نور الدين حاتمي
لايزال الناس يثيرون الشكوك حول وجود الكهنوت في الثقافة الاسلامية، وينددون بكل من تسول له نفسه أن يدنو من مجالهم المقدس.
والواقع، ان موضوع رجال الدين، أو الأكليروس، حقيقة جلية وواقعية، ولا مجال لتجاهلها ولا سبيل إلى إنكارها.
الآيات التي تشير إلى ذلك، أثبت من أن تنكر وأشهر من أن تذكر. يكفي أن نذكر معاناة الباحث المرحوم حامد نصر أبو زيد من الحرب اللا أخلاقية، وغير المبررة، التي شنت عليه من قبل اقزام عبد الصبور شاهين. و ما تعرضت له الباحثة المغربية، عالمة الاجتماع، فاطمة المرنيسي، من جانب سلطة الكنيسة الدينية في العالم الاسلامي.
هناك محاولات يائسة يقوم بها رجال الدين من أجل الحفاظ على مجالهم مقدسا، ومن أجل أن لا يتمكن المثقفون الجادون من سحب البساط من تحت أقدامهم .
وليتهم إذ يسعون إلى رد غائلة الناقمين عليهم، وكبح جماحهم، يبقون على يبدونه للناس من السمت الحسن، إنهم، اذ يشعرون أن مصالحهم، باتت مهددة، يحاربون بأسلوب ينم عن فجور شديد. ويستهدفون من يريدون النيل منه بشكل أعنف؛ فيخونونه ويفسقونه ويرمونه بكل نقيصة، و يتهمونه في دينه، حتى يؤلبوا عليه الرعاع والدهماء.
ولا يعلم أولئك انهم، بهكذا فعل، يقضون على مستقبلهم ويعجلون بانكفائهم.
إن تطرفهم ذاك لن يزيد إلا في تصلب المثقفين، ولن يوهن في عضدهم.
والتاريخ الأوروبي ليس بعيدا. وليعتبر منه أولئك الأدعياء. أنه، على الرغم من كل تلك الجرائم التي ارتكبتها الكنيسة، من أجل إيقاف عجلة العلم ومسيرته التقدمية، وعلى الرغم من أقدامهم على حرق العلماء وتعذيبهم، إلا أن العلماء واصلوا تقدمهم، وواصلو نضالهم ضدها، وجاهدوا حتى بينوا للناس تهافت كتابهم المقدس، عندهم، وتناقضه مع صريح المعقول، ومصادمته لخط التاريخ ومسيرة البشرية المندفعة نحو الحداثة .
وكانت النتيجة؛ أن الفلسفة هي التي انتصرت، والعلم هو الذي انتصر. وأن العاقبة كانت لصالح الدنيوي والعلماني. وأن الكنيسة، بكل ما تمثله، لحقها العار ومسخها، وعرى وجهها الكالح، وإبقاها دون طلاء.
وهذا، هو المصير الذي ينتظر هؤلاء العلماء المزيفين. فلئن لم ينته هؤلاء الاكليروس عن مزاولة دور حماة الدين وحراس العقيدة فان مستقبلهم، سيكون هو ماضي الكنيسة في أوروبا.
إن الاسلام العظيم، ليس في حاجة اليهم للدفاع عنه. إنه يدافع عن نفسه بنفسه، وأن المسلمين يتعين عليهم فقط أن يفهموه، وأن يتعاملوا، وفق مقتضياته، في حياتهم اليومية.
إن طريقتهم لن تفيد الاسلام ولا خطابه في شيء. وهي لا شك تسيء اليه ايما اساءة.
نقول هذا الكلام، كمقدمة لورقتنا هذه، التي نتناول فيها السجال الدائر حاليا، حول موضوع المساواة في الارث بين المراة والرجل، وما اثاره هذا الكلام من ردود مضادة ومتطرفة خلت من لغة الحوار والمنطق. وأبعدت في تقديرنا عن لغة السلف نفسه.
من باب الأمانة أن نشير الى أن الموضوع ليس بدعا، والذين يخوضون فيه الآن، لم يـأتوا بجديد، ولم تكن نهضتهم لفتح حوار بشأنه فتحا منت به السماء عليهم. إن هناك جملة من الباحثين اتوا على تناوله، وقاربوه من زاوية، نحسبها، محترمة. ونذكر في هذا المجال الفيلسوف، محمد عابد الجابري، فقد تحدث عنه في كتابه التراث والحداثة، وقدم قرأءة جديرة بأن تجعل موضوع الإرث معاصرا لنا. ودفاع علماء الاسلام وجهودهم من أجل رفع الالتباس عنه، ومن أجل تاكيد عدالة الاسلام، يؤذن بأنهم كانوا مهجوسين به، مسكونين بهمه.
لقد كان هذا النقاش معروفا، وأكثر من عادي في الثقافة الاسلامية.
لقد انقسم علماء الاسلام إلى علماء حرفيين ونصوصيين وعلماء مجتهدين. وانقسموا الى مدرسة الرأي والاجتهاد ومدرسة الحديث والآثر. وترتب عن ذلك ان انقسم الأصوليون أنفسهم إلى من يسأل النص ماذا يقول، ومن يسأل النص ماذا يريد.
والصحابة أنفسهم، الرعيل الاول الجيل المؤسس، الذين يزعم الادعياء أنهم يفهون الاسلام على فهمهم، هم أنفسهم، كانوا على هذه الصورة، اذ منهم من كان يجتهد ويسعى إلى أن يوافق روح الشريعة الغراء والعمل وفق مقاصدها، ومنهم من كان يكتفي بما نصت عليه الشريعة واكدت عليه ببيانها.
والفقهاء أنفسهم ذهب بعضم إلى أن الأحكام معللة، وبالتالي فهي تدور مع عللها، وجودا وعدما. وذهب آخرون إلى أنها غير معللة، وبالتالي لا معنى لأي اجتهاد، ولا معنى لأي تقدم فقهي.
واختلف العلماء بشأن قول فحواه أن الشريعة هي المصلحة وأن المصلحة هي الشريعة. وتباينت أقوالهم حول شرح هذه الفلسفة الرصينة والعميقة للشريعة.
وهذا عمر، الذي يكن له المسلمون احتراما، ربما ،لا يكنونه حتى للرسول صلى الله عليه واله، ويجلونه، ويضفون عليه من القداسة ما لا يضفونه حتى على النبي، حتى جعلوا له موافقات للقرآن، وصوروه، في حالة أكثر غيرة من من النبي.
اقول عمر الفاروق، عملاق الاسلام أسقط نصيب المؤلفة قلوبهم من الزكاة بدعوى أن النبي أعطاهم إياه، حين كان الإسلام ضعيفا، وكان في حاجة إلى تأليف قلوبهم. أما في زمانه هو، أي عمر، فإن الإسلام قوي، وبالتالي ليس في حاجة اليهم حتى يعطيهم اياها
وهو نفسه يوقع الطلاق بالثلاث مخالفا بذلك ما كان على عهد الرسول ص وخليفته الأول، لأن الناس اتخذو الطلاق لعبا ولهوا ،واستهانوا به؛ حتى كان الرجل، حسب بعض المصادر، يطلق زوجته عدد النجوم في السماء.
وتصرف في أرض السواد وغيرها بخلاف ما كان العمل به في زمن النبي وابي بكر. والقصة معروفة ومشهورة، فلا داعي لاعادة ذكرها.
ووأضح ان الفاروق، هنا، لم يكن مخالفا للشريعة او معطلا لها، حاشاه ،لقد كان يسعى إلى أن يحقق، ما يراه، هو عدلا، ويصيب مقصود الشرع.
والظاهر، أن مسالة المساواة في الإرث بين الرجل و المرأة، متى تم وضعها في سياقها التاريخي، فقد ينتهي الناظر فيها، الى أن القول بها مبرر،وله بعض من الوجاهة .
لقد جعل الاسلام للانثى نصف ما للذكر، في وقت لم تكن ترث فيه شيئا ، وكانت هي التي تورث، وكانت ينظر اليها كسلعة وكمادة يتمتع بها الرجل. حتى أنها كانت مسلوبة الانسانية والادمية.
وكون الإسلام في ذلك العصر نقلها تلك النقلة، التي يمكن أن نعتبرها ثورية، واعترف لها بادميتها وانسانيتها، وخطا، في مجال منحها حقوقها،فجعل لها ما نعرف من نصف ما للذكر، فقد وضع اللبنة الاولى في طريق تحريرها من سلطة الذكر، التي تصادر منها كرامتها، كانسان، ووضع أساس مساواتها به، كشريك تقليدي لها .
ثم أن المراة، لانذكر، انه كان لها دور في الانتاج والحياة الاقتصادية في كليتها .والذين يروجون انها كانت تمتهن بعض الحرف، فهذا يؤكد انها كانت، شريكة للعبيد، في القيام بهكذا وظائف حقيرة ،لا تراها العرب مما يجوز للكرام أن يقوموا بها.
لقد كان الاقتصاد، الذي عرفته العرب، مرتبطا بالغزو والتجارة، وهذا يتوقف على القوة البدنية والعضلية. ومعلوم أن الرجل متفوق على المراة في هذا بما حبته الطبيعة ومنت به عليه .
إعطاء الإسلام للمرآة نصف ما اعطى للرجل وهي لا تساهم في الانتاج. وهي تحت وصاية ابيها، او اخيها او زوجها، فكيف لو عاش النبي الى هذا الوقت ورأى الدور الذي تلعبه في الحياة الاقتصادية والاسهام الذي تقدمه فيها، ماذا عساه يفعل ويقول؟
يقول بعض من أهل العلم ان الشريعة عدل كلها، ومصلحة كلها، وحيثما كانت المصلحة فثمة الشريعة. وأي شيء خالف العدل فهو مخالف بالضرورة للاسلام، ومعارض لروحه وقصده.
فكيف يعقل أن تلعب المراة كل هذه الادوار، ثم لا تحرز أي تقدم فيما هو في صالحها ماديا وحقوقيا ؟
إن الغنم بقدر الغرم .
لقد كان حريا بالمنتسبين إلى العلم، أن يتعاملوا مع هكذا موضوع، بطريقة حضارية، ترقى إلى مستوى الاسلام الذي يقدمون أنفسهم منافحين عنه وترقى إلى مستوى أخلاقه .
وقد كان يكفيهم الرد على أصحاب هذا الرأي من خلال توظيف العلم، حتى وهو لا يسعفهم، وأدلجته ليخدم أغراضهم، وإيهام الناس أنه رأي متهافت، وأنه لا يستند على أي دليل. خاصة وأن، بحوزتهم، الكثير من القواعد العلمية التي يحسنون استعمالها لممارسة الإرهاب على العوام .
ونختم هذا المقال بالدعوة إلى التخلق في مقام الرد والرد المضاد بما نص عليه ابو الوليد ابن رشد، فيلسوف قرطبة، قال في تهافت التهافت؛ ومن العدل كما يقول الحكيم ارسطو أن يأتي الرجل من الحجج لخصومه بمثل ما يأتي به لنفسه اعني أن يجهد نفسه في طلب الحجج لخصومه كما يجهد نفسه في طلب الحجج لمذهبه وأن يقبل لهم من الحجج النوع الذي يقبله لنفسه.
إننا لا نتبنى هذا الرأي ولا نقول به ونرى أن الأسلم لنا في الدين هوان نحفظ له قدسيته.
غير أننا ندافع عن حرية الناس في الدفاع عن أفكارهم والتعبير عنها بالعلم والدليل.
مجلس المنافسة: حجم واردات الغازوال والبنزين بلغ أزيد من 14 مليار درهم خلال الربع الثاني من سنة 2024
أفاد مجلس المنافسة بأن حجم الواردات الإجمالية للغازوال والبنزين بلغ 1,65 مليون طن، بغلاف م…