قال توفيق بوعشرين مؤسس ومدير نشر جريدة “أخبار اليوم” السابق في كلمة بمناسبة تكريمه من طرف هيئة الدفاع عن المعتقلين السياسيين بمقر الجمعية المغربية لحقوق الإنسان بالرباط أنه:
لا يولد الإنسان انساناً
بل يصير إنسانا بسيرته فوق هذه الأرض..
يصير إنسانا عندما يختبر كل يوم في انسانيته..
يصير إنسانا حينما يشعر بألم الآخرين..
يصير إنسانا عندما يبدي التعاطف مع من يستحقه دون أن يطلبه، ودون ان ينتظر شكرا ولا مقابلا ولا حتى اعترافا.
يصير إنسانا عندما يخاطر بأمنه براحته بماله بوقته من أجل قضية عادلة، أو موقف نبيل، أو كلمة حق في الأوقات الصعبة، واللحظات الحرجة، حيث يوثر الآخرون الصمت أو الابتعاد عن الخطر أو النجاة بالجلد عندما توقد النيران، ويحمل الحطب إلى الموقد من أجل تدمير كائنات هشة ومواطنين عزل، كل جريرتهم أنهم اختاروا السير ضد التيار، وتشبثوا بحقهم البسيط في القول أو العمل أو الكتابة أو الاحتجاج أو إشعال شمعة في الظلام.
ما فعلته الجمعيات الحقوقية والهيئات المدنية و الأصوات الحرة، وفريق الدفاع عن الصحافيين والناشطين والمدونين، هو في الواقع بيان حقيقة على إنسانية كل واحدة وواحد من هولاء، تضامن ونضال كل هولاء كان وما يزال نقطة نظام في وسط فوضى عارمة، وامام آلة ضخمة كانت تجرف كل من يعترض طريقها بلا رحمة ولا خطوط حمراء ولا اعتبار لشيء …
ليس السجن على قسوته أسوء ما تعرضنا له لسنوات طالت نحن المحتفى بحريتهم اليوم، بل التشهير اليومي بنا وبعائلاتنا وبأطفالنا وبأسمائنا وباعتبارنا في إعلام وصحافة ومواقع وإذاعات وتلفازات رسمية لا تشبه في شيء الإعلام والصحافة التي عرفتها المجتمعات المتحضرة ، لم تبق هذه الآلات التي تحفر عميقا تحت الجلد لحقوق المتهم ذرة من قرينة البراءة، ولم تترك لعائلتنا متنفسا لتستوعب هول ما حدث، كل شيء كان جائزا وكل الضربات كان مسموحا بها، في انتظار ليلة شحذ السكاكين في الغرفة الشهيرة غرفة الجنايات رقم ثمانية بمحكمة الاستئناف بالبيضاء…
حتى القضاة على قسوة أحكامهم كانوا أحيانا أرحم من آلات التشهير، ومعاول الهدم، وأوراش سلخ اللحم البشري حيا، تلى القضاة أحكامهم على هولها وانسحبوا بسرعة البرق..
لكن ها نحن هنا بفضل تضامنكم، وبفضل مبادرة ملكية نبيلة، وبمساهمة أشخاص وإرادات طيبة في مواقع مختلفة هنا وهناك. وها نحن هنا لنقول لكم ولهم شكرا أن وضعتم نهاية لكابوسنا ، وضعتم نهاية للرحلات المكوكية لعائلاتنا إلى قاعات زيارة السجناء، سمحتم لنا أن نرى أطفالنا يكبرون أمامنا، لا أن نراهم يذبلون في قاعات زيارة المساجين لدقائق كل أسبوع او أسبوعين.
مع كل هذا لقد رأيتم ابتساماتنا عند لحظة الخروج من قبر الحياة ،هذه الابتسامة ليست فقط لحظات للتعبير عن فرحة معانقة الحرية، إنها تعبير أيضا عن خلو قلوبنا من الحقد أو الانتقام و الانكسار .
على هذه الأرض المسماة مغربا متسع للجميع، إذا ضمنت الدولة لكل مواطن إمكانية العيش تحت سقف الحرية وفي كنف القانون.. اه من هذا قانون، هذا الكائن الهش والمهم في نفس الوقت، لقد افتقدناه في هذه المحنة أشد الفقد، وأملي أن يرجع وافدا جديدا محتفى به بيننا بعد أن طرد مرارا وتكرار في السنوات الأخيرة، أملي أن تتسع المبادرات الحقوقية إلى أن تصير عنوان مرحلة، وبداية جديدة لانفراجة حقيقية في السياسة كما الصحافة كما النضال الحقوقي والاجتماعي ….
يصير الإنسان انساناً ولا يولد انساناً..
التعليقات على توفيق بوعشرين: ليس السجن على قسوته أسوء ما تعرضنا له لسنوات.. بل التشهير اليومي بنا مغلقة