هافنغتون بوست

أنكرها شقيقها ليس لأنها فعلت ما يشينه، ولكن لأنها طالبت بحقوقها، إن هذه ليست سوى واحدة من مآسي مئات المغربيات المحرومات من حقوقهن الشرعية ومن ميراث آبائهن، فيما يعرف بالنساء “السلاليات”، اللاتي ينتمين إلى أعراف تحرمهن من الإرث إذا قررن الزواج من رجل خارج القبيلة.

“راضية. ه”، والتي تقطن بضواحي منطقة أولاد زيان، ضواحي مدينة الدارالبيضاء (وسط المغرب) أنكر شقيقها رابطة الدم بينهما، حتى لا يسلمها حقها من ثمن بيع أرض والدها والذي يقدر بـ10 ملايين درهم (مليون دولار)، بعدما اشترت الأرض شركة مغربية معروفة.

تحكي راضية لـ”هاف بوست عربي” عن المأساة،: “قبل سنوات، منحت الشركة التي اشترت الأرض، مبلغاً من المال لشقيقي، لكن في المقابل اشترطت عليه أن يمنحني نصيبي من المال، إلا أنه رفض ذلك”.

وأخبر شقيق راضية السلطات أنها ليست شقيقته، بالرغم من أنها تملك كل الوثائق التي تثبت العكس، إلا أنه تشبث بهذا الزعم، وحتى الآن مازالت القضية منظورة في أروقة المحاكم.

أراضي الجموع

ما فعله هذا الرجل مع شقيقته ليس سوى جزء من ظاهرة كبيرة في المغرب وهي رفض منح نساء السلاليات حقوقهن التي ورثنها عن آبائهن بدعوى الالتزام بالأعراف والتقاليد التي تكتسب قوة كبيرة في بعض القبائل المغربية مما يجعلها شبه مقدسة.

بعض النساء فضلن الصمت وعدم المطالبة بحقهن في الإرث أو الاستفادة منه، إلا أن عدداً غير يسير من النساء قرر كسر التقاليد والمطالبة بكل قوة بحقهن من عائدات أراضي “الجموع”، ويقصد بها الأراضي التي توجد في حوزة الجماعات أو المجموعات السلالية (قبائل – قرى).

وهذه الأراضي كان تنظيم الانتفاع بها يتم حسب أعراف سادت قبل الفتح الإسلامي للمغرب واستمرت بعد ذلك. حيث كان تقسيم عائدات الأراضي، الذي يوكل لرؤساء هذه المجموعات، يعتمد على معيار “ذوي الحقوق”، الذي يقتصر على الذكور دون الإناث.

وفي ظل الدولة “الحديثة”، تم إخضاع تدبير هذه الأراضي لمجلس وصاية تابع لوزارة الداخلية، حسب ظهير 1919، أي خلال الاستعمار الفرنسي، وتم تعديله عام 1963.

والغريب، أن هذا المجلس الذي ظهر في عهد فرنسا التي تتشدق دوماً بالتنوير وحقوق المرأة اعتمد نفس المعيار (أي إعطاء العائدات لما يعرف بذوي الحقوق) الذي أنتجته أعراف قديمة لا أساس لها من الدين ولا روح القانون. لتصبح الآلاف من النساء محرومات من حق الانتفاع بهذه الأراضي.

قرارات صورية

وتقول راضية لـ”هاف بوست عربي”: “إن الكثير من العراقيل تواجه نساء السلاليات؛ فالبعض يعانين من تشكيك السلطات في انتمائهن إلى السلاليات التي تم فيها تقديم عوائد الأراضي لإخوانهن وأقاربهن من الذكور، أو يتم تقديم وعود بحل المشكلة دون أي إجراء عملي”.

كما أن راضية تحكي عن نساء ضحايا إصدار “قرارات صورية بحقهن بالاستفادة من الأراضي، تبقى حبراً على ورق، لا تصحبها خطوات إجرائية تسهل عملية الاستفادة، الشيء الذي يجعل حقوقهن تضيع من جديد في متاهات العقبات الإدارية وبين مكاتب السلطات المحلية ودهاليز الانتظار الذي لا ينتهي”.

ولكن هناك نساء أبين الخضوع لهذا العرف الذي رسخه الاستعمار الفرنسي. واجهن ببسالة كل التقاليد. طالبن بحقهن في استغلال أراضي آبائهن، تماماً مثل أشقائهن الذكور. صرخن ليصل صدى أصواتهن للمنتديات الدولية والصحافة الأجنبية. طرقن جميع الأبواب. أطلق عليهن اسم يميزهن عن باقي المغربيات. هن نساء “السلاليات”.
كسر التقاليد “المقدسة”

لكن بعض النساء قررن كسر هذه التقاليد التي يُزعم البعض أنها مقدسة.

“ضاوية ر”، اسم لسيدة تنتمي لنساء السلاليات، تجاوزت الخمسين من عمرها، كافحت كثيراً بمنطقة “الفقيه بنصالح”، وسط المغرب، لدرجة أنها معروفة لدى نساء حقوقيات بالمنطقة.

طرقت جميع الأبواب التي يمكن اللجوء إليها، أحياناً كانت تجدها موصدة في وجهها، وأحياناً تجد آذاناً صاغية لها، تطمئنها وتواسيها.

تحكي قصتها لـ”هاف بوست عربي”؛ التي تعود لقبل سبع سنوات، حيث واجهت ما يصطلح عليه بـ”أمناء التراب” بكل الشجاعة، لدرجة أنه تم تهديدها بالاعتقال أو القتل.

لم تخش كل التهديدات والمعيقات، هاجسها الوحيد ضمان حقها مثل أشقائها الذكور، تقول: “منذ وفاة والدي، استغل أشقائي الذكور الأرض، كما هو متعارف عليه بالمنطقة منذ سنوات، لكن أمام الظروف الاجتماعية والاقتصادية القاسية، طالبت بحقي من عائدات الأرض دون جدوى، طرقت الأبواب وأعلنت الثورة ضد هذا الظلم، ساعدتني جمعيات نسائية، ومن خلال استشارة قانونية عرفت أين هي حقوقي ولم أسمح أبداً بالتنازل عنها”.

لكن الضاوية الآن تشعر بنوع بالرضا، مع المستجدات التي تحدث للنساء السلاليات، خصوصاً بمنطقة “فقيه بنصالح”، فهي الآن تصلها عائدات أراضي والدها تماماً مثل أشقائها الذكور، لكن طبعاً لا تملك الحق في أخذ ميراثها إن أرادت مثلاً بيع الأرض”.

تعلق على هذا الأمر قائلة: “في السابق، لم تكن تصلني عائدات الأرض، لكن عندما احترمَ أشقائي التزامَ الجديد، وهو توصلي بعائدات الأرض، حمدت الله، ففي الماضي لم يكن يصلني أي شيء”.

تقول نورة منعم، ناشطة بمدينة “فقيه بنصالح”، إنها اشتغلت كثيراً على موضوع نساء السلاليات، ورصدت الكثير من العراقيل التي تواجهها هؤلاء النسوة التي وصفتهن بـ”المناضلات”.

وتتابع نورة حديثها مع “هاف بوست عربي”: الجانب الإيجابي الذي تعرفه قضية السلاليات، بمنطقة فقيه بنصالح، هو أن هؤلاء النساء عكس السابق، يصلهن “نصيب” معين من أشقائهن الذكور الذين يستفيدون من الأرض، وهذا طبعاً لم يكن يحدث في السابق”.

وتطالب أغلب النساء السلاليات بتغيير ظهير 1919 (قانون) وفرض حقوق هؤلاء النساء بطريقة واضحة وبقوة القانون، خصوصاً وأن الدين لا يعارض بتاتاً أن تنتفع المرأة، بأي صفة من الصفات، من عائدات أراضي كانت لأجدادها، فضلاً على أن الدستور المغربي يعتبر المرأة مواطنة كاملة الأهلية تماماً مثل الرجل، وقد وقع اتفاقيات دولية كثيرة في هذا الشأن.

 

التعليقات على قررن الزواج من خارج القبيلة فمنعن من الإرث.. قصص “السلاليات” مغلقة

‫شاهد أيضًا‬

عاجل.. مجلس النواب يصادق بالأغلبية على مشروع قانون المالية لسنة 2019

صادق مجلس النواب في جلسة عمومية، اليوم الجمعة، بالأغلبية على مشروع قانون المالية لسنة 2019…