في مقاله الأخير المعنون بـ”لماذا الإنسان أولا ؟”، حاول الكاتب احمد عصيد انتقاد الأطروحة الأصولية التي تعتبر الدين أولوية على الإنسان، ليبين أن الإنسان هو الأولوية، بالمنطق السارتري: “الوجود سابق على الماهية”.
المقال الذي كتبه عصيد بنفس ديداكتيكي تعليمي، ساق فيه ثلاث أمثلة للتدليل على أن إعطاء “الأولوية (…) للعقيدة والدين على الإنسان، هو (…) أحد أسباب تأخر المسلمين وفشل نماذجهم الدولتية في مقابل تطور الدول والمجتمعات الغربية ورقيها ونجاحها في شتى المجالات”، سرعان ما سقط (المقال) في إعطاء أولوية للدين على الإنسان، حين انبرى لتقديم النماذج “المُواطِنة” الثلاث: اللاديني، المسيحي، اليهودي، باعتبارهم أنفع للحي والمدينة والإنسان، من الأصولي الإسلامي الذي لا يملك إلا أن يكفر هؤلاء الثلاث أو يُتفِّه أعمالهم المواطنة، ماداموا غير مسلمين، أو غير مقيمين للشعائر الإسلامية.
فعصيد الذي يؤكد في تقديم المقال على أن الإنسان وحده الكائن العاقل وسط الطبيعة، الذي يعمل على تسخير جميع الأشياء الأخرى (المادية والرمزية) في خدمته من أجل الترقي في درجات الحضارة وبلوغ مراتب عليا في تحقيق إنسانيته، مضيفا أن الإنسان “هو الكائن الوحيد الذي يتواجد خارج ذاته باستمرار أي في المستقبل”، سرعان ما سيسقط (عصيد) من حيث لم يعِ، في سَوْقِ أمثلة لـ”مواطنين إيجابيين” ليس لذاتهم، فحسب، بل لانتماءاتهم الدينية. وهو، حتى إن لم يقل هذا صراحة، فقد قالها من خلال النماذج التي اقترحها.
لقد كان بإمكان عصيد أن يبتعد عن تقديم نماذج عقدية، ما دام أنه يعيب على الأصوليين الإسلاميين تمييزهم بين المواطنين على أساس ديني، كما يعيب عليهم إعطاءهم الأولوية للسلوك الديني على السلوك المواطن. أو على الأقل، كان عليه، بما أنه سقط في لعبة نماذج دينية (لاديني، مسيحي، يهودي) أن يضيف نموذج متدين علماني، ومتدين أصولي “مواطن” حتى.
ألا ينظر عصيد إلى التقارب بين العدالة والتنمية والتقدم والاشتراكية، على أساس برنامج حكومية مدني، بغض النظر عن حكمنا القيمي عليه. ألا يرى إلى التقارب الذي حصل لحظة 20 فبراير 2011 بين إسلاميي العدل والإحسان وعدد من الفصائل اليسارية والذي استمر إلى الآن عبر أشكال من التنسيق أو على الأقل التواجد الموضوعي التلقائي في عدد من المواضيع والملفات وحتى الإطارات المشتركة؟
إن المقاربات العلمانية المتسرعة والمبتسرة، تسقط في الغالب في تناقضات، منقادة إليها بأحكام إطلاقية جاهزة. الأصولية الإسلامية تتطور بتطور المجتمعات التي تتواجد فيها، وما يعيق تطورها في اتجاه أن تصبح قوى ديمقراطية محافظة، أو اندثارها في حالة ارتكاسها ونكوصها، هو ضعف القوى الحداثية وتهلهل خطابها.
عاجل.. مجلس النواب يصادق بالأغلبية على مشروع قانون المالية لسنة 2019
صادق مجلس النواب في جلسة عمومية، اليوم الجمعة، بالأغلبية على مشروع قانون المالية لسنة 2019…