محمد سموني

photo-696x546

يبدو أن سياسة الغضب الملكي أصبحت اختيارا استراتيجيا للقصر، وذلك بعدما تخلت المؤسسة الملكية عن شعار “ملك الفقراء” الذي واكب عملية انتقال العرش في السنوات الأولى لحكم محمد السادس. فمنذ أواسط سنوات الألفين بدأ الحديث في الصحافة، بداية، عن غضبة الملك على المسؤول الفلاني وإبعاده لآخر، دون أن يكون لذلك أثر في سيرورة الفعل السياسي للدولة، والتي تتلخص في قرارات إعفاء أو تفعيل سلطات الملك بإبعاد وزير أو إقالة حكومة.

اليوم، ومع خطاب العرش الأخير، ظهر الملك بنفس جديد، سواء عبر الإلقاء أو مضون الخطاب، الذي جاء قبل موعده بشكل استثنائي بيوم على عيد العرش كما جرت العادة. لكن المهم في خطاب الملك أنه جعل من مسألة الشعور بالغضب، من الطبقة السياسية والأحزاب موضوعا للخطاب الملكي، ليتحول بذلك الغضب الملكي من « خبيرات » تنقل على صفحات الجرائد والمواقع الإخبارية إلى خطاب يلقى في مناسبة تربع الملك على العرش في ذكراه الثامنة عشرة.

نعم، من حق الملك كباقي البشر أن يغضب ويعبر عن ذلك على مرأى الناس، خصوصا إذا كان هذا الغضب متمحورا على عدم تطبيق الدستور والقانون من قبل الطبقة السياسية، وكذلك من الإيجابي جدا أن يذكر الملك في حالة خطاب/غضب بالفقرة الثانية من الفصل الأول من الدستور الذي يربط بين المسؤولية والمحاسبة، وهذا تحول كما ذكرت في مخرجات القصر الذي كان يعرف عدم رضاه عبر الأخبار المنشورة والمتداولة في الصالونات السياسية. لكن هذا التحول لم يترجم بعد إلى أفعال داخل النسق الدولتي ليصبح الغضب على عدم تطبيق المسؤول السياسي أو العمومي لصلاحياته وعرقلته للمصلحة العامة موضوع مساءلة ومحاسبة، وفق الآليات الديمقراطية، فالمسؤول الترابي أو المركزي الخاضع لسلطة التعيين يجب محاسبته من قبل المسؤول السياسي الذي يشرف على الإدارة التي يشتغل تحت سلطتها، والمسؤول السياسي « المفرط » في صلاحياته وغير المهتم بمصلحة المواطن الذي صوت عليه، يخضع لسلطة الكتلة الناخبة التي صوتت عليه…

لكن ذلك لا يمكن أن يتأتى، وخصوصا مساءلة الفاعل السياسي، بدون مناخ ديمقراطي يجعل من ينتخب يحكم ويطبق صلاحياته التي من المفترض أن تكون بين يديه، أما غير ذلك فهو قتل للسياسة وتحويلها إلى منظومة ريع تجعل من حصل على أصوات أقل يفاوض أريح من حصل على أغلبية الأصوات كما حصل أيام « البلوكاج » الحكومي.

أما غير هذا فسيجعل من الحقل السياسي يعود إلى بدايته الأولى وهي اعتماد الأحاسيس برجوعه إلى طبيعة الفعل الأولى بدل أن يعتمد على فعل عقلاني يؤطر الحياة العامة ويضمن، بتوافق الكل حاكمين ومحكومين، مدخلات سياسية منطقية تؤدي إلى مخرجات سياسية منطقية أيضا وفي حالة الخطأ توجد آليات بدورها منطقية للمساءلة والمحاسبة.. فهكذا تطورت الأمم وصنعت دولا تسير بمواطنيها نحو الرفاه.

 

التعليقات على في مأسسة الغضب الملكي مغلقة

‫شاهد أيضًا‬

عاجل.. مجلس النواب يصادق بالأغلبية على مشروع قانون المالية لسنة 2019

صادق مجلس النواب في جلسة عمومية، اليوم الجمعة، بالأغلبية على مشروع قانون المالية لسنة 2019…