محمد بلمحجوبي
تتميز دول المغرب الكبير بثروات ضخمة هائلة، لكن حكامتها الضعيفة تجعل منها دولا فقيرة تتخبط في الفساد الاقتصادي والإداري والسياسي والنهب وسوء توزيع الثروة وتصاعد البطالة وتدني مستوى التربية والتعليم وتزايد وثيرة العنف الاجتماعي، دون أن تستطيع تحقيق رفاه شعوبها وتوحيدها في قطار مغاربي موحد للتنمية الشاملة.
فإسرائيل مثلا، بالرغم مساحتها الضيقة فإنها تعرف كيف تدير حكامتها بالتكنولوجيا والعلم لتطوير إنتاجها والرفع من جودته، ونفس المثال لدولة اليابان التي تزخر أرضها بالبراكين والزلازل، فقد استثمرت مؤهلاتها البشرية الهائلة وأحسنت تدبيرها وحكامتها لتحقق بالعلم والمعرفة والحداثة رفاه شعوبها وتحقيق ثورة تكنولوجية عالمية يحسب لها حسابها، ومثال أخر من الدول التي يفرقها أكثر ما يجمعها، توحدت في شكل اتحادات ومجموعات قارية، مثل الوحدة الأوربية والأمريكية والصينية والهندوسية والخليجية.. التي تحكمت في العولمة الاقتصادية والتجارية والتكنولوجية والمعرفية.. عرفت كيف توحد خيراتها، وتساوي بين شعوبها في التنمية والرفاه والازدهار.
أين نحن من هؤلاء؟
دول المغرب الكبير هي بلدان بخلت أرضها على أهلها من خيراتها، وبقيت جامدة، ضعيفة، متكلة، غير موحدة، متصارعة، تائهة في الزعامات، وأمراض الكراسي السلطوية والمناصب والمكاسب.. وحكامها تركوا أوطانهم جائعة، وشعوبهم تحت خط الفقر، رغم غنى ثرواتها المتنوعة والضائعة؟ فلا اكتفاء ذاتي ولا سيادة اقتصادية، بل بلدان غارقة في المديونية!
فالمغرب، مثلا، يتميز بثروات معدنية وسمكية وسياحية وفلاحية، وأراضيه الصالحة للزراعة تشكل 17,99 في المائة من مجموع مساحته، وهي مساحة تضاعف تراب دولة مثل بلجيكا بأكثر من ثلاثة أضعاف، ورغم حجم الاستغلال والإنتاج فإنه لا يتناسب مع هذه الموارد الضخمة، الشيء الذي لا ينعكس إيجابا في القيمة المالية المحصلة عليها إجمالا.
كما يتوفر المغرب على ثروات هائلة من الفوسفات، حيث يحتل عالميا الدرجة الثالثة في الإنتاج، غير أن المغرب يصدر موارده الفوسفاتية، في معظمها، كمادة خام إلى الخارج، حيث يتم تدويرها ومعالجتها، وهذا يقلل من استفادته من تلك الثروة. ويزخر المغرب كذلك بثروات سمكية هائلة على واجهتين بحريتين، بما يعادل 350 كلم مربع من السواحل، إلا أن هذه النعمة لا تظهر جليا على المغاربة!
فاليابان مثلا، تستورد السمك من المغرب وتبيعه لمواطنيها بالكيلوغرام الواحد من السردين بـ1,5 دولار في الوقت الذي يشتريه المواطن المغربي بضعف هذا الثمن في بلده؟
الجزائر بدورها، يرتكز اقتصادها على الثروات النفطية والطاقة بالأساس، وتحتل مرتبة هامة عالميا، ما يجعلها من الدول الأساسية في منظمة “أوبك”، كما تملك الجزائر ثروات هائلة من الغاز، وتحتل بذلك المرتبة الخامسة عالميا من حيث الإنتاج والثالثة في التصدير، بعائدات مالية تقدر بملايين الدولارات! ناهيك عن استغلال الغاز الصخري الذي تحتل فيه الجزائر المرتبة الثالثة عالميا في مخزون الاحتياط، وتتوفر كذلك على كميات مهمة من الحديد والزنك والرصاص والرخام، وأيضا معادن ثمينة مثل الذهب والماس واليورانيوم، إلا أن هذه الخيرات لا يستفيد منها إلا المفسدون، ويبقى الشعب في قارعة الطريق لانعدام حكامة جيدة، ونظرا لكون الأمور في البلاد تعتمد على الريع فقط؛ فلم يقع أي تنوع في الاقتصاد الجزائري، رغم كون البلاد تنعم بواجهة بحرية تقدر باثني عشر ميلا، غير أن أهم ما يميز سياسة الجارة الشرقية في هذا المجال يمكن إجمالها في إهمال مواردها البحرية والزراعية التي بدورها تقدر مساحتها الصالحة للزراعة ب : 2,381,741 كلم، جلها غير مستصلحة!
ويرتكز الاقتصاد الليبي بما يفوق 60 بالمائة على العائدات المالية للنفط، مع وجود احتياطي مهما من الغاز الطبيعي، والمواد البتروكيماوية المهمة، بالإضافة إلى الحديد والصلب والأسمدة والاسمنت ومواد البناء، إلا أن الطريقة التي أديرت وتدار به هذه الخيرات تبقى غارقة الفساد الاقتصادي والإداري والسياسي، مما أجهض حلم الشعب الليبي الذي وقع ضحية الصراعات والفتن، للسيطرة على أبار النفط والسلطة!
أما بالنسبة لتونس، فهي الأخرى تتوفر على موارد فلاحية وبترولية ومعدنية بحجم البلدان المغاربية السابقة، وتزخر بثروات مائية هامة تعادل 5 في المائة من مساحتها الإجمالية، وإذ تطل تونس على واجهتين بحريتين، مما يوفر لها ثروة سمكية هائلة ويحقق لها اكتفاء ذاتيا. كما تتوفر تونس على ثروات معدنية من الذهب والحديد والفوسفات والزنك والملح، إلا أن هذه الخيرات لا زالت بعيدة المنال عن ساكنة المناطق المهمشة، حيث البطالة متفشية والاضطرابات السياسية وأحداث العنف والإرهاب!
وتأتي موريتانيا في قائمة أفقر دول المغرب الكبير، رغم كونها تزخر بثروات بترولية ومعدنية وبحرية ومصادر الاستثمار في الطاقة واحتياط ضخم من الغاز الطبيعي والذهب والنحاس وثروات سمكية هائلة من حيث الجودة والكمية!
لكن ورغم هذه المؤهلات الطبيعية لدى موريتانيا، فإنها تعاني هشاشة الدولة وضعف الحكامة والتدبير وشح الاستثمار، مما يجعلها تتصدر المرتبة الأولى مغاربيا في خط الفقر والبطالة، والتوزيع غير العادل لخيرتها!
وتجدر الإشارة إلى أن الفقر والتهميش بدول المغرب الكبير ليست قضاء وقدرا، بل هي نتيجة إستراتيجية التنمية المتبعة، لأنه باستفحال الفقر يتأكد فشل سياسية التنمية! فالمغرب الكبير مدعو من الآن فصاعدا لركوب قطار التنمية الشاملة لربح الوقت الضائع والتوجه نحو العولمة ورفاه الشعوب المغاربية، وتعزيز الديمقراطية التشاركية واحترام كرامة الإنسان المغاربي وحقوقه داخليا ودوليا!
عاجل.. مجلس النواب يصادق بالأغلبية على مشروع قانون المالية لسنة 2019
صادق مجلس النواب في جلسة عمومية، اليوم الجمعة، بالأغلبية على مشروع قانون المالية لسنة 2019…