أكد مصطفى عنترة، أن دستور 2011 جاء بتحولات جوهرية على مستوى الحقوق الثقافية واللغوية، تمثلت في دسترة الأمازيغية كلغة رسمية إلى جانب اللغة العربية، والإقرار بتعددية الهوية الوطنية والانتماء إلى الفضاء المغاربي.
ووصف الباحث الجامعي عنترة، في مداخلة له في فعاليات الدورة 17 للجامعة الصيفية بأكادير حول موضوع “دسترة اللغة الامازيغية والأجرأة القانونية والمؤسساتية للطابع الرسمي” هذه التحولات بـ”الهامة”، معتبرا أنها تعكس علاقة تطور الوعي في البنية السياسية للدولة، وتفتح أفقا جديدا للأمازيغية قصد الإدماج أكثر في مؤسسات الدولة والمجتمع.
وتطرق إلى مسار الاعتراف الدستوري بالأمازيغية، كنتيجة لمسلسل طويل من النضال المدني والمرافعة الحقوقية لمختلف الفاعلين داخل الحركة الأمازيغية، مبرزا في هذا الإطار مختلف المحطات التاريخية التي عرفها العمل الامازيغي من أجل تحقيق مطلب دسترة اللغة الأمازيغية كمدخل أساسي للنهوض ورد الاعتبار لهذا المكون الثقافي المشترك.
واعتبر المتحدث أن الحراك الشعبي الذي عاشه المغرب، شكل فرصة سانحة للحركة الأمازيغية قصد طرح مطالبها، خصوصا وأن غالبية الأحزاب السياسية لم توليها الأولوية المطلوبة في برامجها ومشاريعها السياسية، كما أن الدولة وضعت المطالب الأمازيغية ولاسيما مطلب دسترة اللغة الأمازيغية في قاعة الانتظار، رغم طبيعة التحول في تعاطيها مع المسألة الأمازيغية.
وشدد أن الاعتراف السياسي بالأمازيغية لغة وثقافة وهوية وحضارة في الخطاب الملكي التاريخي بأجدير، شكل عنواناً لمغرب جديد متعدّد ومتصالح مع ذاته وهويته وحضارته وتاريخه العميق، لكنه ظل غير مكتمل لغياب ضمانات قانونية ودستورية، مما يجد تفسيره في تعثر مسلسل إدماج الأمازيغية في التعليم والإعلام، واصفا الإصلاحات النوعية التي عرفتها البلاد في العشرية الأولى بكونها تمثل “ربيع أمازيغيا” هادئا من دون عنف أو إراقة دماء أثارت إعجاب قوى كبرى وأشادت بها منظمات حقوقية فاعلة، وثمنتها تقارير منظمات دولية معروفة، مقارنة بـ “الربيع الأمازيغي” بالجارة الشرقية الذي اتسم بالعنف والقمع والتسلط اتجاه مناضلي الحركة الأمازيغية من قبل النظام العسكري الحاكم بالجزائر.
ونفى عنترة أن يكون الحراك الشعبي وتفاعلاته بالمغرب العامل الأساسي وراء دسترة اللغة الأمازيغية، مؤكدا أن التطورات التي عرفتها المسألة الأمازيغية بعد الخطاب الملكي التاريخي بأجدير سنة 2001، فتحت أفقا إيجابيا كان سيتوج بالاعتراف الدستوري باللغة الأمازيغية، معتبرا أن ما تحقق جاء نتيجة تلاقي رؤية استراتيجية للملك محمد السادس مع نضالات الحركة الأمازيغية ووعي قطاع واسع من الطبقة السياسية بعدالة وشرعية المطالب الأمازيغية، وكذلك تأثيرات “ربيع الشعوب” الذي ساهم في تسريع تحقيق هذا المطلب.
واعتبر الباحث عنترة أن المسألة الأمازيغية استأثرت، في سياق التحوّلات المشار إليها، باهتمام كبير، لما عرفته من أسلوب جديد في تعاطي الدولة مع هذا الموضوع الذي تعرّض عبر التاريخ لإنكار ممنهج، وكان يستحيل الحديث عن أيّ انتقال ديمقراطي في غياب معالجة هذه الإشكالية، وهو الأمر الذي اقتنع به صنّاع القرار بعد مرحلة رحيل الملك الحسن الثاني، ولعبت فيه شخصيات وطنية دوراً مؤثراً رغم وجود بنية مغلقة وعقليات رافضة آنذاك لكلّ تحوّل في علاقة الدولة بالمسألة الأمازيغية.
وقدم الباحث عنترة قراءة في الآليات القانونية الدستورية والمؤسساتية لحماية اللغة الأمازيغية وتفعيل الطابع الرسمي من خلال مقتضيات القانونين التنظيميين المنصوص عليهما في الفصل الخامس من الدستور، مبرزا أن المشرع أطر موضوع الأمازيغية بقانون تنظيمي له قيمته من حيث التراتبية القانونية وأيضا بكونه يعد مكملا ومفسرا لمقتضيات الدستور.
كما توقف عند الرهانات الكبرى الموضوعة على المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية كمؤسسة دستورية وطنية مرجعية في مجال السياسات اللغوية والثقافية، تتسم بالطابع التعددي والتنسيقي وتشكل فضاء للتشاور والحوار بين مختلف الفاعلين في ما يخص القضايا الثقافية واللغوية.
وأكد المتحدث أن المجلس في حاجة إلى مقاربة نوعية وتوافقا واستراتيجية واضحة لتدبير التعدد اللغوي والتنوع الثقافي وبالتالي إيجاد أجوية ملموسة وحلول واقعية للإشكالات المطروحة داخل الحقل الثقافي واللغوي، اعتبارا لما يمثله البعد الثقافي اليوم من أهمية كمكون للشخصية المغربية وما يلعبه من أدوار في تحقيق السلم الاجتماعي وترسيخ الاستقرار السياسي وكذلك لما يشكله من رافعة للتنمية المستدامة.
وتناول الباحث في معرض مداخلته، طبيعة المقاربة والآليات التي اعتمدتها الدولة في تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، وكذا المجالات المحددة لهذا التفعيل من قبل القانون ذي الصلة، كما توقف عند نقل اختصاص هذا التفعيل لصندوق تحديث الإدارة بدل صندوق دعم الأمازيغية.
واعتبر في هذا السياق، أن الأمازيغية قضية مجتمعية شاملة، وورش تفعيلها لا يقتصر على ما هو إداري، فهو يتطلب رؤية سياسية واضحة مجسدة في سياسات عمومية ناجعة وتترجمها برامج عمل ناجعة وملموسة تدمج الأمازيغية في مخططات التنمية البشرية والمجالية، لاسيما وأن عزيز أخنوش رئيس الحكومة اعتبر أن الاعتراف بالأمازيغية “لا يُمْكِنُ أَنْ يَقْتَصِرَ على الحقوق الثقافية واللغوية فقط، بل يجب أن يَمْتَدَّ لِيَشْمَلَ كذلك تَدَارُكَ تَأَخُّرِ التنمية الاجتماعية والاقتصادية”، مضيفا أن مبادرة إحداث صندوق يتم بشأن القضايا الظرفية العابرة، في حين أن الأمازيغية قضية استراتيجية تهم الشخصية الوطنية المغربية في أبعادها المتعلقة باللغة والثقافة والهوية.
وخلص الباحث إن دسترة الأمازيغية في أبعادها المرتبطة باللغة والثقافة والهوية يعد لحظة استثنائية في تاريخ المغرب، يفتح أفقا جديدا للانتقال إلى مصاف الدول المؤسسة للديمقراطية الثقافية في احترام للحقوق الثقافية واللغوية كجزء من حقوق الانسان وفي تناغم مع الإعلانات والمواثيق والقانون الدولي، وأن ورش الأمازيغية اكتسى صبغة اجماع وطني لكونه ترجمة لتعاقد لغوي بين الدولة والنخب قائم على التعددية والانفتاح، وذلك بعد إلحاقه بالمشروع الديمقراطي التنموي الذي أطلقه الملك. كما أن الحماية الدستورية والمؤسساتية ستمكن الدولة من بلورة مقاربة ناجعة في تدبير التعدد اللغوي والتنوع الثقافي، مؤهلة مع مرور الوقت لتتحول إلى نموذج متفرد في تدبير الاختلاف وضبط النزاعات على مستوى المنطقة.
التعليقات على عنترة: دسترة اللغة الأمازيغية تعكس تطور الوعي في البنية السياسية للدولة مغلقة