محمد الطالبي
نزلت جميلة بوحيرد، مرة أخرى، إلى ساحات الجزائر، معانقة أحلام شعبها في التحرر من النظام ومن التخلف، وهي التي سيقت سابقا إلى أعتى دهاليز التعذيب الفرنسي، أجمل نساء المغرب كما وصفها نزار قباني وقبله زوجها “محامي الشيطان” جاك فيرجيس، والذي اختارت أن تغيب عن مراسيم دفنه قبل سنوات لاعتبارات تعرفها جميلة وجميلة فقط.
نزول جميلة في مواجهة الوحش، والوحش ليس إنسانا بعينه، هو نظام امتد وامتد ضدا عن أحلام المغرب الكبير وعمق جراح الانفصال بدل أحلام الوحدة والتكامل وعصف بكل الألوان القزحية التي كتبت بالدم الموحد من أجل الاستقلال وتنكر للتاريخ.. كل التاريخ…
حين فشل المعذِّبون الفرنسيون في انتزاع أي اعتراف منها تقرر محاكمتها، صورياً، وصدر بحقها حكم بالإعدام عام 1957، وأثناء المحاكمة وفور النطق بالحكم قالت : ( أعرف أنكم سوف تحكمون علي بالإعدام لكن لا تنسوا أنكم بقتلي تغتالون تقاليد الحرية في بلدكم ولكنكم لن تمنعوا الجزائر من أن تصبح حرة مستقلة).
تحدد يوم 7 مارس 1958 لتنفيذ الحكم لكن العالم كله ثار واجتمعت لجنة حقوق الإنسان بالأمم المتحدة بعد أن تلقت الملايين من برقيات الاستنكار من كل أنحاء العالم فتأجل تنفيذ الحكم ثم عُدّل إلى السجن مدى الحياة.
وقد سبق وكتبت عن هذه الأيقونة الإنسانية والثورية مقالا في آخر يوم من سنة 2009 بعدما أعلنت أنها عاجزة عن توفير ما تسد به رمقها وعلاجها، في زمن التشدق بالثورة وفورات الغاز المكدس في خزائن محيط قصر المرادية …
“أن تطلب المناضلة الكبيرة جميلة بوحيرد من الشعب مساعدتها في تكاليف العلاج، فهذا خبر جَلَل، مزلزل. تقل سطوة وجبروت الزلزال وقوته التدميرية أمامه، لأن الأمر يتعلق بمجاهِدة من العيار الثقيل، مازالت رائحة كي ثدييها بأعقاب السجائر من طرف كولونياليي فرنسا القرن الماضي تعطر سماء بلد المليون شهيد…
جميلة امرأة بحجم العالم وصرخاتها تحت السياط وعض الكلاب المدربة على نهش لحوم المجاهدات والمجاهدين، الذين قدموا أرواحهم فداء للحرية والتحرر، تلجأ في أرذل العمر لطلب إنصاف الشعب الجزائري.. ياللعار، كيف تغيرت الدنيا ويراد إهانة الثوار مرة أخرى ياللعار، لمن تنكر لجميلة بوحيرد ولنضال المجاهدين وحلم المغرب العربي الكبير الذي سالت من أجله أنهار من الدماء الطاهرة الزكية، ملايين القتلى والمعطوبين والمهجرين وسجون في كل مكان من أجل الاستقلال والحرية.
أكل هذا من أجل أن لا تجد بوحيرد الجميلة ما تؤدي به تكاليف العلاج، من أمراض ألمت بها في أرذل العمر ولعلها في الغالب من آثار غارات فرنسا على جسدها الطري، حيث تعرضت لأبشع أنواع التعذيب ولعل جاك فيرجيس يعرف الكثير من التفاصيل منذ أن وقف لابسا بذلته السوداء للدفاع عن جميلة ضد الحكومة الاستعمارية لبلاده.
إن ما يقع إهانة لكل الجزائريات والتونسيات والليبيات والموريتانيات والمغربيات، كل المغرب العربي معني بحالة جميلة بوحيرد وخاصة نساءه المناضلات، سياسيات وحقوقيات وفي كل المجالات.
أن تخرج جميلة الى الشارع يعني أن ثقل التاريخ والمستقبل مازال طازجا، سواء سقطت العهدة الخامسة أو استمرت، فالأمر منته وحكم التاريخ صدر ..جميلة أعلنت وفاة الوحش!
الرميد يعارض تعديلات مدونة الأسرة: “إذا كانت ستكرس مزيدا من الانحدار والتراجع السكاني فإنه ليس من الحكمة اعتمادها”
مصطفى الرميد* من حقنا- نحن المغاربة- ونحن نعيش في عالم قلق ومضطرب، أن ننوه بمثانة مؤسسات ب…