مر عامان الآن تقريبا منذ أصبحت التونسية أنس جابر إحدى لاعبات الصف الأول في كرة المضرب النسائية لا بإنجازاتها الرياضية فقط ببلوغ ثلاثة نهائيات في بطولات كبرى آخرها نهائى السبت المنتظر أمام التشيكية ماركيتا فوندروسوفا في دورة ويمبلدون، بل أكثر بشخصيتها المرحة والمتواضعة التي جعلت شعبيتها تتجاوز العالم العربي وأفريقيا لتكسب أنصارا في كل أنحاء العالم.
وبلوغ القمة في الرياضة التي يعتبرها كثيرون “حكرا على الأثرياء” لم يكن سهلا لابنة مدينة قصر هلال الساحلية جنوب العاصمة تونس. فقد تطلب الأمر منها اللعب عشر سنوات في صفوف محترفات اللعبة لكي تصبح رقما صعبا في تنس السيدات “تخشى” نجمات اللعبة مواجهتها على حد تعبيرها.
بداية جابر، المولودة سنة 1994، مع الكرة الصفراء كانت في محافظة سوسة الساحلية شرق البلاد في ملاعب فنادق في المنطقة السياحية، ثم انتقلت إلى ملعب “نادي حمام سوسة” في ذات المحافظة.
أول من تولى تدريب “وزيرة السعادة التونسية” كان نبيل مليكة الذي يقول إنه كان من الواضح منذ البداية امتلاكها موهبة فريدة وشخصية قوية “تحاول أن تكون المتميزة” على بقية رفاقها من البنات والأولاد كذلك.
ويضيف مليكة الذي رافق جابر في التدريب خلال سنوات البدايات “كانت لها قدرات تحكم كبيرة في الكرة، حتى أن مدربين آخرين حاولوا استقطابها لكرة اليد، وفعلا فكرت أنس بجدية في تغيير اختصاصها لكن تمسكت ببقائها في رياضة التنس”.
ويذكر مليكة بدايات أنس جابر قائلا: ”كانت شعلة من الحماس وكثيرة الحركة تحاول دوما أن تظهر أنها الأفضل في التحكم في اللعبة… تضعني دوما في إحراج مع بقية زملائها. كنت احتار بين المرور إلى مستوى أقوى من التدريب أو انتظار رفيقاتها كي يلحقن بمستواها وبنسقها”.
انتقلت جابر في سن الثانية عشرة إلى العاصمة تونس للتدرب في المعهد الرياضي بالمنزه (حكومي يضم نخبة الرياضيين) لتبدأ مشوارا جديدا في حياتها. كان يرافقها آنذاك عمر العبيدي وهو لاعب تنس محترف ويدرب حاليا هذا الاختصاص في نادي حمام سوسة.
يؤكد عمر العبيدي أنه كان متيقنا من بلوغها المستوى العالمي، مضيفا “أتذكر أننا كنا نلقبها روجيه فيدرر”، نسبة إلى أسطورة التنس السويسري.
وتابع “واجهتها خلال التمارين، فرمت كرة ساقطة حاولت اللحاق بها، لكني سقطت وكُسرت يدي”. منذ ذلك التاريخ “تلقبني بالخبيزة (باللهجة التونسية تعني المغلوب)”.
قدمت أنس نفسها للعالم للمرة الأولى بفوزها ببطولة رولان غاروس العريقة للناشئات سنة 2011 في تتويج جعلها محط أنظار المهتمين باللعبة أملا في نحت مسيرة كبيرة للاعبة من خارج القارتين الأوروبية والأمريكية المهيمنتين على اللعبة.
في العام الموالي، بدأت أنس في اكتشاف المستوى العالي باللعب مع المحترفات، لكنها لم تحقق النجاح المنشود، ولم تصل إلى نادي المئة، ما جعلها تشارك في بعض الدورات الكبيرة ببطاقة دعوة.
وخفت بريق أنس لسنوات طويلة في بدايتها الاحترافية، حيث أن لاعبات التنس يصلن في المعتاد لقمة مستواهن في سن مبكرة بين 18 و22 عاما، على غرار السويسرية مارتينا هينغيز والبلجيكية جيستين هينان والروسية ماريا شارابوفا والأمريكية سيرينا ويليامس والمصنفة أولى عالميا حاليا البولندية إيغا شفيونتيك وغيرهن كثيرات.
وتقول أنس في أحد تصريحاتها السابقة، إنها ملت من التواجد في مرتبة متأخرة في الترتيب العالمي لمحترفات اللعبة. وضاعفت من جهدها في التدريب وحسنت من لياقتها لتحقق حلمها في دخول ترتيب العشر الأوائل لمحترفات اللعبة في 2021.
وبالفعل نجحت أنس سنة 2017 في دخول نادي أفضل 100 لاعبة في العالم، ونجحت في بلوغ أول نهائي لها في المحترفات بدورة موسكو المفتوحة سنة 2018.
ثمار عمل أنس التي تبلغ اليوم 28 ربيعا، بدأت في الظهور بالتحديد في 2020 عندما دخلت نادي أفضل 50 لاعبة في العالم ببلوغها ربع نهائي بطولة أستراليا المفتوحة كأول بطولة كبرى تصل فيها لدور الثمانية، لتبلغ بعدها الدور الرابع في بطولة رولان غاروس.
وتعتبر سنة 2021 سنة الإقلاع في مسيرة جابر ببلوغها ربع نهائي ويمبلدون في 2021. وفوزها بأول لقب في مسيرتها في بطولة بيرمينغهام ذات العام لتبلغ في نهاية المركز السابع عالميا، وهو ما كان طموحها المعلن في بداية الموسم.
ولعل 2022 كانت سنة السعد لـ”وزيرة السعادة التونسية” بتوالي النتائج الجيدة التي جعلتها تصل للمرتبة الثانية عالميا، حيث فازت ببطولتي مدريد من فئة 1000 نقطة وبرلين من فئة 500 نقطة، وبلغت نهائي بطولة روما، وها هي اليوم تستعد لخوض نهائي بطولة ويمبلدون العريقة.
“أريد أن أكون مصدر إلهام للاعبات التنس ليس فقط في تونس بل في أفريقيا والعالم العربي، ثقوا في أنفسكم أنا لست منحدرة من عائلة ثرية لذلك كفوا عن إيجاد التبريرات واذهبوا للعمل واستمتعوا باللعبة” هذا ما صرحت به أنس جابر العام الماضي في ويمبلدون.
بعد خسارة نهائي ويمبلدون 2022 أمام لاعبة كازاخستان إلينيا ريباكينا، بلغت “وزيرة السعادة” التونسية نهائي بطولة أمريكا المفتوحة للتنس، آخر البطولات الأربع الكبرى لكنها خسرت أيضا عندما اصطدمت بالمصنفة الأولى عالميا البولندية إيغا شفيونتيك.
بداية أنس جابر في موسم 2023 كانت صعبة للغاية، إذ خرجت مبكرا من دورة أستراليا المفتوحة للتنس وخضعت بعدها لعملية جراحية “بسيطة” في شباط/فبراير الماضي، واضطرت للانسحاب من بطولتي دبي والدوحة.
وخرجت التونسية مبكرا أيضا في عدة بطولات بعد الإصابة. قبل أن تستعيد مستواها تدريجيا بفوزها ببطولة تشارلستون. لكنها تعرضت لإصابة جديدة أثناء مواجهتها “الماكينة” البولندية في نصف نهائي بطولة شتوتغارت أجبرتها على الانسحاب، وعدم خوض بطولة مدريد التي فازت بها العام الماضي.
بعد عودتها من الإصابة، لم تكن أنس موفقة في بطولة روما التي انسحبت منها في دورها الأول. وعلى الرغم من تحسن أدائها على الملاعب الترابية لبطولة رولان غاروس الفرنسية، خرجت من ربع النهائي بشكل مفاجئ أما البرازيلية بياتريز مايا حداد.
لكن يبدو أن أنس تجد راحة أكبر على الملاعب العشبية، إذ تغلبت على ثلاث لاعبات مصنفات ضمن العشر الأوائل في العالم وقلبت الطاولة على اثنتين منهن: وهن التشيكية بترا كفيتوفا المصنفة تاسعة عالميا في ثمن النهائي وحاملة اللقب إيلينا ريباكينا المصنفة ثالثة في ربع النهائي وأخيرا البيلاروسية أرينا سابالينكا المصنفة ثانية في نصف النهائي.
قالت أنس ردا على كيفية تعاملها مع الضغط “أعمل كثيرا مع المُعِدّة الذهنية. يساعد ذلك كثيرا. أنا فخورة بنفسي لأن أنس القديمة كانت لتخسر المباراة اليوم، ولكن أنا فخورة أني قاتلت حتى الرمق الأخير”.
تقول أنس عن مواجهة فوندروسوفا “النهائي هو نهائي. أنت تواجه لاعبة، سواء كانت حاملة لقب بطولة كبرى أم لا. أعتقد أن المباراة ستكون صعبة جدا” فيما يبدو أنه محاولة لتخفيف الضغط المسلط عليها، إذ إنه من المؤكد أن أنس على يقين في داخلها أنها الفرصة المواتية لحصد ثمار الأداء الذهني والبدني الجيد في هذه الدورة وتحقيق حلمها الكبير في التتويج بـبطولة غراند سلام.
من بينها حماية التراث اللامادي من محاولات الاستيلاء.. هذه أهم المستجدات التي جاء بها مشروع قانون حماية التراث الثقافي
صادق المجلس الحكومي اليوم على مشروع القانون رقم 33.22 يتعلق بحماية التراث، أخذاً بعين الاع…