نشر موقع “أنفاس” التابع لحركة أنفاس الديمقراطية، مقالا للناشطة في “حراك الريف” يسمينة الفارسي، تحت عنوان: “حكايتي مع الحراك”. هذا نصه كاملا:
لم يكن انضمامي، كإبنة الحسيمة التي ترعرعت فيها، إلى الشارع منذ ليلة طحن محسن فكري رحمه الله، عشية يوم الجمعة 28 أكتوبر من العام 2016، أمراً في الحسبان، فساكنة المدينة خرجت بشكل عفوي وقتها للتنديد بالجريمة البشعة التي هزت مشاعرنا ومشاعر كافة المغاربة، نظمنا مسيرات سلمية ومظاهرات طيلة الأيام الأولى، وكانت الجنازة المليونية المهيبة التي شيعت جثمان الراحل محسن فكري نقطة البداية الفعلية لمسار حراك شعبي عرف عدة تحولات ومسارات.
من منطلق وطنيتي ونفٓس المشاركة الإيجابية في المجتمع، الذي تربينا عليه كأبناء الريف، أخذت المبادرة مثل عدد من أبناء المدينة بالانضمام إلى لجنة على مستوى الحراك الشعبي والتي تسعى إلى تنظيم المسيرات السلمية والتخطيط لمواعيد وأماكن انطلاقها كل يوم، كان الشارع يغلي بشكل تدريجي وكنت المرأة الوحيدة التي تتقدم تلك المسيرات الليلية وسط الرجال، حيث أن النظرة المحافظة تجاه المرأة في الريف تعتبر مكانها الطبيعي هو المنزل وخلف الرجل ما تزال سائدة، قبل أن أقوم بكسر تلك القاعدة، ولا أبالي، لأن القضية العادلة تبقى فوق كل عادات لا نتفق حولها ولا نقبلها في الزمن الراهن.
بعد أسابيع من انطلاق المسيرات وجرد مطالب اقتصادية واجتماعية تم تأسيس ما سمي وقتها بلجنة الإعلام والتواصل للحراك الشعبي بالريف، ورغم اختلافنا في وجهات النظر وطريقة التسيير وكذا لهجة الخطاب الحادة الذي تبناه بعض النشطاء والتي انتجت بدورها خلافات كبيرة داخل اللجنة بلغت حد انسحابي والعديد من شباب المنطقة .
حين عبرت عن وجهة نظري وصرخت فيهم ان نتبنى طريقة خطاب سليمة والتوجه نحو طريق الحوار مع المؤسسات الرسمية وعدم الزج بالكل في سلة واحدة ونعت الجميع بالخيانة والفساد، تعرضت وعددا من النشطاء لحملة مسعورة من التخوين وتوجيه الاتهامات الجاهزة طالت من الشرف والكرامة ..كما تعرضت لحملة شرسة يصفني فيها ما يسمى بقادة الحراك بالتمخزن وممارسة الدعارة وخيانة الريف، لا لشيئ سوى أنني قدمت رأيا مخالفا لتوجهات مسار الحراك كواحدة من أعضاء اللجنة في بدايات الاحتجاجات..
ولا بد أن أشير أيضا هنا إلى أن عددا آخر من نشطاء الحراك تعرضوا لنفس الحملة بعدما طالبوا في وقت ما لجنة الحراك بالكشف عن التقرير المالي حول الإعانات والمساهمات المالية القادمة من الخارج (حالة المرتضى اعمراشا الذي دون ذلك في صفحته بموقع فيسبوك).
كنت احاول تنبيه الجميع إلى عدم ارتكاب الأخطاء التي أسهمت اليوم في تفشيل حراك كانت مطالبه اجتماعية، عدم تعقل قيادة الحراك وتجاوزهم لمنطق المصلحة العامة للوطن ومدينة الحسيمة خاصة والتركيز على تصفية حسابات شخصية دفعت بهم إلى ارتكاب أخطاء واضحة تابعها المغاربة جميعا، ولعل أهم تلك الأخطاء هو الخطاب المتشنج والعدواني الذي مس شخص الملك بالاضافة الى عدم رفع الأعلام الوطنية، الشئ الذي أوقع الساكنة في مأزق « الانفصالية » ودفع الدولة الى تبرير تدخلاتها واعطاء الشرعية لمقاربتها الامنية وسط فراغ سياسي قاتل ورفض اي وساطة لحل الازمة من طرف نشطاء الحراك، وخصوصا بعد واقعة « المسجد » الشهيرة يوم الجمعة 26 ماي 2016، والتي كانت انطلاقة حقيقية لحملة واسعة من الاعتقالات راح ضحيتها عدد من شباب المنطقة كان كل هدفهم العيش الكريم بسبب خطوة غير محسوبة العواقب من شخص واحد.
كان المسار واضحا طيلة أشهر من الاحتجاجات في الشارع، كان الهدف هو إعادة الاعتبار لأبناء الحسيمة ونواحيها الذين عانوا من التهميش والحكرة واللامبالاة طيلة عقود ترسخت لديهم عقدة « همجية الاستعمار الإسباني » ، خاصة بعد القصف الكيماوي الذي تعرضت له المنطقة إبان عشرينيات القرن الماضي، وأيضا عقدة التعاطي العنيف للدولة بعد الاستقلال إثر قمع بشع لانتفاضات أجدادنا من أجل نفس المطالب التي نرفعها الآن كجيل حديث متطلع للتنمية والعيش في ظل دولة ديمقراطية ومجتمع حداثي محافظ على أصوله الوطنية والثقافية.
وكان يبدو أن تباطؤ الحكومة، التي كانت تعرف حالة ما عرف وقتها بالبلوكاج الحكومي، في الاستجابة السريعة لمطالب الحراك دفع قادته، ممن أختلف معهم في طريقة تدبير المرحلة إلى التصعيد وفق أشكال مختلفة عبر الخطاب العنيف وتخوين الأحزاب ورفع سقف المطالب إلى إسقاط الحكومة ورفض الحوار مع أي طرف رسمي .
رغم كل ما تعرضت له من تشهير وتخوين لم يضعفني ذلك، بل مضيت قدما في التعريف بالحراك ومطالب ساكنة الحسيمة العادلة على مستوى وسائل الإعلام الوطنية والدولية، حين أدليت بشهادات وحوارات مع منابر مختلفة ما تزال موثقة في مواقع الأنترنت، اضافة لتصوير عدد من الفيديوهات أبديت فيها ملاحظاتي وتوجيهاتي لمنحى الحراك، قبل ان تلقى تجاوبا كبيرا في مواقع التواصل الاجتماعي.
انا امرأة ريفية الاصل، ترعرعت بين احضان جبال الريف ووقفت على ظروف الحياة الصعبة التي تعيشها المنطقة منذ سنوات، دوافعي لمناصرة مطالب الساكنة سيستمر ولن اكلّ او امل من الدفاع عنها والعمل على تحقيقها بالطريقة التي كنت أراها واقعية منذ البداية، بالحوار والتفاوض مع مسؤولي المنطقة والمؤسسات سواء كانت رسمية أو حزبية او حقوقية او مدنية لأن المطالب تحقق بالصمود الذي يحترم حتى من نطالبهم بحقوقنا… وعدونا الأول والأخير يجب ان يبقى هو الجهل والفقر والفساد .
يسمينة الفارسي – ناشطة في حراك الريف – الحسيمة – شتنبر 2017