لم تنجح الدعوات النقابية للحدود اللحظة، في خفض وتيرة الاحتقان المتواصل في القطاع التعليمي لأكثر من شهرين رغم توصلها لاتفاق وصف بـ”التارخي” مع الحكومة أقر بزياردة عامة في أجور الأساتذة بقدر 1500 درهم.
وفي فصل جديد من احتجاجات الأساتذة المستمرة منذ الخامس من أكتوبر الماضي، رضخت الحكومة أخيرا لمطلب الجلوس وجها لوجه مع ممثلي التنسيقيات التعليمية “المتحكمة الرئيسية” في الحركة الاحتجاجية وفق “مرصد العمل الحكومي”، وذلك بعد خفوت وظيفة المركزيات النقابية في “الترافع” عن حقوق الشغيلية التعليمية.
وأمام هذا الوضع تطفو على السطح تسؤالات حول مصير النقابات أمام تشكل تنسيقيات ذات تأثير فعلي في الشغيلة؟.
اتهامات للنقابات بأنها “ضد” مصالح الشغيلة
مرصد العمل الحكومي، في ورقة رصدية له، اعتبر أن “بروز أزمة إضراب التعليم جاءت كمظهر للتدبير الارتجالي لإخراج النظام الأساسي لموظفي هذا القطاع، بالإضافة الى التدبير المرتبك للأزمة ودفعها نحو التصاعد ومزيد من التوتر، فالحكومة وبعد أن اعتمدت مقاربة تشاركية في أغلب مراحل التفاوض على هذا النظام، فضلت عزل النقابات عند لحظة إخراج هذا النظام إلى حيز الوجود، وجعلتها أمام صيغة غير متوافق عليها، تتضمن عدد من البنود الصادمة لرجال ونساء التعليم، وخالية من أي تحفيز مادي حقيقي كما كانت تبشر به، وهو ما خلق حالة رفض عارم لهذه الصيغة وللمرسوم المؤطر لها لدى جل فئات موظفي التعليم”.
وأشارت الورقة الرصدية، أن الأمر “جعل النقابات في موقف اتهام وشبهة التعاون مع الحكومة ضد مصالح الشغيلة”.
وفي سياق ذي صلة، أكد المرصد في ورقته، أن “هذا الوضع المأزوم للشركاء الاجتماعيين، دفع إلى تبلور شكل جديد من أشكال تأطير الحركة العمالية من خلال تنسيقيات متعددة، تعمل خارج النقابات، وتدفع بأشكال احتجاجية أكثر زخما وأكثر قدرة، وهو ما أوجد مشكل تمثيلية خاصة في ظل رفض الحكومة الحوار على استقطاب الفئات العمالية المباشر مع هذه التنسيقيات، بمبرر غياب الشرعية القانونية عنها”.
تآكل مصداقيتها
فلطالما لعبت النقابات العمالية ونقابات المهن الحرة، دوراً محورياً في الدفاع عن حقوق العمال والحقوق الاقتصادية والاجتماعية للمجتمع وحتى السياسية منها، من خلال توسيع مجال مساحات المشاركة السياسية وضمان الحريات العامة.
إلى أن مصداقية النقابات “تآكلت” حسب مراقبين، و”لم تعد تعبر سوى عن الأقلية من الشغيلة، وذلك كما أظهرت الحركة الاحتجاجية الأخيرة في قطاع التعليم”، بسبب “التشتت الناجم عن تضارب المصالح وتراكم الخلافات التاريخية واختلاف المرجعيات الإيديولوجية، وهيمنة البيروقراطية وتجزيء المطالب واحتكار القيادات من قبل عقليات تقليدية، وعدم القدرة على المواجهة الصلبة، والدفاع عن مصالح العمال وصون المكتسبات وانتزاع الحقوق”.
وهو ما تولد عنه ظاهرة التنسيقيات، التي خلافا للحركة النقابية تركز في احتجاجاتها على مطلب واحد وواضح، كما هو الشأن بالنسبة رجال ونساء التعليم حاليا، التي تعتمد في التعبئة وحشد الدعم على وسائل التواصل الحديثة، عبر الأنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي، فضلا عن توفرها على هيكل تنظيمي محكم، ومكاتب وطنية مكونة من منسقين جهويين، تنتخبهم القواعد بشفافية وفي أجواء من الديمقراطية. يضيف المختصون.
هل فقد الناس الثقة في النقابات على غرار الأحزاب؟
فيما يرى أخرون أن ما تعيشه الأحزاب المغربية اليوم، انتقل أيضا إلى النقابات، وقد كشفت مشاكل قطاع التعليم الراهنة عن جانب من هذا الوضع .
مؤكدين أن، الأعطاب التي تعانيها النقابات هي نفسها الأعطاب التي تعانيها الأحزاب السياسية، حيث إن عددا من النقابات هي امتداد لأحزاب سياسية، وهو ما نقل العدوى من الأحزاب إلى النقابات، خصوصا في الجانب التأطيري، وأعطاب أخرى مرتبطة بغياب الثقة بين النقابات والمشغلين من جهة، وأيضا بين هذه النقابات والأجراء من جهة ثانية.