صدر عن دار النشر المغربية كتاب الكهف والرقيم، لمحمد البريني، الصحفي القدير الذي اشرف على ادارة جريدة الاتحاد الاشتراكي مدة ليست هينة من القرن الماضي. والمؤلف عبارة عن مذكرات يشرح فيها الكاتب وقائع ما جرى خلال صيف 1995، عندما اندلعت ازمة سياسية في حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية ابتدأت بتقديم الكاتب الأول للحزب، عبد الرحمان اليوسفي، لاستقالته من تسيير الحزب والاستعداد لاستقبال رجوع الفقيه البصري للمغرب بعد العفو الملكي على مجموعة من المنفيين.
المذكرات كتبت بأسلوب شيق تؤرخ لتلك المرحلة المهمة من تاريخ اقوى حزب سياسي سابقا، كما تؤرخ لنوع خاص من العمل السياسي، يمكن من خلال تمحيصه، فهم بؤس واقع النضال السياسي الحزبي حاليا وفشله في خلق نخبة سياسية يمكنها أن تؤهل البلاد وتنمي العمل السياسي.
في تلك الفترة، كما يسرد الكاتب، تم اتهام محمد البريني بأنه خذل القيادة الحزبية وساير جناح من الحزب ضد جناح آخر، في تغطية الجريدة لعودة الفقيه البصري ولانشطة ومواقف سياسية اخرى القيادة الحزبية، وتم اتهامه بانه متآمر على الحزب بهدف نسفه (نظرية معروفة داخل الحزب تهدف تصفية كل من يخالف الراي بانه عميل ومسخر من طرف…)، فتم دفعه إلى مغادرة الجريدة التي عمل على تطويرها وتهميشه لكي تستتب الأمور للمجموعة التي ستحظى بعد ذلك بالاستفادة، بشكل مباشر أو غير مباشر، من ريع ما سمي بحكومة التناوب التوافقي فيما بعد.
الكتاب يعتبر وثيقة مهمة لتاريخ فترة مهمة من الصحافة الحزبية بالمغرب، تلك الصحافة التي ساهمت في تنوير الرأي العام وحشد المناضلين وتثبيت خطاب خاص بها، قبل أن تتحول الآن لمؤسسات ريعية تعيش على دعم الدولة، بدون قراء، وبوجود صوري في الساحة الإعلامية تعيش على الماضي الذي يتم استغلاله لانتزاع امتيازات وظيفية وريعية.
فالقارئ يدرك من خلال صفحات الكتاب أن الديمقراطية المنشودة ظلت غائبة في تسيير أكبر حزب سياسي بالمغرب، تلك الديمقراطية التي يطالب ويبشر بها المجتمع.
وقد يجد كذلك الملاحظ السياسي بالمغرب ضالته في فهم ظاهرة العزوف السياسي للشباب بالمغرب وعدم مشاركته في العمليات الانتخابية وابتعاد المواطن بشكل عام عن النشاط السياسي، عند قراءته لاستنتاجات الكاتب الذي وبحسن نية آمن بفكرة العمل الحزبي وبفكرة دوره في تطوير البلاد والمساهمة في خلق مناخ ديمقراطي يستجيب لمتطلبات المغاربة.
“الكهف والرقيم” وثيقة اخرى لفهم أسباب ضحالة العمل السياسي والحزبي بالمغرب، ويعتبر شهادة أخرى عن التضحية بالمبادئ من اجل الجاه والتموقع واللهث وراء سراب الزعامة.
*محمد المذكوري