أسدل الاتحاديين والاتحاديات، الستار على أشغال مؤتمر الوطني الحادي عشر للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، المنعقد أيام 28، و29 يناير 2022، واننتخابهم لإدريس لشكر، مرةً أخرى كاتباً اول للحزب الولاية الثالثة.
وأوضح المؤتمرون والمؤتمرات في البيان الختامي، “وينعقد مؤتمرنا الوطني، وبلادنا تعرف تقدما ملحوظا بخصوص وحدتنا الوطنية والترابي، حيث أن ما تم إنجازه ميدانيا يُشكل أرضية صلبة لتقوية الإجماع الوطني وسدا منيعا أمام مروجي الأطروحة الانفصالية الذين وجدوا أنفسهم مُتجاوزين، ولم يجدوا أمامهم إلا سياسة “الهروب إلى الأمام” في تحد صارخ للشرعية الدولية ولتطلعات شعوب الاتحاد المغاربي في التنمية والديمقراطية. وقد كان للتوجيهات الملكية السامية بهذا الخصوص عظيم الأثر انطلاقا من مبادرة استرجاع المغرب لمقعده داخل الاتحاد الإفريقي والتي قطعت مع سياسة المقعد الشاغر، وفتحت آفاق عمل واعدة تزامنت مع المبادرات الملكية على صعيد العلاقات الثنائية والمتعددة الأطراف داخل القارة الإفريقية”.
وتابع البيان، “وإذا كان المؤتمر يُسجل أن مواقف خصوم وحدتنا الوطنية، قد تسببت في خسارات كبرى وخاصة من ذلك تعطيل عمل مؤسسات الاتحاد المغاربي، فإن هذا الوضع أدى أيضا إلى تداعيات على صعيد القارة الإفريقية أو العالم العربي. إن تشبث بلادنا بوحدتها الوطنية والترابية وبالثغور التي ما تزال محتلة، وبالإجماع الحاصل بخصوص ذلك، أبان أيضا ازدواجية المواقف الذي تمارسه حول قضية الصحراء دول تدعي أنها صديقة، مما جعل بلادنا تدخل مرحلة نوعية في تدبير العلاقات الخارجية، تهدف إلى المطالبة بالوضوح الشامل في ملف الصحراء المغربية بتوضيح الموقف والقطع مع أي سياسة تستهدف إضعاف المغرب”.
وأضاف، “يُسجل أنه، رغم الأوضاع الصعبة الناتجة عن تفشي جائحة كورونا، تمكنت بلادنا من إجراء كل الاستحقاقات الانتخابية في وقتها. وفي هذا الإطار تمكن الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية من تقوية مكانته بحجم يوازي المجهودات التنظيمية التي قام بها والمواقف السياسية التي اعتمدها”.
واعتبر المؤتمر أن” التطورات التي يعرفها المجتمع الدولي، التي جعلت نظام العولمة يعيش مرحلة جديدة نتيجة انتشار جائحة كورونا “كوفيد-19″، حيث لم يعُد من الممكن أن ينجح مجتمع وطني ما في حماية نفسه لوحده وبإمكانياته الذاتية أمام هذا التحدي الجديد. إن تفشي هذه الجائحة أبان عن ظواهر جديدة ينبغي استحضارها لتحديد السمات المستقبلية البارزة. فبقدر ما كان انتشار الوباء عالميا، بقدر ما كانت السياسات الوطنية هي العنصر الأساس في محاربة انتشارها”.
وقال الاتحاديين في بيانهم الختامي للمؤتمر إن” الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، المتشبث بهويته الاشتراكية الديمقراطية، لا يُمكن إلا أن يكون بجانب كل القوى التقدمية والحداثية التي تعمل على إعادة النظر في دور الدولة بتحويله لدور تحفيزي وتدخلي لصالح الفئات الأكثر تضررا داخل المجتمع. كما أننا نتشبث بمساندتنا لكل المدافعين عن البعُد البيئيي التنمية، وعن اعتماد خطاب جديد في موضوع الهجرة، ومنح القيم مدلولات واضحة (المساواة، العدالة، التقدم، التضامن، الإنصاف…)، وبالتالي ترسيخ التميز الجديد القادر على منح الاشتراكية الديمقراطية مكانتها الرائدة ضمن منظومة اليسار والقوى التقدمية التي لن نتوقف عن الدعوى إلى وحدتها على المستوى الوطني”.
وفي هذا السياق، اعتبر البيان الختامي أن “تأمين الدفاع عن وحدتنا الوطنية والترابية، بكل التحالفات اجيواستراتيجية الممكنة، لا تحول دون استمرار الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، في عدم التنكر للأبعاد التقدمية والإنسانية في مقاربته للقضية الفلسطينية، وسيستمر في الدفاع عن الحق المشروع للشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف”.
وأضاف، “إن المؤتمر الوطني الحادي عشر للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، وهو يستحضر مختلف هذه السياقات الوطنية والإقليمية والدولية، وبناءً على ما عرض في المؤتمر من مشاريع ومساهمات وتقارير، وما عرفه من نقاشات، فإن المؤتمر يسجل مختلف التحولات العميقة والنوعية، التي يعرفها المجتمع المغربي، على مختلف المستويات الديمغرافية والسوسيولوجية والعمرانية، والتي غيرت بنيته، بشكل جذري، مما يُؤثر بشكل جلي على الهرم السكاني وعلى التوزيع الجغرافي والتوازن العمراني، وعلى تطور الحاجيات والمتطلبات متعددة، وخاصة على تغير تصور الأفراد والجماعات لعلاقتهم بالدولة وبالمؤسسات وكذا بالهيآت السياسية والنقابية والجمعوية، بالإضافة إلى انتشار التأثيرات المتزايدة للتواصل عبر التكنولوجيات الحديثة”.
وتابع البيان “نسجل أن اقتصاد بلادنا ما زال في خدمة أقلية مستفيدة من المجهود الاستثماري العمومي ومن تحرير الأسواق والإعفاءات الضريبية والاحتكارات غير المشروعة. وعلى هذا الأساس، فإن المؤتمر يعتبر أن مراجعة النموذج التنموي تفرض إعادة توزيع الثروات على الصعيدين الاجتماعي والمجالي، بالشكل الذي يحقق المواطنة الكاملة التي تعتمد على جدلية الالتزام بالواجبات الضريبية عدالة ضريبية شاملة، وفي نفس الوقت التمتع بالحقوق على مختلف الأصعدة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية. كما تستدعي مراجعة النموذج التنموي الجديد ترتيب العلاقة بين الاقتصاد المغربي والاقتصاد العالمي على أساس انخراط الرأسمال المغربي في عملية استثمار داخلي يقوم على تقاسم المخاطر. ولن يتأتى ذلك إلا بتأهيل المراد البشرية وطرق تدبيرها، مع مراجعة كل اتفاقيات التبادل الحر التي لا تخدم اقتصادنا الوطني”.
وأفاد البيان الختامي، “إن المؤتمر، وهو يقف على المجهودات التي تم إنجازها على صعيد البنيات التحتية وبعض القطاعات الاستراتيجية بفضل التوجيهات الملكية، والتي حققت تموقعا متميزا للمغرب. إلا أن السياسات العمومية المتبعة ما تزال بعيدة عن مواكبة هذه الطموحات نتيجة تأخرها في تحقيق العدالة المجالية والاجتماعية، وترسيخ الجهوية المتقدمة، وإدماج البُعد البيئي في المشاريع التنموية بشكل يُحقق التنمية المستدامة ويوسع استعمال الطلقات المتجددة، وبهذا الخصوص، فإن نجاح أي نموذج تنموي جديد، رهين باعتماد سياسة اجتماعية مُتكاملة، تقوم على أساس توفير التعليم الجيد، والعلاجات الصحية الضرورية، وضمان الحق في الشغل، والسكن اللائق، والخدمات المرفقية اللازمة، وهي الأسس التي يعتبر الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية أنها وحدها الكفيلة بالحديث عن الدولة الاجتماعية، القادرة على حماية فئات من الشعب المغربي من الفقر والتهميش والهشاشة لضمان كرامة الإنسان المغربي”.
وقال مؤتمر الاتحاد إن “إنجاز هذه الأهداف، لا يُمكن أن يتم من خلال المقاربة الإدارية أو التقنية، بل إن المدخل السياسي هو الكفيل بتحقيق قفزة نوعية ومشروع مجتمعي جديد كما يتصوره الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية بما يستجيب لطموحات الشعب المغربي”.
وأوضح البيان أيضاً، “لقد كنا نُراهن على مؤسسات قوية بعد صدور دستور 2011 الذي اعتبرناه دستورا مُتقدما، استجاب للكثير من تطلعاتنا. إلا أنه بدلا من ذلك تم تبني نهج الليبيرالية المتوحشة بدون تحفظ خلال العشرية التي تلت الدستور، حيث تم التراجع عن العديد من المكتسبات السياسية والاجتماعية والحقوقية. وإن المؤتمر الوطني الحادي عشر للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، يعتبر أن مواصلة الورش الذي فتحه الإصلاح الدستوري ببلادنا لا زال مفتوحا، نتيجة عدم التطبيق الكامل والصحيح لمقتضياته. فبلادنا وهي تكرس “الملكية الدستورية، الديمقراطية، الاجتماعية، والبرلمانية”، طبقا لما ورد في الدستور، ينبغي أن تواصل مسلسل الإصلاحات السياسية على مستوى توازن السلط، واحترام الصلاحيات الدستورية، وتوطيد أسس صلبة للدولة الاجتماعية، والسهر على استكمال إصلاح منظومة العدالة، والمراجعة الشاملة للمنظومة الانتخابية، وحماية المواطنات والمواطنين عند ممارستهم لكافة حقوقهم بمختلف أصنافها، واستكمال ورش تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، وتحقيق المساواة بين الجنسين، وإدماج مغاربة العالم في مجال المشاركة السياسية انطلاقا من بلدان إقامتهم، وتحصين المجتمع من كافة تيارات التطرف، ومختلف جماعات الضغط التي لا تقيم أي مكانة للفئات الشعبية المغلوبة على أمرها، ومحاربة كافة أشكال الفساد والزبونية والرشوة والمحسوبية”.
وبخصوص نتائج الانتخابات الاخيرة، إن المؤتمر الوطني، “وهو يُسجل التقدم الانتخابي الذي حققه حزبنا، الذي لا تكمن أهميته في الطابع العددي، بل أيضا وأساسا في الطابع السياسي، حيث أننا دخلنا المعركة الانتخابية وتمكنا من تحقيق تقدم واضح، لكن للأسف لم نبلغ طموح تحقيق التناوب الجديد، ذلك أن مخرجات العملية الانتخابية بفعل عوامل عديدة أفرغت التناوب من مضمونه السياسي، وجعلته لا يعدو أن يكون تناوبا حزبيا بدون مضمون سياسي. ولذلك، فإننا نعتبر أن ورش التناوب السياسي ما زال مفتوحا، ومن هنا رهاننا على الانتخابات القادمة لتحقيق هذا الطموح لفائدة وطننا ومختلف طبقاته الاجتماعية وتنويعاته المجالية”.
وقال الاتحاديون في البيان الختامي للمؤتمر، “وقد أبانت الأحداث لاحقا صحة وجهة نظرنا حيث ظهرت ملامح محدودية المشروع السياسي الذي تم اعتماده لتشكيل الأغلبية على المستوى المركزي كما على المستوي المحلي، ونُؤكد أن النجاعة لا تحسب بالمقاعد ولكن بالقدرة على الانتقال بالبلاد إلى محطة بناءة اقتصاديا واجتماعيا واستراتيجيا وتخطي المرحلة الراهنة المليئة بالتحديات الداخلية والخارجية”.
وأضاف إن “تموقعنا في المعارضة، ينبغي أن يمثل عنصر تعبئة لكل الاتحاديات والاتحاديين، ومعهم كل مكونات المجتمع المغربي لمناهضة هيمنة السلطة والمال، ونُعلن تشبثنا القوي بالتناوب الديمقراطي، ضمن شروط سياسية تحترم فعليا التعددية وحق الاختلاف ونزاهة العملية الانتخابية، وتوسيع قاعدة المشاركة في الشأن السياسي والثقافي والاجتماعي، عبر ترضيد المكتسبات الحقوقية، الفردية والجماعية،
إن الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، يُثير الانتباه إلى أنه تم تقليص الإشراك السياسي عبر تحالفات عددية، لا يجمع بينها أي برنامج سياسي أو فكري، بواسطة قرارات حزبية مركزية، هيمنت بموجبها على الجماعات الترابية والغرف المهنية ومجلسي البرلمان، وهو ما يُشكل مؤشرا على انزلاق خطير، يضع الأسس لتكريس هيمنة تُهدد الديمقراطية والتعددية”.