“مذكرات امرأة في جسد رجل” يومياتي التي أحكي فيها تجربتي، مغامراتي، أفكاري، نظرتي للمجتمع ونظرة المجتمع لي… تفاصيل انخراطي في حراك الشارع المغربي في 2011 للاحتجاج على الفساد والاستبداد، والمطالبة بالكرامة والحرية والعدالة الاجتماعية… والحرية طبعا وطبعا وأساسا. وكيف اصطدمت بوالدي عندما فاتحته ذات ليلة رمضانية، على طاولة الإفطار، بميولاتي الجنسية التي بقيت أخفيها وكيف تعرضتُ للضرب والنبذ….

توقيع: مالا بديع

طلبت من أمي  أن تشاركني تلطيخة الحنة التي تضعها فوق رأسها، كي تغطي  شيب شعرها وهي في بداية الثلاثينيات من العمر، رفضت و نتهزت الفرصة لتحكي لي سرا، كانت تريد أن تحكيه لي  مند أن وعيت؛  فباعتقادها أنني مهووسة بالحناء و”حثيث النسا” ومرافقتها  للأعراس ومصاحبة صديقاتها اللواتي أعرف أسرارهن أكثر منها.

من ملامح وجهها عرفت أنها تعبت من ممارساتي وتصرفاتي التي تحرجها أمام صديقاتها ووكل ساكني الدرب. التفتت إلى وقالت: “قبل ولادتك لم يكن بالبيت سوى أربع بنات، وهذا كان يزعج أباك الذي كاد شرفه أن يضيع، وهو الدكالي الأصيل، الذي يجب أن يصان شرفه ومجد عائلته، التي امتهنت صنع البنادق لطرد  البرطقيز (البرتغاليين) في القرن السابع عشر. أبوك سليل سيدي اسماعيل، الولي الصالح الذي يزروه البدو بالشمع  قنينات ماء الزهر كي ينالوا بركته. نحن عائلة الرجال. ذات فجرٍ بعد أن توجه أبوك للعمل   زرت يا بني الوالي سيد محمد الله ينفعنا ببركته بدرب ميلان صليت لله ركعتين ودعوته ثم دعوته. كانت هذه أول مرة أصلي فيها في حياتي. صليت فقط بـ”قل هو الله أحد” لأنني لا أحفظ الفاتحة وعند سجودي وأنا أبكي تضرعا لله و سيدي محمد طلبت منهما أن يرزقاني ولدا ولو كان يشبه رشيد وحملت بك وكنت أول ولد لي”.

صدى اسم رشيد جعلني لا أرد عليها. الكلمات تتزاحم بحنجرتي كأن بها خبزا عالقا. رشيد ذلك الرجل الأسمر الذي يعتمر قبعة المسيرة البنية  وجلبابا يتأبط طرفه السفلي، فيما هو يرش الحي بالماء كل صباح، ويردد أغنية :”الماء و الخضرا و الوجه الحسن”، و يغمز لكل شاب وسيم يمر من دربنا، إلى أن يتجمع حوله أبناء الدرب وهم يهتفون في وجهه: “رشيدة.. رشيدة”، ويرمونه بالحجارة.. فيما هو يقذف صراخهم بصراخ حتى يسمعه كل من في الدرب، ثم يرشقهم بمكنسته ومنديل التجفيف وما فضل في سطله من ماء، إلى أن  ينزل ابن أخته ويطردهم ثم يُعنفه، فيصعد رشيد مهرولا  يبكي، ويتكرر هذا الطقس سائر الأيام .

أنسى ما حدت أمس. أنسى كلمة رشيد و قصة أمي، و أتجه لألعب مع الأولاد ألعابهم القذرة ؛ نجمع الدود من الغابة ونُعدُّ “بيروري” من المزبلة، وألعاب متعبة كلعبة البحث عن الكنز والسباق و”النوك”. عندما لم يكن جسدي يقوى على متابعتهم في كل لعبهم، يقولوا لي: “انت بحال المريوة.. ما تبقاش تجي معانا”. كنت أقول في قرارة نفسي: أنا لست “مريوة” بل أنا البنت الوحيدة في هذا الحي التي تقص عائلتها شعرها وتتركها تلعب مع الأولاد.. وعليكم أن تفتخروا بوجودي معكم ”

أعود إلى المنزل متسخة والطين يملأ كل ثيابي. أمي تنهال علي ضربا فلا أبكي لأني اعرف أن جميع الأولاد الذين كانوا معي يعيشون نفس التجربة الآن، لكن ليس لهم حظ أن تأخذهم أمهم إلى حمام النساء كما أخذتني وهي  تفرك كل جسدي الصغير بالصابون البلدي والغاسول، ونساء الدرب عاريات أمامي. كان حمام النساء مكانا مشوقا فهن لا يكتفين بالاستحمام كما يحد في حمام الرجال الكئيب، بل يتحدثن عن كل شيء ويتحاكين الكثير من القصص الساحرة، كقصة كريمة الصحراوية التي ضربها زوجها لأنها  أخرت عليه العشاء، وزوجة الخياط “البيض” النحيلة التي هجرها زوجها فأضحت لا تطبخ سوى العدس لأبنائها الخمسة وكأنها تتفاخر بين النساء تقول لهن: “مال العدس راه فيه لحديد”، فترد عليها أمي: “أهل فاس أصبحوا يضعونه مع السلطات كطبق ثانوي بطاولة الغداء لا عيب بالعدس الله يصبرك ويخرج ليك الخير فوليداتك”…

كانت  المرأة التي تجذبني قصصها أكثر هي حليمة التي تتحدث دائما عن معاناتها كامرأة أرملة وكيف تمارس الاستمتاع الذاتي لأنها مخلصة لزوجها المتوفى مند عقد، عندما تسترسل بالحديث تطلب النساء من أمي أن تطردني “سوف لن تنمو لي لحية إذا بقي بيننا” ولأن قصص حليمة مشوقة فقد وددت لو أقول لهن: “لا أريد لحية” لكن لم أستطع فأضعت الكثير من قصصها الشيقة .

نعود إلى البيت و تذهب أمي للقيسارية مع الحاجة الشلحة مستغلة غياب أبي، و وجود أخواتي بالمدرسة، وأنا بدوي أستغل غيابها عن البيت وأفتح الصندوق السحري إنه صندوق خشب قديم مركون بزاوية البيت، أفتحه وأختار أحسن قفطان ألبسه مع المضمة وأضع أحمر الشفاهو أتجول بالبيت كأميرة للحظات قصيرة، ثم أزيل القفطان والمضمة و أفرك شفتي بالماء ومسحوق التصبين لأزيل أثر أحمر الشفاه نهائيا، فأمي قد تعود في أية لحظة.

 

 

 

 

 

 

التعليقات على يوميات امرأة في جسد رجل (الحلقة 1) مغلقة

‫شاهد أيضًا‬

عاجل.. مجلس النواب يصادق بالأغلبية على مشروع قانون المالية لسنة 2019

صادق مجلس النواب في جلسة عمومية، اليوم الجمعة، بالأغلبية على مشروع قانون المالية لسنة 2019…