليها المدينة إلى غاية أبريل الماضي والذي يتزامن مع الذكرى الثلاثين للكارثة.
عن وكالات
انتهاء “أزمة” إضراب المحامين.. فرضوا على وهبي “التنازل” في مجموعة من النقط وهذه أهم الاتفاقات
أعلن مكتب جمعية هيئات المحامين بالمغرب رسمياً، أمس الاثنين، إنهاء مقاطعة الجلسات في مختلف …