نوفل البعمري
اذا كان مفهوما أن يقوم السيد رئيس الحكومة سعد الدين العثماني في أول خروج له بزيارة عبد الإله بن كيران الأمين العام العدالة والتنمية؛ والرئيس السابق للحكومة؛ فإن زياته الثانية التي قام بها لحركة التوحيد والإصلاح حتى قبل أن يستكمل باقي الوزراء إجراءات تسليم المهام؛ وقبل أن تحوز الحكومة نفسها الثقة من طرف البرلمان المغربي؛ خطوة غير مفهومة في توقيت دقيق؛ اللهم إذا كان الغرض منها هو الحصول على تفويض من الجناح الدعوي للعدالة والتنمية؛ ودعمه في ظل حالة الغليان التي يعرفها الحزب وقواعده بعد ما اعتبروه تنازلات كبيرة قدمها العثماني لتشكيل حكومته؛ وهي زيارة تعيد طرح سؤال العلاقة بين السياسي والدعوي داخل هذا الحزب ومدى تأثير وتحكم جناحه الديني/الدعوي بالسياسي/التنظيمي؛ الذي ظهر ومن خلال هذه الزيارة أنه هو الماسك بزمام تنظيم الحزب؛ والضابط لإيقاعه البنيوي؛ وإلا لما سارع رئيس الحكومة لزيارة قيادة الحركة لأخذ مباركتها ومساندتها؛ وهي مبادرة تعيد للواجهة حقيقة الفصل التنظيمي بين الجناحين والقيادتين الذين طالما ظلا معا يرفعانه -أي الاستقلالية- في وجه كل الأصوات التي تطالب بتدقيق العلاقة بينهما وتوضيحها واخراجها من كل حالات اللبس الذي ظلت تطرحه؛ وتطالب الحزب بجعله خاضعا لقانون الأحزاب؛ يتجاوز الوضعية الحالية التي يمتزج فيها الصوت الدعوي بالسياسي؛ الحزبي.
إنها واقعة تؤكد للمتابع أن العدالة والتنمية خاضع لتحكم الحركة الدينية؛ ولقيادتها؛ وأن الحزب رغم كل ما تم القيام به مازال خاضعا لسيطرة الصوت الحركي داخله؛ وداخل بنيته الحزبية التي لم تتحرر طيلة السنوات الماضية من قبضة الحركة؛ وعلى عكس ما كان منتظرا بعد وصول سعد الدين العثماني؛ الذي عبرت، شخصيا، في وقت سابق، عن أنه كان جريئا في طرحه فكرة الدولة المدنية؛ وكنت حين طرحه لها أطالب بالتقاط إشارته وأطروحته ودعهما لانها قد تكون قاعدة لالتقاء مختلف القوى السياسي المدنية؛ لكن هذه الزيارة التي قام بها سعد الدين العثماني وهو رئيسا للحكومة لبيت الحركة لأخذ مباركتها؛ تجعل من كل طروحاته حول الدولة المدنية مجرد أفكار تلاشت في أول امتحان حقيقي كانت المناسبة مواتية له للتأكيد على كل الأفكار التي قدمها وبشر بها؛ وفي أول محك كان يفترض فيه أن يقوم بتنزيل كل الأفكار التي سبق أن عبر عنها في الموضوع وهو على رأس الحكومة؛ لكن يبدو ومن خلال خطوته هاته أن العثماني كرس هذا التداخل الداعم لتحكم الجناح الدعوي بالحزب؛ وكرس نمطا تنظيميا كان ينتظر أن يتم تجاوزه؛ لا تكريسه وتكريس مباركة الجناح الديني للحكومة؛ ويؤكد سيطرته على بنية وعقلية الحزب ومرجعيته التي تتجاوز المرجعية الاسلامية لتصل لمرجعية الحركة الدينية التي تتناقض مع كل الدعاية التي ظلت قيادة الحزب تروجها؛ وهي دعاية كانت تهدف فقط للتغطية على هذا التداخل؛ وتتحايل على قانون الأحزاب وعلى المشترك بين مختلف المغاربة.
قد يقول قائل أن الزيارة ودية و عادية؛ قد تكون كذلك لو زار سعد الدين العثماني تنظيمات الحزب القطاعية من شبيبة؛ نساء؛ نقابة… لأخذ دعمها؛ لكن أن يخرج في أول زيارة له لأخذ مباركة الجناح الدعوي؛ والحركة الدينية التي ظلت العديد من أسماءها تطرح علامات استفهام حول علاقاتها بتنظيم الإخوان العالمي؛ هذا الاستفهام وهذه الأسئلة ستنقل وتسقط على رئيس الحكومة وعلى الحزب مادام اختار أن يزور الحركة في أول خروج له؛ وهو الخروج الذي كان يجب أن يكون للبرلمان لأخذ الثقة منه؛ وفي برنامجه الحكومي لا إلى حركة التوحيد والإصلاح.
لقد ظلت العلاقة بين التنظيمين، ولا تزال، تطرح أكثر من علامة استفهام؛ وتثير عدة أسئلة حول ارتباط الحزبي بالدعوي وليس الديني فقط؛ بل تطرح سؤالا حول مدى تحكم وخضوع الحزب لتوجيهات الحركة بكل ما تحمله من ارتباطات؛ وقوة تأثير هذا التداخل والسيطرة من خلاله على مؤسسة رئيس الحكومة الذي يجب أن يخضع فقط للدستور؛ وللمساءلة أمام الملك والبرلمان وليس أمام تنظيم دعوي ديني يهم الجماعة المنتمية له؛ والمؤمنة بمشروعه الديني.
للأسف رئيس الحكومة ابتدأ مهمته بخطوة خطأ؛ قد تنعكس على تحركاته وتدبيره للشأن الحكومي وكيفية تصريف مواقف الحكومة أمام قوة الجناح الدعوي واستمرار تحكمه وامتداده التنظيمي داخل بنية الحزب التي قد تمتد لمؤسسة رئاسة الحكومة في ظل تكريس رئيسها لصورة أهمية مباركتها له ولمنصبه؛ وتجعل للأسف كل ما نشره حول بناء الدولة المدنية مجرد خبر على ورق؛ لا علاقة له بالواقع التنظيمي الذي جعل المروج لهذه الفكرة يخضع لتحكم الحركة فيه حتى وهو رئيس للحكومة.
عاجل.. مجلس النواب يصادق بالأغلبية على مشروع قانون المالية لسنة 2019
صادق مجلس النواب في جلسة عمومية، اليوم الجمعة، بالأغلبية على مشروع قانون المالية لسنة 2019…