عبد الكبير طبيح

مر ما يقرب من 9 سنوات على دخول دستور 2011 حيز التنفيذ في بلادنا، ويظهر أننا لم نستطع اللحاق بقطاره، إذ لم يكن ذلك الدستور أكثر من أن يستوعبه بعض الفاعلين السياسيين الذين يتولون أمور تدبير شأننا العام.

لقد كان من أهم ما أتى به دستور 2011 هو احترامه للمنهجية الديموقراطية، وهو ما طبقه جلالة الملك عندما عين رئيس الحكومة من الحزب الذي تصدر الانتخابات الأخيرة، و ذلك في اليوم الثالث لإعلان نتائجها. وهو ما يكذب ما روج له ما سمي بـ “البلوكاج “. بينما البلوكاج الحقيقي هو الذي مارسته الأحزاب التي تشتكي اليوم من “البلوكاج” بعد انتخابات 2002، عندما تصدر الاتحاد الاشتراكي تلك الانتخابات. و تم عرقلة قيادته للحكومة. وهو الموضوع الذي يمكن الرجوع إليه عند المنازعة في هذه الواقعة التي شهد عليها التاريخ السياسي المغربي.

وعندما عجز الشخص المعين عن تشكيل أغلبية برلمانية تستند إليها الحكومة التي سيقترحها على جلالة الملك من أجل تعيينها، ثم يعين شخص آخر ليشكل الحكومة، لكن من نفس الحزب الذي تصدر الانتخابات.

فالحكومة الحالية إذن هي مسندة إلى أغلبية يشكل الحزب السياسي الذي ينتمي إليه رئيسها الاغلبية داخلها.

فالسند الدستوري والبرلماني للحكومة هو أعضاء مجلس النواب المنتمين للحزب الذي ينتمي إليها رئيسها.

وإذا كنا نستحضر أن الحكومة في ظل كل الدساتير التي عرفها المغرب كانت تستمد وجودها من تعيينها من قبل جلالة الملك فقط، أي لم يكن للبرلمان أي دور أو سلطة أو اختصاص في ذلك التعيين، وإنما التصويت الذي يقوم به مجلس النواب كان ينصب على البرنامج الذي يقدمه الوزير الأول وليس على تنصيب الحكومة، و ذلك إعمالا للفصل 60 من دستور 1996 مثله مثل كل الدساتير السابقة، تنص على ما يلي:
“الحكومة مسؤولة أمام الملك وأمام البرلمان
“يتقدم الوزير الأول أمام كل من مجلس البرلمان بعد تعيين الملك لأعضاء الحكومة، ويعرض البرنامج الذي يعتز تطبيقه، ويجب أن يتضمن هذا البرنامج الخطوط الرئيسية للعمل الذي تنوي الحكومة القيام به في مختلف مجالات النشاط الوطني وبالأخص في ميادين السياسة والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والخارجية.
يكون البرنامج المشار إليه موضوع مناقشة أمام كلا المجلسين وتتلوا مناقشته في مجلس النواب بتصويت يجب أن يقع وفق الشروط المنصوص عليها في الفقرتين الثانية والثالثة من الفصل 75 و يترتب عليه الأثر المشار إليه في الفقرة الأخيرة منه

وأنه بالرجوع إلى الفصل 75 من نفس الدستور نجده ينظم كيفية سحب الثقة من الحكومة، وهو ما يؤكد أن وجود الحكومة مرتبط فقط بتعيينها من طرف جلالة الملك وهي قائمة و على من يعترض عليه ان يقدم طلب سحب الثقة منها.

لكن، التحول الكبير، الذي لا يظهر أن بعض الفاعلين السياسيين استوعبوه، هو أن الحكومة التي تعين في ظل الدستور الحالي، لابد لها من الحصول على ان يتم تنصبيها من قبل مجلس النواب وذلك وفقا لأحكام الفقرة الأولى والثانية من الفصل 47 الذي ينص على ما يلي:
“يعين الملك رئيس الحكومة من الحزب الذي يصدر انتخابات أعضاء مجلس النواب وعلى أساس نتائجها ويعين أعضاء الحكومة باقتراح من رئيسها

وأحكام الفصل 88 من الدستور الحالي الذي ينص على ما يلي:
“بعد تعيين الملك لأعضاء الحكومة يتقدم رئيس الحكومة أمام مجلس النواب مجتمعين، ويعرض البرنامج الذي يعتزم تطبيقه بكون البرنامج المشار إليه …إلخ
يعتبر الحكومة منصبة بعد حصولها على ثقة مجلس النواب المعبر عنها بتصويت الأغلبية المطلقة للأعضاء الذين يتألف منهم لصالح البرنامج الحكومي

وأنه يتبين أن الوضع الدستوري للحكومة اليوم هو مرتبط كذلك بألية التنصيب من قبل مجلس النواب أي القاعدة المكونة من أغلبية أعضاء مجلس النواب.

فعندما يعارض الحزب الأول الذي يشكل أغلبية داخل الأغلبية بمجلس النواب الحالي، أن الرئيس الدستوري للأغلبية بذلك المجلس هو رئيس الحكومة، في قضية تهم السياسات الاستراتيجية التي وضعتها الحكومة في مجال حساس كالتعليم، فإن ذلك يعني أن الأغلبية تعيد النظر في تنصيبها لحكومتها.

إن ما يدفع إلى هذا الواقع هو عدم فهم الرأي العام المعنى السياسي والحقوقي والمجتمعي، لموقف حزب رئيس الحكومة. إذ كيف يعقل أن الحزب الأول في الأغلبية الذي ينتمي له رئيس الحكومة هو من يعترض على السياسة التعليمية التي وضعتها حكومة الحزب الأول في مجلس النواب.

وإنه من المفيد، التذكير أن هذا التصرف يعتبر التصرف الثالث من نفس النوع، الذي يقوم به نفس الحزب.

فبالإضافة الى اعتراض الحزب الأول بمجلس النواب على إلاجراءات التي اتخذتها حكومته السابقة بخصوص أزمة التقاعد و أزمة المتعاقدين من رجال التعليم, فلقد مارس نفس الشيء عندما قدمت حكومته للبرلمان القانون التنظيمي المتعلق بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية والقانون التنظيمي المتعلق بالنظام الأساسي للقضاء ضمنت فيه، أي الحكومة، أن النيابة العامة ستصبح تابعة للوكيل العام للملك لدى محكمة النقض.

غير أن الحزب الأول في الأغلبية في مجلس النواب سيتقدم بمقترح تعديل يقضي بأن تبقى النيابة العامة تابعة لوزير العدل، وكأن أعضاء الحزب الذي ينتمي له رئيس الحكومة لا علاقة لهم بحكومتهم.

إن تصرف كهذا لا يعني إلا أن البعض يتصرف خارج المنطق الدستوري لدستور 2011، وبالتالي خارج أي فهم صحيح للفعل الديموقراطي الذي يلزم أعضاء الأغلبية، على الخصوص، الحزب الذي ينتمي له رئيس الحكومة، بالدفاع على سياسة حكومته، وليس أن يتحولوا إلى معارضين لها. مع الاحتفاظ بوضعه داخل البرلمان

وأن معارضة أعضاء الحزب الذي ينتمي إليه رئيس الحكومة للقانون الذي قدمة هذا أخير هو من الناحية الدستورية تراجع الاغلبية عن تنصيب حكومة رئيس الحكومة، فيجب, وفقا لأخلاقيات العمل السياسي النبيل و المؤمن بالديمقراطية, أن يذهب أعضاء مجلس النواب إلى نهاية موقفهم بإعمال مقتضيات الفصل 105 الدستوري إذا كانوا فعلا يعارضون حكومتهم. وإلا فعليهم مساندتها.

أما إذا كان الغرض من الموقف هو توجيه رسائل للرأي العام فقط، مفاده على أنهم حماة اللغة العربية, فإن هذا السلوك يطرح إشكالية ممارسة السياسة في علاقتها مع الأخلاق, نظرا لكون كل من له إمكانيات و لو عادية لا يوجد له أي طفل في المدرسة العمومية, التي تريد لها الأغلبية ان تسجن أبناء الطبقات الفقيرة في اللغة العربية وحدها و التي يعلم الجميع, و في مقدمتهم أعضاء الاغلبية البرلمانية, انها اليوم لا تساعد على الحصول على أي عمل يمكن أي شاب من العيش العادي.
فكيف تطلبون من المواطن ان يسترجع ثقته في الساسة و السياسيين، وهو يلاحظ أن بعضهم يقولون ما لا يفعلون.

فاتقوا الله في هذا الشعب.

التعليقات على تحليل.. هل الحزب الأول في مجلس النواب تراجع عن تنصيب حكومته؟ مغلقة

‫شاهد أيضًا‬

“الجمعية” تنشر تقريرا “قاتما” عن وضعية حقوق الإنسان بالمغرب