يستعد محمد رحا السلفي المفرج عنه حديثا، من عقوبة سجنية بـ10 سنوات، بتهمة تكوين جماعة إرهابية سنة 2005 رفقة ابراهيم بنشقرون ومجموعة من العائدين من سجن غوانتانامو كتاب عبارة عن مذكرات كتبها داخل السجن، يقوم فيه بمقارنة بين تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” بما كانت عليه الجماعة الإسلامية المسلحة “الجيا” الجزائرية بالأمس، ويقول الرحا في أحد مقاطع مذكراته “اخترت الجيا لأن الجيا عليها إجماع (اليوم فقط) على أنها جماعة مارقة ضالة من فرق الخوارج. وتعمدت أن أدخل في هذه المقارنة مواضيع عديدة لها علاقة بالتيار السلفي الجهادي لعلاقته فكريا وتنظيميا بالجماعتين. وأدخلت كذلك وتجارب شخصية مع تنظيمات وتجمعات وأحداث عشتها داخل السجن”.
مضيفا “نقارن الحاضر بالماضي ونربط بينهما لعل وعسى تظهر الحقيقة للذين لم يستطيعوا التمييز بعد، لعل وعسى يفهم المختصون بالشأن الجهادي أن القواسم المشتركة التي أخرجت لنا البارحة “الجيا” واليوم “داعش” هي نفسها. والتي من شأنها أن تخرج لنا في المستقبل جماعات خوارجية أخرى إن لم نتدارك ونعالج الأسباب من جذورها”.

جذور “داعش”

تهدف هذه المقارنة :
” إلى كشف حقيقة هذه الجماعة، ليحكم ويتعامل معها ومع منتميها بناء على هذا الواقع. وهي مقارنة ورؤية من داخل التيار الجهادي وليست من خارجه، يتقاسمها كثير ممن ينتمون إلى هذا التيار. وأقدمها من زاوية مختلفة ليتسنى للمهتمين والمصلحين النظر بشمولية أوسع. وحتى توضع هذه الرؤية في الحسبان عند محاولة علاج ما يعانيه هذا التيار من أمراض.  وكذلك الكتاب هو تمهيد لما سيأتي لاحقا. فإن كان هذا الكتاب مقدمة لإثبات أن داعش خوارج على خطى الجيا فإن الكتاب المقبل سيتمحور حول أصل منبت هذين الجماعتين، وسر أسباب قواسمهما الفكرية والحركية المشتركة رغم تباعد المكان والزمان بينهما”.

ويكتب رحا في المذكرات التي تعتبر غوصا في البنية الفكرية لهاته التنظيمات الأكثر تطرفا “تأملوا قليلا في غالبية الذين يدخلون التيار اليوم ستجدونهم يسقطون في نفس الطوام القديمة, وإن استفادوا فإنهم لا يستفيدون بناء على منهجية التيار وأدبياته وإنما بناء على خصائص فردية لديهم, لأنه ليست هناك آلية لدراسة التجارب والإنتقادات وليست هناك آلية لنقلها بين عموم المنتمين, فالأمر له علاقة بالخصال الموجودة سلفا لدى المنتمي للتيار, فمثلا في أحسن الحالات إن كان المنتمي الحديث مثقفا ومنفتحا على مختلف التيارات وله تجارب سابقة أو لازمه موجه عاقل فعندها غالبا لن يسقط في الطوام السابقة, اما لو لم يكن له موجه حتى ولو كان مثقفا ومنفتحا وبتجارب سابقة فهناك احتمالين إما أن يتغير طبعه عند الدخول إلى هذا التيار فينغلق ويتبلد ويلغي كل ما سبق أو يدخل بحسناته السابقة ويستغلها في حركاته وأفكاره اللاحقة..”.

بين “داعش” و”الجيا”

ويذهب رحا في المقارنة بالعودجة إلى “الجيا”  معتبرا أنه “حينما انحرفت الجيا لم يستخلص الجهاديون فوائد تلك التجربة لأنه :

1. ليس للجهاديين أي آلية للمراجعة والمحاسبة حتى يترتب عنهما تصحيح للمسار واستفادة للتجارب والأخطاب. لذا لم يهتم التيار الجهادي بتجربة الجزائر الغنية، وإنما فرض رموز هذا التيار تكتما داخليا عليها.

2. عند الحديث عن تجربة الجزائر كان الجهاديون يحاولون دائما تلفيق إخفاقاتهم بمكر المخابرات والجماعات المخالفة, دون التطرق إلى الأسباب الداخلية للجهاديين، حتى أهملوها كليا. (ومن الأمراض المنتشرة داخل التيار الجهادي: إلصاق فشلنا دائما بالآخرين وفي المقابل تبرير أفعالنا).

3. نتيجة الأسباب السابقة لم ينقلوا إلى جيل من بعدهم تفاصيل تلك الحقبة إﻻ الشيء اليسير فقط ، وكانت أغلب المعلومات تأتي من غير الجهاديين، إلى أن خرجت بعض الرسائل في وقت متأخر جدا، مثل شهادة أبي مصعب السوري (بعنوان : مختصر شهادتي على الجهاد في الجزائر)، والتي ظهرت بعد حرب العراق 2003. ولم يوافق على نشرها أغلب القادة الجهاديين. ثم ظهر بعدها لقاء عطية الله مع منتدى الحسبة، أظن أن ذلك كان سنة 2006، ثم شريطه الصوتي 2013 بعد أن فعلت داعش ما فعلت، أي بعد فوات الأوان. بينما كان أقل الواجبات على قاعدة الجزائر أن تخرج للأمة وللجيل الجهادي الناشئ سلسة مرئية أو صوتية تشرح التجربة الجزائرية بدقة. وآخرون تكبروا ولم يريدوا الإعتراف بأخطائهم السابقة في الجزائر من فتاوى وتبرير للجرائم ولازالوا إلى اليوم يبررون فتوى قتل الذرية والنسوان بدعوى أنها صحيحة بالمنظور الشرعي إذا تحقق الهدف وأنها لم تفهم حينها كما انبغى فتكبروا ولم يتراجعوا ولم يشرحوا الى الشباب أسباب مرحلة غلوهم ولا حتى الأسباب الفكرية والحركية التي ساعدت على استغلالهم من قبل الجيا والمخابرات الجزائرية والفرنسية, ولعل ذلك خوفا من الظهور أمام أتباعهم أنهم كانوا من قبل مخطئين {فما كان ليؤمنوا بما كذبوا من قبل}.

4. وهكذا دخل التيار الجهادي في صراع عالمي دون أن يعرف نقاط ضعفه المفصلية، مما منعه من وضع آليات مانعة لتكرار تجربة “الجيا”.

5. فلم يستطيعوا الوصول إلى الأسباب المنهجية والحركية التي حولت “الجيا” من جماعة “مجاهدة” إلى جماعة إجرامية خوارجية، ولم يعرفوا الأسباب التي حولت ثورة الجزائر الشعبية إلى كارثة وشماعة للتيارات العلمانية ومبررا للإستسلام للواقع.

6. وهذا الإهمال السابق أدى بنا كجهاديين إلى سلك نفس الطريق، فتعاملنا مع الجهاد والجهاديين بنفس معاملة الجهاديين ورموزهم آنذاك مع “الجيا”، ولنحصد بطبيعة الحال نفس النتيجة. وبعد أن كانت مصيبة الجيا محلية في الجزائر فقط حولناها هذه المرة إلى كارثة دولية.

7. فإذا وجد نفس السبب فلا بد أن تظهر نفس النتيجة “الجيا” = “داعش” . وكما قال أينشتاين : “الغباء هو فعل نفس الشيء مرتين بنفس الأسلوب ونفس الخطوات مع انتظار نتائج مختلفة ” ولا غرابة أن نسلك نفس الطريق خصوصا مع طغيان عقلية الكرامات و”القدر” على فهم الأسباب والنتائج (وتجدنا لا نعترف بالأسباب إلا على كنوع من البركة فقط).

8. إن ما اقترحه بعض قادة القاعدة وأبو عياض (وهو الإقتراح الذي ظهر في مقال “يهود الجهاد قاعدة الظواهري” ) وكذلك اقتراح المقدسي (بأن يتغلب أنصار تياره على الجماعات الأخرى) بعد مرور كل هذه السنوات يبين بكل وضوح أن القاعدة ومن يقود هذه التيارات الجهادية لم يستفيدوا من تجربتهم ولم يدرسوا بجد سبب ظهور داعش وليست لهم أي آلية للإستفادة من التجارب ولا قابلية للمراجعة. وهذا بوحده سبب كاف لاتهامهم بضياع جهود هذه الأمة وتضحياتها واستهانة بمسؤولياتهم وتجاهل لتأثيرهم السيئ على الساحات، وهذا ينبغي أن يدعوهم للإعتذار وإعلان فشلهم الذريع.

التعليقات على من داخل السجن.. سلفي يرصد أخطاء “داعش” ويقارنها مع جماعة “الجيا” الجزائرية مغلقة

‫شاهد أيضًا‬

أخنوش من قمة الرياض: المغرب يتوفر على تصور متكامل ومبتكر لتدبير ندرة المياه يرتكز على 5 محاور رئيسية منها الطرق السيارة للماء ومحطات التحلية