عزيز إدمين
شرعت اللجنة المكلفة من قبل الملك بإعداد وصياغة نموذج تنموي جديد للمغرب، بعقد جلسات الاستماع مع الأحزاب السياسية والنقابية والمدنية، وهي مقاربة تستند على إشراك الفاعلين، غير الرسمين، في إيجاد نقط مشتركة حول العناصر الكبرى لأي نموذج آخر سوف يرهن مستقبل المغرب لسنوات قادمة.
بعيدا عن النقاشات الأولية المرتبطة بأعضاء اللجنة، وتماس اختصاصات اللجنة مع مؤسسات دستورية أخرى، فإن مضمون هذا النموذج سيمر عبر ميزان قياس النجاعة والفعالية.
إن أي نموذج تنموي لا يستقيم إلا بمرتكزاته الأساسية، وهي السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والحقوقية، إذ أنها مرتكزات تشكل خيوط متوازية فلا غلبة للمرتكز الاقتصادي على باقي المرتكزات، ولا يمكن التنقيص من أهمية أي مرتكز.
هذه الورقة تقدم مساهمة ذات الصلة بالمرتكز الحقوقي، رغم أن السائد أن حقوق الإنسان مرتبطة بالحقوق المدنية والسياسية بشكل كبير، وهو أمر صحيح في الدول غير الديمقراطية أو الدول الهجينة، حيث يكون منسوب مطلب حرية التعبير والرأي والحق في التظاهر والمحاكمة العادلة … أكبر من منسوب مطلب التنمية كحق، إلا أن المنتظم الدولي صاغة مؤشرات عديدة لقياس التنمية من خلال بعدها الحقوقي.
أولا: المؤشرات العالمية لحقوق الإنسان ذات الصلة بالتنمية
وضعت الأمم المتحدة خارطة الطريق للدول الفقيرة والغنية والمتوسطة بهدف القضاء على الفقر من خلال مداخل التعليم والصحة والحماية الاجتماعية وفرص العمل مع معالجة تغير المناخ وحماية البيئة، وذلك من خلال أجندة 2030 لأهداف التنمية.
وهي الأجندة التي استندت عليها المفوضية السامية لحقوق الإنسان، واعتمدت الأهداف 17 والإجراءات ال 169 كمؤشرات لقياس التنفيذ الفعال، ورصد التقدم المحرز وأخيرا بناء الشراكات الاستراتيجية.
تستند مؤشرات حقوق الإنسان بخصوص أجندة التنمية 2030 على مصادر معلومات مستمدة من الاستعراض الدوري الشامل والإجراءات الخاصة وهيئات لجن التعاهدات.
ومن خلال مسح شامل للتوصيات والملاحظات الصادرة عن هيئات الأمم المتحدة المعنية بحقوق الإنسان في علاقة بالتنمية بالمغرب نجد:
1- مؤشر القضاء على الفقر الذي يستند إلى سبع إجراءات، قدمت له 23 توصية وملاحظة؛
2- مؤشر القضاء على التام على الجوع الذي يستند على ثماني إجراءات، قدمت له 12 توصية وملاحظة؛
3- مؤشر الصحة الجيدة الذي يستند إلى 13 إجراء، قدمت للمغرب 38 ملاحظة وتوصية؛
4- مؤشر التعليم الجيد الذي يستند إلى 10 إجراءات، قدمت للمغرب 69 توصية وملاحظة؛
5- مؤشر المساواة بين الجنسين والذي يستند إلى 10 إجراءات، قدمت للمغرب 99 توصية وملاحظة؛
6- مؤشر المياه النظيفة والذي يستند إلى ثماني إجراءات، قدمت للمغرب 7 توصيات؛
7- مؤشر الطاقة النظيفة، والذي يستند إلى خمس إجراءات، قدمت للمغرب توصية واحدة؛
8- مؤشر العمل اللائق ونمو الاقتصاد، والذي يستند إلى 12 إجراء، قدمت للمغرب 83 توصية وملاحظة؛
9- مؤشر الصناعة والابتكار والبنيات الأساسية، والذي يستند إلى 8 إجراءات، قدمت له توصيتين؛
10- مؤشر الحد من عدم المساواة، والذي يستند إلى 10 إجراءات، قدمت له 58 توصية وملاحظة؛
11- مؤشر مدن ومجتمعات محلية مستدامة والذي يستند إلى 10 إجراءات، قدمت له 16 توصية وملاحظة؛
12- مؤشر الاستهلاك والإنتاج المسؤولان، والذي يستند إلى 11 إجراء قدمت له توصية واحدة؛
13- مؤشر العمل المناخي والذي يستند إلى 5 إجراءات، قدمت للمغرب توصية واحدة بهذا الصدد؛
14- مؤشر السلامة والعدل والمؤسسات، التي يستند إلى 12 إجراء، قدم للمغرب 197 توصية وملاحظة؛
15- مؤشر عقد الشراكة لتحقيق التنمية، الذي يستند إلى 19 إجراء قدم للمغرب 36 توصية وملاحظة؛
16- مؤشري كل من الحياة تحت الماء والحياة في البر، ويستندان إلى 22 إجراء، لم يقدم للمغرب أي توصية بشأنهما؛
من خلال استعراض خريطة التوصيات الصادرة عن هيئات حقوق الإنسان كل من الاستعراض الدوري الشامل واللجن التعاهدية والإجراءات الخاصة، بشأن موضوعات التنمية، نجد أن المغرب أمامه 670 توصية وملاحظة تهم كل مناحي التنمية في المغرب، والتي يجب أن يقوم بتنفيذها على أبعد تقرير سنة 2022.
ولكن هل المغربي جدي في التعاطي الإيجابي مع توصيات الأمم المتحدة بشأن حقوق الإنسان.
ثانيا: عدم التفاعل الإيجابي للمغرب مع هيئات الأمم المتحدة
في كل محطة يحاول المسؤولون الحكوميون والرسميون في المغرب التأكيد أن المغرب يتعاطى إيجابيا مع هيئات الأمم المتحدة المعنية بحقوق الانسان.
إن تناول موضوع تقديم التقارير الرسمية أمام هيئات اللجن الأممية واستقبال الإجراءات الخاصة، يعكس الإرادة السياسية والحقوقية للدولة في إعمال التوصيات الصادرة وتنفيذ الالتزامات الطوعية، وعدم تقديم هذه التقارير دليل على تهرب المغرب من المسؤولية الدولية التي قبلها عن طواعية وبشكل إرادي.
من أصل تسع لجن معاهدات بالإضافة إلى اللجنة الفرعية المعنية بالتعذيب التي زارت المغرب سنة 2017، وطلب منها المغرب أن يبقى تقريرها سريا وعدم نشره، نجد ما يلي:
1- لجنة مناهضة التعذيب: المغرب لازال متأخرا عن تقديم تقريره منذ 25 نونبر 2015؛
2- لجنة حماية الأشخاص من الاختفاء القسري: المغرب لازال متأخرا عن تقديم تقريره منذ 14 يونيو 2015؛
3- لجنة القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة: : المغرب لازال متأخرا عن تقديم تقريره منذ 21 يوليوز 2014؛
4- لجنة القضاء على التمييز العنصري: المغرب لازال متأخرا عن تقديم تقريره منذ 17 يناير 2014؛
5- لجنة حقوق العمال المهاجرين: : المغرب لازال متأخرا عن تقديم تقريره منذ شتنبر 2018؛
أما بخصوص نظام الإجراءات الخاصة، والتي دائما تعلن الحكومة أنها استقبلت عدد منهم منذ 2012، فإن مقررين كثر طالبوا بالقيام بالزيارة للمغرب حيث إما تم رفضها بتجاهلها أو تعقيد المساطر عليها، ونذكر:
1- الفريق العامل المعني بمسألة حقوق الإنسان والشركات العابرة القوميات وغيرها من الأعمال التجارية، الذي تقدم بطلب الزيارة بتاريخ 24 يوليوز 2019؛
2- المقرر الخاص المعني بحرية الدين أو المعتقد، الذي لازال منذ يناير 2014 زيارته معلقة؛
3- المقرر الخاص المعني بالفقر المذقع وحقوق الإنسان الذي طلب الزيارة سنة 2015، ألغي الطلب فيما بعد لأسباب مجهولة؛
4- المقرر الخاص المعني بحقوق الإنسان في الحصول على مياه الشرب الآمنة وخدمات الصرف الصحي، الذي منذ سنة 2010 إلى غاية 23 فبراير 016 وطلبات الزيارة معلقة؛
5- المقرر الخاص المعني باستقلال القضاة والمحامين، الذي منذ يناير 2014 وهو يتفاوض حول شكل ومسطرة ومقاربات زيارته للمغرب، والتي مرت باتفاقات وتم بعد ذلك التراجع عنها بتواريخ دجنبر 2017،يناير 2018، نونبر 2018 آخرها من 20 إلى 27 مارس 2019 والتي ألغيت في آخر لحظة من قبل المقرر، بدعوى أن المغرب يشترط عددا من الإجراءات أثناء الزيارة؛
6- المقرر الخاص المعني بحقوق المهاجرين الذي تقدم بطلب بتاريخ 8 فبراير 2019؛
7- المقرر الخاص المعني بالحق في حرية الاجتماع السلمي والانضمام إلى الجمعيات، الذي تقدم بطلب شتنبر 2011، وقام بتذكير المغرب سنوات 2013، 2017، 2018؛
8- المقرر الخاص المعني بحقوق الإنسان والبيئة، وطلب الزيارة معلق منذ 29 أكتوبر 2013؛
9- المقرر الخاص المعني بحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، وطلب زيارته معلق منذ 20 أبريل 2015؛
10- المقرر الخاص المعني بحالات التعذيب الذي جدد طلب زيارته الثانية للمغرب بتاريخ 4 أيريل 2016؛
11- المقرر الخاص للجنة حقوق الإنسان المعني بحق كل فرد في التمتع بأعلى مستوى من الصحة البدنية والعقلية يمكن بلوغه الذي تقدم بطلب سنة 2013 وأعاد تجديد الطلب بتاريخ 22 فبراير 2016؛
12- المقرر الخاص المعني بالإعدام خارج القضاء أو بإجراءات موجزة أو تعسفا الذي تقدم بطلب سنة 2015؛
13- المقرر الخاص المعني بما للإدارة السلمية بيئيا للمواد والنفايات الخطرة والتخلص منها من آثار على حقوق الإنسان الذي تقدم بطلب سنة 2015؛
14- المقرر الخاص المعني بتعزيز وحماية الحق في حرية الرأي والتعبير الذي تقدم بطلبه منذ سنة 2015؛
15- المقرر الخاص المعني بالسكن اللائق كعنصر من العناصر المكونة للحق في مستوى معيشي ملائم الذي تقدم بطلب منذ سنة 2005، وكان آخر تجديد للطلب 30 يناير 2015؛
أما فيما يخص آلية الاستعراض الدوري الشامل، فالمغرب قدم تقريره النصف الدوري الشامل في شتنبر 2019، إلا أنه تقرير أحادي حكومي وليس تقريرا وطنيا لكونه لم ينجز بالاستشارة مع المجتمع المدني.
خلاصات:
إن المؤشرات الكمية والنوعية في مجال حقوق الانسان والمتعلقة بالتنمية، آلية أساسية لقياس التقدم سواء “أثناء” أو “بعد” إعمال النموذج الجديد، ولكن هذا الأخير سيكون بلا طعم وجسد وبلا روح إذا لم تستبقه “قبلا” مقدمات أساسية وهي: الانفراج الحقوقي، وإطلاق سراح كل المتعلقين السياسيين ومعتقلي الرأي والمعتقلين على خلفية احتجاجات اجتماعية؛
إعداد وصياغة سياسة عامة للدولة في مجال حقوق الانسان كاختصاص للمجلس الوزاري بالفصل 49 من الدستور، وسياسة عمومية وطنية ومندمجة في مجال الحريات والحقوق كاختصاص حكومي (الفصل 92 من الدستور)؛
الحد من تعدد المتدخلين الحكوميين في مجال حقوق الإنسان، فمن غير المعقول وجود وزارة لحقوق الانسان ومندوبية وزارية لحقوق الانسان، وقد أبانت تجربة المندوبية في الفترة ما بين 2011 إلى 2014 عن قدرتها في التفاعل الإيجابي مع هيئات الأمم المتحدة، حيث تلقت تنويها من قبل مجلس حقوق الانسان والمفوضية السامية لحقوق الانسان باعتبارها ممارسة فضلى عالمية، مما يقتضي العمل بآلية المندوبية الوزارية وإلغاء وزارة حقوق الانسان؛
تنويع اليات الحماية، فالمجلس الوطني لحقوق الانسان أصبح يعاني من “ثخمة” الاختصاصات دون ممارستها، و”تغوله” في مجالات ذات خبرة ومهنية خاصة لم يتوفق في التجاوب معها، مما يتطلب إخراج الآليات الحمائية من تحت إشرافه وسن قوانين جديدة لكل من الآلية الوقائية من التعذيب والآلية الوطنية لحماية والنهوض بالأشخاص في وضعية إعاقة والآلية الوطني لحماية الأطفال، قوانين تضمن التنوع داخل هذه الآليات وتضمن أيضا استقلاليتها، استقلالية وظيفية ومالية. وأيضا إنشاء آلية جديدة تحل محل لجنة متابعة تنفيذ توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة، آلية تستكمل ورش الحقيقة المفتوح والاختفاء القسري ومعالجة الملفات العالقة؛
التنفيذ الكامل لتوصيات هيئات الأمم المتحدة ذات الصلة بحقوق الإنسان والتفاعل الإيجابي مع ملاحظاتها؛
وأخيرا، إحداث هيئة عامة للنموذج التنموي، تتشكل من الأقطاب الكبرى للتنمية، السياسية والاقتصادية والثقافية والحقوقية والاجتماعية، تتولى مواكبة وتتبع وتقييم، بشكل دوري وسنوي، تنفيذ أهداف ومقاصد وإجراءات النموذج التنموي الجديد.