بعد اتخاذ السلطات الحكومية قرارا قضى بالرفع التدريجي للحجر الصحي في مختلف أنحاء المملكة، عاد أصحاب مراكز “الرقية الشرعية” إلى استئناف أنشطتهم التي توقفت بسبب فيروس “كورونا”.
وانتعشت خلال هذه الأيام، الصفحات الخاصة بهؤلاء “الرقاة” على مواقع التواصل الاجتماعي، مُعلنين عبر منشورات خاصة عن شروعهم في استقبال الراغبين في التداوي بـالرقية الشرعية، بينما اختار آخرون الدعاية لأنفسهم من خلال التنقل في ما يشبه جولة إلى عدد من مدن المملكة لعرض خدماتهم على قاطنيها.
وعلى مدى سنوات طوال، ظلت نظرة عموم المغاربة لممتهني هذا الصنف من العلاج، “إيجابية” نوعا ما، حيث كان الاعتقاد السائد، أنهم رجال دين أتقياء وأعفاء يتبعون الهدي النبوي في ما يتعلق بممارسة الرقية. ولعلّ من أبرز العوامل التي ساعدت في صنع هذا المعتقد أن الأضواء لم تكن حينها مسلطة عليهم، بالشكل الذي يُمكّن المواطنين من التعرف على كواليس هذا العالم، والوقوف عند حقيقة طيف واسع من المؤثرين فيه.
لكن، هذه الصورة “الوردية” ما لبثتت أن أصبحت سوداء عند العديدين وسط تناسل هذه المراكز كالفطر بحواضر مدن المملكة كما هوامشها، بعدما ظهر ما يبطل ورديتها في السنتين الماضيتين، بعد أن افتضح أمر الكثيرين منهم إثر اختراق عدسات الكاميرات، متخفية، فضاءهم المتكتم عنه، ما أفضى إلى توالي عمليات توقيف أشخاص منهم استغلوا جهل بعض المواطنين وسذاجتهم فأوقعوهم في شباكهم بدعوى “إخراج الجن”، وتيسير الزواج والعمل وعلاج الحسد أو العين، وإبطال السحر وقضاء مختلف حوائج الدنيا. وقد كان لمنصات التواصل الاجتماعي دورا بارزا في كشف هذا الواقع.
وبالرغم من ذلك، فإن العديد من هذه المراكز التي تفتح أبوابها في بادئ الأمر على أساس أنها “معشبة” قبل أن تتحول إلى “مراكز الرقية الشرعية” في خرق واضح للقانون، مازالت تتاجر في صحة ونفسية المغاربة وتَعرض، بدون حسيب ولا رقيب، خدماتها “الخارقة” في علاج الأمراض العضوية منها والنفسية التي استعصت على الأطباء وعلماء طب النفس، سيما وأن جميع القطاعات الحكومية نفضت يدها تماما من هذه الخروقات ولم تتخذ أي قرار في اتجاه القطع مع هذا الواقع.
وقبل حوالي عامين أطلق نشطاء على “فيسبوك” حملة واسعة لإغلاق هذه الفضاءات التي تدر على أصحابها أموالا طائلة مع محاسبة أصحابها، وذلك عقب تفجر قضية بطلها “راق” من بركان استدرج مجموعة من الفتيات واستغلهن جنسيا. وكانت هذه الحملة قد وصلت إلى البرلمان، لكنها ظلت مجرد صرخة في واد.