تم، أمس الاثنين بنواكشوط، التوقيع على مذكرة تفاهم بين مجلس المستشارين والجمعية الوطنية الموريتانية.
وتشمل هذه المذكرة التي وقعها رئيس مجلس المستشارين النعم ميارة، الذي يقوم بزيارة رسمية لموريتانيا على رأس وفد هام تستمر إلى غاية يوم غد، ورئيس الجمعية الوطنية الموريتانية الشيخ ولي بايه، تنمية التعاون في مجال العلاقات البرلمانية من خلال تبادل الخبرات في مجالات التشريع والرقابة وتقييم السياسات العمومية والدبلوماسية البرلمانية والإدارة البرلمانية وتقنيات التواصل البرلماني والتعاون مع المجتمع المدني وأي مجالات أخرى تدخل في اختصاصهما.
كما تنص المذكرة على العمل من أجل تجسيد المنتدى البرلماني الاقتصادي الموريتاني المغربي.
وبموجب المذكرة يتعهد الطرفان بإقامة علاقات متميزة بينهما، تقوم على مبادئ المساواة والمعاملة بالمثل والمنفعة المتبادلة والالتزام بالمضي قدما في التشاور حول القضايا ذات الاهتمام المشترك، وكذا تشاور وفود الطرفين في اجتماعات المنظمات البرلمانية الإقليمية والدولية التي يكون البلدان عضوين فيها.
وتنص المذكرة كذلك على تنظيم اجتماعات دورية بين المؤسستين، ولاسيما بين اللجان البرلمانية، بهدف تبادل الخبرات حول القضايا ذات الاهتمام المشترك، وتنظيم مؤتمرات ومنتديات وندوات وورشات عمل بالتناوب بين المؤسستين حول القضايا الثنائية الرئيسية أو القضايا الإقليمية والدولية التي تحظى باهتمامهما، ووضع برامج للزيارات الدراسية والإعلامية والإدارية لتعزيز القدرات بين أطر المؤسستين.
وفي كلمة بالمناسبة بمقر الجمعية الوطنية الموريتانية، أبرز السيد ميارة أن الزيارة التي يقوم بها لنواكشوط تعزز ل”شراكة أخوية طبيعية ضاربة جذورها في التاريخ، لم تفرضها الجغرافيا قدرا، فقط، بل زكتها أواصر القرابة، والدم واللغة والدين، ورغبة قائدي البلدين صاحب الجلالة الملك محمد السادس والرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني في تعزيزها وتطويرها، وجعلها في مستوى التحديات الحالة والمنظورة”.
وبعد أن ذكر بما يجمع موريتانيا والمغرب ومؤهلات وإمكانات البلدين الطبيعية الهامة والطاقات البشرية الواعدة، شدد رئيس مجلس المستشارين على ضرورة “التفكير في كيفية استثمار كل هذا، في مشاريع سياسية واقتصادية مدارها الإنسان وغايتها التنمية”.
وعبر عن الأسف لاستمرار تعطل مشروع الاندماج المغاربي، “الحلم الكبير، الذي صاغ الآباء معالمه الأولى، وفشل الخلف في الدفع بها، نحو خلق كيان جهوي قوي، يضاهي نظيره في الضفة الأخرى من المتوسط، أو مثيله تكتل دول غرب افريقيا، وكان من كلفة هذا الوضع، أننا لا زلنا نواجه مصيرنا المشترك، دون إطار مشترك، وإنما دولا فرادى تغيب عنها القوة التفاوضية المؤثرة”.
وقال “إن عالم اليوم، لم يعد عالم الدول القطرية، ولا عالم الدول الخطأ، ولا عالم الدول الفاشلة، ولا عالم الكيانات الوهمية الموجودة في تراث (الحرب الباردة)، وإنما عالم التكتلات، المجمعة للقدرات والإمكانات، المتوفرة على سوق واسعة للعرض وللطلب، القادرة على مقاومة ومجابهة تقلبات اقتصادية ومالية عاصفة”.
وفي هذا الإطار، أبرز ميارة دعوة المملكة تحت قيادة الملك محمد السادس إلى تأسيس جوار “بيد ممدودة، ليس فيه مكان للحدود المغلقة، المعطلة لتنقل الأشخاص والبضائع، مقترحة حكما ذاتيا للأقاليم الصحراوية، أملا في الطي النهائي لنزاع عمر طويلا”.
وذكر بأن هذا المقترح، وصف في كل قرارات مجلس الأمن الدولي منذ سنة 2007 “بالجدي وذي المصداقية”، مبرزا أن هذا الحل ” يقدم ملامح حل سياسي، متفاوض بشأنه، ونهائي، لنزاع يعرف الجميع بداياته، وملابساته وتطوراته”.
وشدد على أن المملكة “تأمل من خلال هذا المقترح، نزع فتيل التوتر المفتعل في منطقتنا وبين حدودنا، وأن تخلق فضاء آمنا خاليا من الجريمة المنظمة، وتجارة المخدرات والبشر، ونشاط الجماعات الإرهابية، وكل هذا لن يتحقق إلا بانخراط أكبر لكل الدول الأطراف المعنية”.
وفي السياق ذاته أبرز رئيس مجلس المستشارين استعادة المملكة لمقعدها الطبيعي المؤسسي، داخل العائلة الإفريقية، هذه العائلة، التي كانت المملكة جزءا هاما في جمعها التأسيسي الأول، الذي اتخذ صورة “منظمة الوحدة الأفريقية”، وغادرتها مكرهة، على اعتبار أن المقعد الواحد لا يسع لشخصين، وعادت إليها، بعدما بددت الحقيقة سراب الوهم، باقتناع عواصم عديدة، بمحورية دور المملكة، في القارة، وسمو الرسالة التي تحملها وتدعو إليها، مما خلق دينامية اقتصادية وسياسية شعارها جنوب – جنوب، لتبادل الخبرات والتجارب، سمحت بميلاد تعاون بشراكة رابح-رابح.
واعتبر أن علاقات المغرب بإفريقيا، تمر بالضرورة عبر علاقات قوية مع موريتانيا ، مؤكدا في ذات الوقت أن هذه العلاقات تعززت في مارس الماضي بانعقاد أعمال الدورة الثامنة للجنة العليا المشتركة.
وعبر عن أمله تشكل مخرجات هذه اللجنة “دفعة قوية” لعلاقات البلدين ، لا سيما على المستوى الاقتصادي.
ودعا ميارة إلى تطوير أدوات اشتغال المؤسستين على اعتبار أن الدبلوماسية البرلمانية، “لم تعد ترفا، أو أداة تكتفي فقط باقتفاء خطى وأثر الديبلوماسية الرسمية، بل إن توفرها على عديد مقومات، يجعلها مطالبة بلعب دور أكبر من المعتاد”.
وأمل أن تشكل الزيارة التي يقوم بها لموريتانيا على رأس وفد هام “نقطة تحول عميقة” في علاقات المؤسستين، معبرا عن الأمل في أن ن تكون علاقات منتظمة، بأجندة عمل محددة، وبآليات للاشتغال قائمة ومفعلة.
وكان رئيس مجلس المستشارين والوفد المرافق له قد حضر في وقت سابق جلسة علنية للجمعية الوطنية الموريتاية.
وتأتي زيارة الوفد البرلماني المغربي لموريتانيا في سياق تعزيز وتمتين الروابط الأخوية المشتركة الوطيدة للشعبين والبلدين، وتدعيم الدينامية المتميزة التي تشهدها العلاقات المغربية ـ الموريتانية.
ويضم الوفد المغربي كلا من فؤاد قديري، خليفة رئيس المجلس، ومحمد البكوري رئيس فريق التجمع الوطني للأحرار بالمجلس، ويوسف أيذي رئيس الفريق الاشتراكي بالمجلس.