قال الحبيب المالكي رئيس مجلس النواب المغربي، في كلمته، في افتتاح أشغال المؤتمر البرلماني الدولي حول الهجرة، صباح اليوم بمقر مجلس النواب 6 دجنبر 2018، “إننا..، في ما يرجع إلى قضية الهجرة، أمام اختيارٍ حضاري في القرن الواحد والعشرين، أي أمام سؤال، بأبعادَ إنسانيةٍ وثقافيةٍ وأخلاقيةٍ وسياسيةٍ واجتماعيةٍ واقتصاديةٍ، بل ووجوديةٍ، سؤال يُمْكِنُ تلخيصُه في: أيُّ حضارةٍ تُرِيدُ المجموعةُ الدولية بناءَها؟ وأيُّ حضارةٍ تريد الدولةُ القُطْرِيَةُ بِناءَها في العصر ما بعد الصناعي والتكنولوجي، وفي عصرِ ما بعد العولمة؟ وأيُّ علاقاتٍ دوليةٍ نريد؟ وأي أفُقٍ نَسْلُك: أُفُقُ الانفتاحِ والتفاعلِ وحرية ِالتنقل، أو أفُقُ الانطواء والانغلاق والقَوْمِيات الضيقة؟
وإذا كانت الخطابات والسياسات المناهضة للهجرة تجتهدُ لإعادةِ تَشْكِيلِ ثقافةِ التعايشِ والتحررِ والانفتاحِ التي شكلت أساسَ الديمقراطيات المعاصرة بِحُمُولاتها القَيْمِيَةِ والحقوقية، فإن المجموعةَ الدوليةَ، والضميرَ العالمي مُمْتَحَنَان في مدى الالتزامِ بمبادئِ ومعاييرِ حقوق الإنسان والقدرةِ على الادماج وقبولِ الآخر والتضامن في زمن الأزمات، بل إن إنسانيتَنا هي الـمُمْتَحَنةُ اليوم في قضية الهجرة”.
واضاف المالكي، “..لقد ارتبطت الهجرةُ دائماً بالظروف الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، وهي بذلكَ ظاهرةٌ تاريخيةٌ، ترتبطُ اليوم بالسياقات الجيوسياسية والجيوستراتيجية، تُؤثِّرُ فيها وتَتَأَثَّرُ بها، كما ترتبطُ، في جزءٍ كبير منها، بالظروف الاقتصادية وبالاختلالات المناخية الحَادَّة. لا يتعلقُ الأمرُ، إذن، بحركاتٍ آنيةٍ أو ظرفيةٍ عابرةٍ، ولكن بظاهرةٍ بِنْيَوية تُشَكِّلُ جزءً من النظام العالمي المعاصر، ظاهرةٌ مرشحة للاستمرار، بل وللتوسع والاستفحال، باستفحالِ أسبابِها وجذورِها”.
واسترسل المالكي قائلا، “.. يشكل اعتماد الميثاق العالمي من أجل هجرة آمنة ومنظمة ونظامية حدثاً دولياً فاصلاً ويُدَشِّنُ لمرحلة مهمة في العلاقات الدولية، يكاد لا يُضَاهِيهِ سِوى اعتماد ميثاق الأمم المتحدة في أعقاب الحرب العالمية الثانية والإعلان العالمي لحقوق الإنسان عام 1948 (الذي نحتفل بعد ثلاثة أيام بمرور 70 عاما على صدوره)، والعهود الدولية اللاحقة لهما. وإن من إيجابيات الميثاق العالمي حول الهجرة كونُه يستندُ في ديبَاجَتِه على مجموع المواثيق الدولية ومَقَاصِدِها، ويُذَكِّرُ بها ويُدمجُها في مقتضيَاتِه، بقدرِ إدماجِه واستحضارِهِ للأجيالِ الجديدة من انشغالاتِ وقضايا المجموعة الدولية ومن حقوق الإنسان، وخاصةً الحق في البيئة السليمة والتصدي لأسبابِ وانعكاساتِ الاختلالاتِ المناخية. وهو على هذا النَّحْوِ، آليةٌ شاملةٌ، ومتوجهةٌ إلى المستقبل، ويمكنُ اعتبارهُ من الإنجازات الأممية الحاسمة خلال الألفية الثالثة. إنه تتويجٌ لمسار شاقٍ وطويلٍ من التفكير والنقاش والتفاوض والدراسات والاستشارات، برعاية الأمم المتحدة، مما أنتج وثيقةً، وإن كانت غير مُلزِمة، فإنَّ لَهَا سلطةً سياسيةً وثقافيةً وبيداغوجية ورمزية. وفي هذا الصدد ينبغي التذكير بأهمية المساهمة البرلمانية التي أَطَّرَها وصاغها الاتحاد البرلماني الدولي والتي ضَمَّنَها في عدة وثائق منها على الخصوص الإعلان المتعلق بتعزيز النظام العالمي للمهاجرين واللاجئين المعتمد في مارس 2018، والقرار المتعلق بتعزيز التعاون البرلماني في مجال الهجرة وإدارتها في ضوء اعتماد الاتفاق العالمي من أجل هجرة آمنة ومنظمة ونظامية المعتمد في أكتوبر 2018″.
وأكد المالكي على القول أنه،”.. على البرلماناتِ الوطنية، كما على المنظماتِ البرلمانية المتعددة الأطراف، تقعُ مسؤوليةٌ كبرى في التَّرافُعِ من أجل التصدي لأسباب الهجرة، وفي مقدمتها تحقيقُ التنمية في البلدان الأصلية ومواجَهَةُ انعكاساتِ الاختلالات المناخية وترسيخُ البناء الديموقراطي المؤسساتي وتيسيرُ التماسك الاجتماعي وتخفيفُ الفوارق الترابية والاجتماعية”.