هادي معزوز
ملحوظة قبل البداية: “بعد التحية الطيبة، أتمنى ألا يُقرأ هذا الملتمس في إطار الأسئلة الشفوية التي تلقى في قبة البرلمان. أولا لأني لست برلمانيا، وثانيا لأن مؤسستنا التشريعية تعاني اليوم من عطالة عفوا عطلتها الصيفية.
ماذا لو اجتمع برمان الأمة اليوم لتقييم نتائج الألعاب الأولمبية؟ لكن شريطة حضور الكل على غرار حضورهم في الجلسة الافتتاحية خلال الجمعة الثانية من شهر أكتوبر. أتمنى ألا نأخذ الأمر بحس الدعابة. علما أن هذا الحضور الإجباري لا يجب أن يقتصر فقط على وزارة الثقافة والشباب والرياضة، وإنما على وزارات عدة، خاصة وأن المشاركة المغربية في الألعاب الأولمبية ليست محط استراحة أو احتفاء بالمشاركة كما كان يقال لنا في طفولتنا. ولكنه صورة البلد في العالم، ليس على المستوى الرياضي فحسب وإنما على المستوى الاقتصادي والسياسي.
ودليلنا على ذلك، هو أن الدول التي تتصارع من أجل السيطرة على العالم، يتجسد صراعها أيضا في الألعاب الأولمبية. وهو للإشارة صراع ليس وليد حاضرنا، بقدر ما تجسد أولا بين الولايات المتحدة الأمريكية وألمانيا النازية، ثم بعد ذلك بين المعسكرين الشرقي والغربي إبان الحرب الباردة. وهاهو اليوم يعود مرة أخرى بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين. أما ما تبقى منهما فلا يخرج عن منافسة ذات نفس قصير، أو عن لعب دور الكومبارس. أين نحن من هذه المعادلة؟
وبناء عليه، أقول لكم “معالي” الوزير بصفتي مواطنا يؤدي الضرائب ويقوم بكل واجباته على أحسن وجه، ومن بينها الغيرة اللامشروطة على الوطن، أقول وألتمس أن يتم عقد لقاء مستعجل تتوقف من خلاله عطلة المسؤولين وفي مقدمتهم رئيس اللجنة الأولمبية بغرض طرح السؤال. لكن ليس على غرار أبطال السيرك وإنما على طريقة الخبراء الذين لا يهمهم أمد الجلوس، بقدر ما يهمهم الجواب على السؤال. لأني وكما قلت سابقا، ليست الألعاب الأولمبية مجرد محطة فقط وإنما هي تجسيد حقيقي لمكانتنا بين الدول، وبما أنكم مسؤولين عن قطاعين بينهما ارتباط كبير، فلا بأس أن نقول دون تحفظ أن الرياضة يجب أن تخدم الثقافة بقدر ما أن الثقافة يجب أن تكون خادما وفيا للرياضة. فإليكم الوصفة.
عندما يجتمع من يهمهم الأمر، من الوزير المعني إلى رئيس اللجنة ثم رؤساء الجامعات الممثلة في الألعاب الأولمبية، أول شيء يجب أن يقوموا به هؤلاء، هو الوقوف عند مدى تحقيق الأهداف المسطرة سلفا. لكن شريطة ألا نسمع أسطوانة :”المهم هو المشاركة” لأن الأموال التي تصرف من خزينة الدولة لا يتم التأشير عليها من أجل المشاركة وإنما من أجل حصد الميداليات وليس حصد لغة الخشب.
بعد تقييم شامل لمدى تحقيق الأهداف، يجب الانتقال مباشرة إلى المساءلة ثم المحاسبة. فالألعاب الأولمبية حرب رياضية بين الدول، ورئيس لجنتها الأولمبية بمثابة الجنرال الذي يقود الحرب. ولكم أن تخمنوا مصير الجنرال الذي يجر الخيبات تلو الخيبات والهزائم تلو الهزائم في الحرب. إذا استعصى عليكم الجواب عودوا إلى كتب التاريخ. لهذا قلنا سلفا أن الثقافة ستخدم الرياضة بطريقة مباشرة أو غير مباشرة. على العموم لا يوجد أي عيب في الاعتراف بالأخطاء، ومن يخطئ في مثل هذه الأمور عليه أن يغادر منصبه لصالح آخر تتوفر فيه الصفات.
هناك قاعدة تقول أنه من الغباء تغيير الركاب كلما أخطأ الربان قيادة الطائرة. وها نحن اليوم نمارسها للمرة الألف دون التمكن من الوقوف على أسباب أخطاءنا.
لقد قلت لكم “سيدي الوزير” أن هناك علاقة رضاعة بين الثقافة والرياضة، لكن للأسف هي علاقة نجهلها تمام الجهل، والحال أن التظاهرات الرياضية تبين افتقادنا لثقافة الرياضة القائمة على المنافسة واكتساب روح البطولة بدل الخوف من قدراتنا ومبادراتنا من أجل النجاح. سنكون أبطالا عندما ستتولد لنا ثقافة الرياضة التي يجب أن تحضر في الأسرة والمدرسة والإعلام والفضاء العمومي. فلماذا يتم تغييب دور نادي الرياضة في الأحياء، لما له من قيمة كبرى على مستوى اكتشاف المواهب؟ ولماذا تم إعدام البطولات المدرسية والجامعية وجعلها تظاهرة فلكلورية لا غير؟ لماذا تقصى المرافق الرياضية من البنية التحتية بشكل مخيف؟
يجب أن تعلموا “معالي الوزير المحترم” أن الرياضة عندما تمارس منذ الصغر تعلمنا العديد من القيم التي نفتقدها، أولها الانضباط وثانيها احترام الخصوم، وثالثها امتلاك روح المنافسة وروح البطل.. كما يجب أن تعرفوا أن تكوين الأبطال لا يمكن أن يحصل في ظرف أربع سنوات، وإنما هو تكوين ينمو مع البطل منذ نعومة أظافره. خذوا العبرة من الصين مثلما وجب علينا طلب العلم منها رغم بعدها الكبير جغرافيا وعلى مستويات أخرى. بقي فقط أن أختم ملتمسي هذا ـ وأعتذر عن الإطناب ـ كي أقول أن أبطالنا نالوا ميداليات ليس بفضل التكوين وإنما بالموهبة والتحدي.. وأضيف أنه لا يعقل أن يقدم أزيد من 35 مليون نسمة ميدالية ذهبية يتيمة. هنيئا لسفيان البقالي.