يوسف غويركات
لا حديث هذا اليوم سوى عن الآلة التي ابتكرتها الشركة المكلفة بتدبير المعرض الدولي للكتاب. آلة عجيبة حقا، بلمسة خفيفة عن بعد تتعرف على القارئ وتميزه عن غير القارئ. فتترك القارئ يدخل المعرض وتمنع غير القارئ، لأنه يضيع وقته وجهد الساهرين على صناعة الكتاب دون فائدة ما دام لا يقرأ.
عند مدخل المعرض تبرز آلة غريبة متوسطة الحجم، مزودة بشاشة عرض تتلألأ بألوان متعددة، لم أتبين ماهيتها ووظيفتها ولم أعرف ما إذا كانت جزءا من عرض تفاعلي أم مجرد تمثال آلي.
فجأة تفتح الآلة شاشتها العرضية وتظهر كلمات تتشكل ببطء: “مرحبًا، أيها القارئ، تفضل بالدخول.”
عذرا يُحظر دخول المعرض لأولئك الذين لا يقرأون، ويظهر على الشاشة: “آسف، هذا المعرض مخصص للقراء فقط.”
ما هذا بحق السماء؟
تتجول سلوى أبو العزائم (قارئة نهمة) في أروقة المعرض، تستمع إلى أحاديث الموظفين والمستخدمين، وبعض ممن تمكنوا ولوج المعرض، يتناول بدهشة واستغراب موضوعا واحدا، موضوع آلة تحليل قدرة القراءة. يشارك أحدهم قصة حدثت قبل ساعة، حيث حاول شخص بشارب كث ونظارة طبية، يتأبط محفظة يبدو من ظاهرها أنها تحتوي كتبا وأوراق، منعته الآلة من دخول المعرض. لما احتج هذا الرجل الأنيق على الموظف المكلف بإنفاذ تعليمات الآلة، اضطر هذا الأخير أن يخرج من الآلة محضرا معللا لقرار الرفض، وفيه أن آخر مقالة قرأها هذا الرجل تعود لسنة 1989 عن البريسترويكا والغلاسنوست، ولأنه لم يتمكن من فك طلاسم تلك المقالة كف عن القراءة، وإن لم يكف على الادعاء بأنه يقرأ.
غريب أمر هذه الآلة. لحد الآن رفضت الآلة دخوله مئات الزوار الذين اعتادوا قضاء ساعات تجوال بين أروقة المعرض، تنتهي دوما بأخذ صور تذكارية مع هذا الكاتب أو تلك الكاتبة لتنشر على صفحات وسائل التواصل الاجتماعي.
يالها من فكرة مبتكرة! تحمي قيم القراءة وتشجع على الاستفادة من الكتب، ومنع التشويش على الأهداف الحقيقية لهذا الحدث الثقافي المهم.
تتعدد الروايات عن أسباب منع فئة من الناس من دخول معرض الكتاب، وامتد هذا المنع ليشمل شعراء وكتاب وناشرين وصحفيين وأساتذة جامعيين.. الآلة لها كلمة الفصل، وهي ليست مثل الإدارة البيروقراطية، فهي تعلل قراراتها بسرعة فائقة. ومثال على ذلك ما عللت به قرار منع ناشر كبير من ولوج بوابة المعرض، الذي لا يقرأ إلا جزءا من المقدمة وبعض فقرات من الخاتمة وفهرس الكتاب، واعتبرت الآلة هذه الممارسة تحايلية لا يمكن تزكيتها. رجع الناشر على عقبيه يضرب كفا بكف.
*ملحوظة*
تم تعطيل هذه الآلة قبل وخلال جلسة الافتتاح التي كانت مخصصة للوزراء ورؤساء المؤسسات الوطنية وكبار رجالات الدولة.