محمد أغبالو

خرج فؤاد عالي الهمة مستشار الملك والرجل القوي في النظام السياسي المغربي، بتصريح سياسي قوي، مساء اليوم، يمكن وصفه بأنه محاولة لإطلاق “رصاصة الرحمة” سياسيا على عبد الإله بنكيران الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، والشخصية السياسية المشاغبة والمثيرة للجدل. حيث قال عالي الهمة ردا على الأخبار التي تسربت عن زيارته لبنكيران في منزله، للتباحث بخصوص أحداث الحسيمة، إن “زيارة عبد الإله بنكيران تمّت في إطار شخصي محض، من باب الأَدَب و”الصّْوَاب”، بمنَاسبَة “لْعْوَاشْر” من شهر رمضان المبارك”، وأضاف، “كل ما في الأمر أنني أردت الاطمئنان على أحواله، خاصة أنه كان متعبا بعض الشيء، ولأنه أيضا كثيرا ما يسأل عني، ويلومني لعدم زيارته أو الاتصال به”.

وإذا كان من الصعب تقبّل أن زيارة عالي الهمة لبنكيران، كانت فقط بدافع “الصواب”، والرغبة في الاطمئنان على أحواله، كملاحظة أولى، خاصة وأن “الجميع” يعرف طبيعة العلاقة التي تجمع بين الهمة وبنكيران، والتي كانت دائما تتميز بالشد والجذب، وما مداخلاتهما التي لازال موقع”اليوتيوب” يحتفظ بها، إلا دليل على طبيعة العلاقة التي جمعت الرجلين، حيث كان كل واحد منهما، وحسب تغير مواقعه، يسعى إلى إضعاف الآخر، ويعتبر أن “تقدمه” سياسيا، مرتبط “بتراجع” الآخر.

أما الملاحظة الثانية، فهي قول عالي الهمة أنه لم يزر بنكيران، كمبعوث للقصر، وإنما في إطار زيارة شخصية فقط، فحتى لو صدقنا، أن الزيارة كانت شخصية، فإن صفة مستشار الملك محمد السادس، والرجل القوي في المشهد السياسي المغربي لا تسقط عن عالي الهمة، وبالتالي فإن أي تحرك من طرفه يقاس بميزان السياسة، لا بغيرها. خاصة إذا تزامن مع الأزمة السياسية التي يعيشها المغرب، بفعل “حراك الريف”، والتي يمكن اعتبارها أكبر ازمة يتعرض لها النظام السياسي منذ حركة 20 فبراير.

والملاحظة الثالثة على تصريح عالي الهمة، هي لماذا اختار الخروج بتصريح رسمي بصفته الشخصية، ليكذب خبر تباحثه مع بنكيران حول “أحداث الريف”، بدل العمل على تسريب الخبر بطريقة غير مباشرة، مثلما وقع في نقل خبرالزيارة أول مرة، حيث تم تسريب الخبر عن طريق مصادر مقربة من بنكيران، ليكون التعامل بالمثل، “إذا ما جاز لنا نقل المفهوم من مجال الأعراف الديبلوماسية إلى الحقل السياسي”، دون الوصول إلى خلق حالة من “الاصطدام” مثلما هو الحال الآن. حيث أصبح رفض بنكيران التعليق على تصريح (بيان) عالي الهمة، ووصفه باللاحدث، تصريحا في حد ذاته، وفعلا سياسيا يحمل عدة دلالات، ويحتمل العديد من القراءات والتأويلات، ليس أقلها، أن عالي الهمة، يمكن أن يكون قد عرض على بنكيران شكلا من أشكال التعاون بين الدولة وحزب العدالة والتنمية، أو مع بنكيران بصفته الشخصية من أجل اقتراح حل للأزمة في “احتجاجات الريف”، وهو الأمر الذي لم يلاق استجابة من طرف بنكيران، مما دفع عالي الهمة إلى الخروج، لنفي وجود المحادثات من الأصل، حتى يحول دون خلق أي نوع من “البروباغاندا السياسية” لبنكيران، تجعله يعود إلى الأضواء من جديد. ويبقى هذا مجرد تأويل مطروح إلى جانب تأويلات أخرى.

إلا أن العبارة الصريحة والواضحة التي أكد من خلالها عالي الهمة أنه لم يتباحث مع بنكيران حول “أحداث الريف”، قائلا، “إذا كان بنكيران يريد استمرار الأوهام بالسكوت عن الحقيقة، والسماح بانتشار البهتان، فأنا أرفض أن يكون ذلك باسمي.. فأنا هو المبعوث المفترض؛ وأنا أنفي نفيا قاطعا ما راج من أخبار، وأؤكد أننا لم نتطرق لأي موضوع يخص هذه الأحداث”، فتأتي لتحسم موضوع اللقاء بشكل قاس، حيث تحمل عبارات التصريح “قوة وعنفا سياسيا”، يدل على غضب السلطة، من “تسريب” خبر اللقاء، واعتبار “التسريب” محاولة للركوب من طرف بنكيران على “أحداث الريف” من أجل العودة إلى الاضواء، وهو الأمر الذي لم تقبله السلطة. خاصة في هذا الظرف الذي تعيشه البلاد والذي يشهد ضغوطا كبيرة على السلطة من طرف العديد من مكونات المجتمع، التي تطالب بإصلاحات اقتصادية واجتماعية جديدة، بل هناك مطالب بإصلاحات سياسية، أكبر من تلك التي عرفتها أحداث “حركة 20 فبراير” سنة 2011.

يبقى في النهاية، أن خرجة عالي الهمة مستشار الملك والرجل القوي، في هذا التوقيت بالضبط، وإصراره على أن المخاطب في “الاحتجاجات بشمال المغرب”، هو الحكومة والحكومة فقط، هو رد صارم من طرف السلطة، على أي محاولة للرجوع إلى الأضواء، من طرف عبد الإله بنكيران، ولعب دور المنقذ، خاصة وأنه كان دائما يردد أن “الربيع العربي” لازال قريبا من المغرب، ولم يذهب إلى غير رجعة، وهو الأمر الذي لم يكن يستقبل بارتياح من طرف القائمين على أمور البلد، بل كان يتم اعتباره في كثير من الأحيان نوعا من “التهديد” المبطن من طرف بنكيران للسلطة، ومحاولة منه للظهور بمظهر المتحكم في موازين القوى، والقادر على السيطرة على الشارع، وإخماده حين يريد، أو تركه “يلتهب” حين يريد.

 

التعليقات على “الأسباب الحقيقية” لخرجة مستشار الملك عالي الهمة للردّ على بنكيران! مغلقة

‫شاهد أيضًا‬

الريسوني: مقترحات مراجعة مدونة الأسرة ستضيق على الرجل وقد تدفع المرأة مهرا للرجل كي يقبل الزواج

خرج أحمد الريسوني، رئيس حركة التوحيد والإصلاح سابقا، عن صمته بخصوص النقاش الدائر حول المقت…