تطرق المدير العام للمكتب الوطني للاستشارة الفلاحية (ONCA)، جواد باحجي، في حوار مع وكالة المغرب العربي للأنباء، إلى أهمية الاستشارة الفلاحية وإلى المحاور التي يركز عليها المكتب حاليا لمواكبة الفلاحين.
1- في البداية، ما هي الاستشارة الفلاحية ؟
لطالما اعتبرت الاستشارة الفلاحية واحدة من أهم الأدوات في السياسة الفلاحية المغربية، حيث تساهم في تطوير مختلف جوانب الميدان الفلاحي، من قبيل مواكبة الفلاحين والفلاحات و منظماتهم المهنية وتحديث التقنيات الفلاحية وتحسين المردودية.
وللحديث عن الاستشارة الفلاحية، تجدر الإشارة إلى الاستراتيجية الوطنية للاستشارة الفلاحية (SNCA) التي تشكل، منذ سنة 2010، الإطار الهيكلي لمنظومة الاستشارة ومواكبة المنتجين.
وقد تمت بلورتها في إطار تنفيذ مخطط المغرب الأخضر، وتهدف إلى إرساء استشارة فلاحية على المستوى الترابي، قائمة على مقاربة تعتمد النتائج والآثار. وقد جاءت هذه الاستراتيجية بهدف إعطاء دينامية جديدة لدور الدولة وتنظيم وتطوير الاستشارة الفلاحية الخاصة، وتوعية الفاعلين بمنظومة الاستشارة الفلاحية.
وفي ما يتعلق بالجانب التنظيمي، فقد تم إحداث المكتب الوطني للاستشارة الفلاحية لتلبية مهام الاستشارة الفلاحية ولضمان اندماج أفضل للمكتب في محيطه المؤسساتي.
ويتم ذلك، بطبيعة الحال، في ظل احترام التقسيم الجغرافي للوحدات اللامركزية لوزارة الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات وكذا الغرف الفلاحية، من خلال تجميع الموارد المادية بين وحدات المكتب الوطني للاستشارة الفلاحية ووحدات الوزارة. نتواجد في جميع أنحاء التراب الوطني، ونتوفر حاليا على ما يزيد عن 300 مركز للاستشارة الفلاحية، و50 مصلحة إقليمية، و12 مديرية جهوية بالإضافة إلى 3 مديريات مركزية ومديرية عامة.
وفي الواقع، فإن الهدف الرئيسي كان دائما هو تنفيذ نظام استشاري فلاحي إقليمي قائم على القرب، ويعتمد على مقاربة تدبير تعتمد على النتائج والآثار، مع أهداف واضحة ومحددة. ولتحقيق ذلك، فقد اعتمدنا مقاربة ترابية متكاملة لتقييم الإمكانيات والاحتياجات.
وبالفعل، فإن استراتيجية “الجيل الأخضر 2020-2030” تهدف إلى إعطاء الأولوية للعنصر البشري، ونحن فخورون بأن نشاطركم انخراطنا التام وفق هذا المنطق بهدف دعم ريادة أعمال الشباب.
ونستهدف بحلول سنة 2025، مواكبة وتحديد أفكار مشاريع حوالي 20.100 شاب وشابة (من بينهم 25 في المائة من النساء)، وإعداد 10.000 مخطط أعمال.
وقد مكن هذا الورش من مواكبة الشباب والنساء حاملي أفكار مشاريع ريادة الأعمال الفلاحية وبتعزيز إدماج الشباب في أنشطة ريادة الأعمال المتعلقة بالفلاحة، وبزيادة قدرة المنتجين والمقاولات الصغرى والمتوسطة ذات سلاسل القيم الحديثة على إنتاج وتسويق المنتجات ذات القيمة المضافة.
والأكيد أن الفلاحين مطالبون برفع مستوى احترافهم حتى يتمكنوا من التكييف مع التغيرات الراهنة ومواكبتها، وليتمكنوا بوجه خاص من اغتنام الفرص المتاحة في السوق وضمان زيادة دخلهم الفلاحي، مما يستلزم ولوجهم إلى خدمات القرب التي تسمح لهم بتحكم أفضل في الإنتاجية والظروف المتصلة بها، بما في ذلك القدرة على الولوج إلى الأسواق، والحد من التداعيات الاقتصادية، واكتساب مهارات جديدة.
وفي إطار تنفيذ استراتيجية “الجيل الأخضر 2020-2030″، أطلقنا البرنامج الوطني لإحداث جيل جديد من التعاونيات الفلاحية (PNCCA-NG).
وإدراكا منا للتحدي الذي تمثله الرقمنة في القطاع الفلاحي، ومن أجل تلبية متطلبات القطاع، فقد اعتمدنا أدوات ووسائل مختلفة للاتصالات الرقمية بهدف الرفع من مستوى أدائنا من حيث النجاعة والفعالية، لاسيما من خلال مختلف الآليات التي تتيح لنا تدبير المعلومات ونقلها ومعالجتها.
2- ما هي أهمية الاستشارة الفلاحية، وخاصة في مثل هذه الظرفية المناخية والفلاحية الصعبة؟
غيرت عولمة الاقتصاد والتبادلات التجارية قواعد اللعبة، حيث باتت المزارع الفلاحية والعائلية تواجه منافسة شديدة ومتزايدة، فضلا عن متطلبات السوق التي أصبحت أكثر إلزامية وتقييدا (المعايير، وضرورة التقصي والتتبع، وغيرهما)، وصارت معها القدرة على التكيف أمرا لا بد منه (الحصول على المعلومات، وتكييف نظم الإنتاج وأساليب التنظيم …). ونتيجة لذلك، فإن حاجيات الفلاحين من خدمات القرب تتغير باستمرار، مما يجعل تمكنهم من الدفاع عن مصالحهم في مختلف القطاعات أمرا أساسيا.
ومنه، فإن دور المكتب الوطني للاستشارة الفلاحية هام أكثر من أي وقت مضى، حيث يعتبر، منذ إنشائه سنة 2013 في إطار تنفيذ مخطط المغرب الأخضر، مسؤولا عن قيادة وتنسيق ومتابعة تنفيذ استراتيجية الاستشارة الفلاحية على الصعيد الوطني وتطبيق السياسة الحكومية في هذا المجال.
وفي هذا الصدد، يتولى المكتب مواكبة وتأطير وتوفير الاستشارة لفائدة مهنيي سلاسل الإنتاج الفلاحي عبر العديد من تقنيات التسيير والتدبير والانتاج والتثمين.
وكما تعلمون، فإن جوهر نشاط المكتب الوطني للاستشارة الفلاحية يكمن في مواكبة وتتبع تنفيذ الاستراتيجيات الفلاحية على الصعيد الوطني، بما فيها مخطط المغرب الأخضر (2008-2020) الذي كان الهدف منه تحديث القطاع الفلاحي وجعله رافعة حقيقية للتنمية السوسيو اقتصادية للمملكة.
نتبع اليوم المنهج ذاته مع استراتيجية “الجيل الأخضر 2020 – 2030″، التي تعتبر ثمرة لمجموع مكتسبات مخطط المغرب الأخضر، والذي حقق نتائج لافتة من حيث نمو واستدامة القطاع الفلاحي. أما في ما يتعلق بتغير المناخ، فإن هذا الأخير شكل على الدوام إحدى الإكراهات الأساسية أمام تنمية القطاع الفلاحي بالمغرب.
وفي مواجهة الوضع الصعب للموارد المائية الذي لا ينفك يزداد سوء، أصبح توفير المياه الآن محورا أساسيا لسياسة المياه الجديدة في المغرب.
وفي هذا السياق، فإننا ننخرط في الاستراتيجية الشاملة التي بلورتها وزارة الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات بغية إرساء فلاحة مستدامة قادرة على الصمود في وجه تغير المناخ من خلال النجاعة المائية وتوفير مياه الري واللجوء إلى استخدام تقنيات كفيلة بحماية التربة الزراعية.
ويتعلق الأمر أساسا بالتدابير المتخذة في إطار التكامل بين البرامج سواء الاستراتيجية الفلاحية “الجيل الأخضر 2020 – 2030″، أو “البرنامج الوطني للتزويد بالماء الشروب ومياه السقي” (PNAEPI).
وبصفتنا داعمين لمخطط المغرب الأخضر، ومواكبة منا لاستراتيجية الجيل الأخضر 2020 – 2030، نبذل أقصى جهودنا لتوعية الفلاحين بشأن الأهمية الاقتصادية لتوفير المياه واعتماد الممارسات الفضلى لتحسين إنتاجية محاصيلهم وبالتالي تسهيل تنظيمهم في إطار عمل جمعيات مستعملي المياه المخصصة للاغراض الزراعية.
وعلى وجه التحديد، نحاول جاهدين قدر الإمكان اعتماد استراتيجيات التكييف والتخفيف التي من شأنها أن تفضي بنا إلى الحصول على نموذج تدبير شامل ومستدام.
وفي هذا الصدد، قمنا بتنفيذ عدد من الإجراءات التي أفضت إلى ما مجموعه 34 تدخلا، في إطار دعم البرنامج الوطني للاقتصاد في مياه السقي (PNEEI) وبرنامج توسيع الري (PEI)، حيث بلغ إجمالي العمليات الاستشارية الفلاحية 2565، استفاد منها أكثر من 14,712 فلاحا برسم سنة 2021.
نحن ملتزمون تمام الالتزام بتطوير فلاحة مستدامة وقادرة على التكيف مع التغيرات المناخية، ويتجسد ذلك في اتباعنا لمناهج التدخل المبتكرة، التي من شأنها أن تسهل الانتشار الواسع للتقنيات التكنولوجية والابتكارات والممارسات السليمة داخل القطاع الفلاحي.
وأخص هنا بالذكر مدارس المزارعين الحقلية (FFS)، المعروفة باسم المدرسة الحقلية، المفتوحة في وجه المرشدين والمرشدات الفلاحيين والتعاونيات. وفي هذا الإطار، نسهر من أجل أن نضمن لمستشارينا الفلاحيين التجهيز بأحدث الوسائل التعليمية بغية تأطير الفلاحين وتدريبهم على الأساليب الجديدة التي تم تطويرها بما يتماشى وأولويات الكفاءة البيئية والقدرة على التكيف مع تغيرات المناخية في إطار استراتيجية “الجيل الأخضر 2020 – 2030”.
ولايتعلق الأمر أساسا بتوفير أدوات منهجية موثقة بمسارات تقنية فحسب، بل بتلقين الضوابط التي تؤطر قضايا الحفاظ على البيئة (المحافظة على التربة)، واعتماد الممارسات الفلاحية البيولوجية والمحافظة على البيئة، وترشيد استهلاك المياه عن طريق ما اعتمدته جمعيات مستخدمي المياه، بالإضافة إلى ضم الأراضي الفلاحية وحمايتها.
ومن وجهة نظري، فإن اعتماد الزراعة الذكية مناخيا ونشرها على نطاق واسع سيؤدي إلى إحداث تغييرات جذرية، خاصة في ما يتعلق بمواجهة تغي رات المناخ، إذ أصبحت اليوم “الممارسة الجديدة المعتمدة”، وعليه، فإننا قررنا أن نتجه صوب السعي نحو اعتمادها.
وتحقيقا لهذه الغاية، فإننا نضع صوب أعيننا أولوية تعزيز القدرات الكفيلة بتنشئة جيل جديد من المستشارين والمستشارات الفلاحيين، والفلاحين والفلاحات الشباب المدربين، والمنظمات الفلاحية التي تستند، على حد سواء، على المهنيين الأكفاء وعلى الخدمات الرقمية وتلك التي تقدم حلولا مستدامة ومبتكرة وملائمة للنظم الإيكولوجية.
3- ما هي المحاور التي يركز عليها حاليا المكتب الوطني للاستشارة الفلاحية حتى يتمكن من مواكبة الفلاحين، خصوصا في ظل وضعية الإجهاد المائي التي يعاني منها المغرب؟
أخذا بعين الاعتبار أن المغرب يواجه بشكل متزايد إشكالية العجز المائي الناجم عن جفاف هيكلي، فإن اعتماد ونشر أساليب التكيف التي تجمع بين التقنيات والممارسات الزراعية التي تسمح بتثمين أفضل لقطرة الماء يعد توجها أساسيا لاستراتيجية “الجيل الأخضر”.
وبصفتنا مؤسسة تقدم الاستشارة الفلاحية العمومية، فإننا حاضرون في الجهات الـ12 للمملكة، مسلحين بمهاراتنا الشخصية والتقنية التي تسمح لنا بالاقتراب من الفلاحين والفلاحات بغية ترسيخ الممارسات الفلاحية السليمة الموجهة صوب تحقيق فلاحة مرنة ومستدامة وأكثر نجاعة في مواجهة العجز المائي، وأخص هنا بالذكر عمليات الاستشارة (الزيارات الميدانية، المدارس الحقلية للمزارعين، وغيرهم).
ويفضي بي كل ما سبق إلى الحديث عن البذر المباشر للحبوب باعتباره أحد التقنيات التي أظهرت فعاليتها في المناطق الجافة وشبه الجافة.
ومن باب التذكير، فقد أطلق وزير الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات في نونبر 2021 البرنامج الوطني للبذر المباشر للحبوب والذي يهدف إلى تحسين مقاومة وتكيف القطاع الفلاحي مع التغيرات المناخية.
ويهدف هذا البرنامج، في أفق سنة 2030، إلى الرفع تدريجيا من المساحة الفلاحية لتصل إلى مليون هكتار من الحبوب بالزرع المباشر، مقابل مساحة لا تتجاوز 30 ألف هكتار حاليا.
سيصاحب تنفيذ هذا البرنامج المهم عدد من التدابير، على رأسها التحفيزات في إطار صندوق التنمية الفلاحية (FDA) لاقتناء بذارة الزرع المباشر، وتعزيز إجراءات الاستشارة الفلاحية من خلال منصات العرض والمدارس الحقلية وتدريب المستشارين الفلاحيين والفلاحين، بالإضافة إلى تشجيع ومواكبة إنشاء المقاولات الخدماتية.
علاوة على ذلك، فقد دخلت الفلاحة المسقية، منذ اعتماد مخطط المغرب الأخضر، عصرا جديدا تحت شعار “ترشيد وتثمين مياه الري”. وبناء على ذلك، تم اعتماد سياسة طوعية من أجل تعميم تقنيات الري المقتصدة للماء وتثمين مياه الري الزراعي، حيث تمت ترجمة هذه السياسة إلى أربعة برامج رئيسية: البرنامج الوطني لاقتصاد مياه الري (PNEEI) وبرنامج توسيع الري بسافلة السدود (PEI) وبرنامج إعادة التأهيل والمحافظة على الدوائر السقوية الصغرى والمتوسطة (PMH) وبرنامج تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص في مجال الري. نحن الآن بصدد إنجاز المرحلة الثانية من البرنامج الوطني لاقتصاد مياه الري (وذلك في إطار تنفيذ مخطط الجيل الأخضر)، والذي يعتبر برنامجا طموحا لتحديث الفلاحة ويهدف إلى زيادة مردودية شبكات إنتاج الماء وإلى تحسين تقنيات الري، وقد جاء عقب مشروع تحديث تقنيات الري في حوض ﺃﻡ ﺍﻟﺭﺒﻴﻊ (PROMER)، ومشروع تحديث نظام الري (PMGI)، وهو ما سمح باستخلاص التجارب منهما واستخدامها في هذا البرنامج.
نحن اليوم بصدد اتباع منطق التجديد وتحسين الوصول إلى الاستشارة الفلاحية وإلى تقنيات الري الحديثة في المناطق المسقية، أخص بالذكر هنا الرؤية طويلة المدى التي نتقيد بتنفيذها حاليا والتي تهدف إلى تأطير الفلاحين وإرشادهم نحو استخدام تقنيات الري المقتصدة للماء، بالإضافة إلى إضفاء طابع المهنية في تسيير ضيعاتهم الفلاحية، وهو ما يتيح لهم تحقيق دخل مستدام.
بعبارة أخرى، تتمثل إرادتنا ورؤيتنا في خلق ظروف مواتية تضمن خدمات استشارة فلاحية متواصلة ومستدامة بخصوص أنظمة الري الكبرى، كما نطمح أن نستمر في دعم جمعيات مستخدمي المياه لأغراض الزراعية (AUEA) والفلاحين (مع إيلاء اهتمام خاص للنساء والشباب) وتمكينهم من الحصول على تقنيات الري المحسنة وإرشادهم من أجل حسن تدبيرها.
الرميد يعارض تعديلات مدونة الأسرة: “إذا كانت ستكرس مزيدا من الانحدار والتراجع السكاني فإنه ليس من الحكمة اعتمادها”
مصطفى الرميد* من حقنا- نحن المغاربة- ونحن نعيش في عالم قلق ومضطرب، أن ننوه بمثانة مؤسسات ب…